بقلم: هادي جلو مرعي
برع العراقيون في علوم مختلفة، وأسسوا لحضارة زاخرة إمتازت بطابعها العمراني والتقني والثقافي، وماتزال حتى اليوم محط إهتمام علماء الآثار والبيئة، والباحثين في شؤون المعرفة والأكاديميين، والجامعات الكبرى حول العالم، وتركت للأجيال اللاحقة المزيد من الثراء والتباهي، ووفرت فرصة للنهوض بواقع الدولة في عصور مختلفة تالية لما توفر لها من عناصر حضور وتأثير، مع إن الإرث الحضاري كالإرث المادي ممكن الإستثمار فيه، والصرف منه في موارد الخير، وممكن إنفاقه في البذخ والترف واللهو، فيضيع، ولايعود لصاحبه سوى أن يندب حظه العاثر.
عندما تموت الحضارة، أو حين تصير مجرد ذكريات، أو غنوة حلوة من ضمن الأغنيات، وينفصل الناس عن تاريخهم وقيمهم وتقاليدهم، وينغمسون في الماديات، والترف في العيش، ويتنافسون في السياسة، ويتصدى الوضيع، ويقصى الرفيع، فحينها ندخل دائرة الشيطان، ونترصد لبعضنا البعض، ونحسد الذين يتقدموننا، وينجحون ونفشل، ويكون الصراع على أشده، تبدأ حرب من نوع مختلف، لا رحمة فيها، ولا تردد، تطيح بالمنافسين لمجرد أنهم منافسون، وليس لأنهم قتلوا عزيزا لنا، أو أحرقوا بيوتنا، وحرثوا زروعنا، ودمروا مانملك، هي المنافسة الرخيصة والشائنة على مواقع التواصل الإجتماعي، والصفحات الوهمية التي تنتهك الأعراض، وتروج للأكاذيب، وتجرح الكرامات، وتحشد الناس ليتكالبوا على الخصم بالشتيمة والتنكيل والتشهير الفاضح حتى مع غياب الدليل، وبلا رحمة، أو تفكير فيما إذا كان مايقال كذبة، أم هو حقيقة؟
براعتنا في التسقيط والتشهير لامثيل لها مع إنها ليست من صنعنا بل سبقتنا إليها أمم وشعوب، وإستخدمتها ببشاعة، ولكننا اليوم نبرع في تطويرها وتحديثها ما إستطعنا الى ذلك سبيلا بإستخدام التقنيات الحديثة، وبلاعبين ماهرين على الأنترنت، والمهم هو نشر الفضائح، وتأليب الناس، والترويج للأكاذيب وإذا ماتحقق الهدف المنشود فلتذهب الأخلاق والضمير والشرف الى الجحيم.
أقرأ ايضاً
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- دور الاسرة في تعزيز الوعي بالقانون عند افرادها