حسن كاظم الفتال
من الواضح والمعلوم أن إدارة شؤون الناس تستند على سلطتين أو مصدرين من مصادر القيادة . سلطة ظاهرة واضحة المعالم والمظاهر وأخرى خفيةٌ لا ترى إنما تلتمس بواطنها . وهاتان السلطتان تقودان الإنسان . وإن اختلفتا بالشكل والمضمون إنما كل منهما يسوق الإنسان إلى اتجاه معين يحدده القائد بمنظوره فإما إلى الشر وإما إلى الخير وكلمة سلطان إنبثقت من التسلط . وأساليب استلام السلطة متنوعة ايضا . ومن الواضح والمعلوم ايضا أنه توجد متناقضات ومتوافقات على هذا الوجود بل قد قامت الحياة عليها فمع وجود الطيب يوجد الخبيث ويقابل الجمال القبح والحُسن أمام السوء والسيئ . وهكذا سيد الشهداء سبط رسول الله صلى الله عليه وآله سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين صلوات الله عليه الذي هو ذاته منبع الحق وأصل الخير وجوهر العدالة أطلق تصريحه المدوي بقوله : (مثلي لا يبايع مثله ) فلنتوقف قليلا عند ظاهر وباطن منطوق كلمة مثلي . ما المقصود بها؟ المعروف أن المثل هو الشبه فطالما يوجد شيء فلابد أن هنالك من شبه له . وعوامل الشبه كثيرة . فالإنسان له شبه وكل مخلوق له شبه يشبهه في الشكل أو الهيكل والصفات أو المعالم . ونعتقد أنه قلما يختلف المتماثلان المتفقان إنما يختلف المتناقضان اللذان لا يمكن أن ينسجما مع بعضهما . فلا يمكن أن يقترن الخير مع الشر ولا يتوافق الخبيث مع الطيب ولا السيئ مع الحسن ولا القبح مع الجمال . الحسين عليه السلام إمام معصوم مفترض الطاعة ليس على وجه الأرض أحد يمكن أن يشابهه في صفة أو سمة أو سجية يمثل الإتجاه السماوي يمثل الفكر يمثل الإنسانية . وقوله صلوات الله وسلامه عليه عند مخاطبته القوم يوم عاشوراء حيث يقول عليه السلام : لا يوجد ابن بنت نبي غيري على وجه الأرض . إذ لا يماثله أحد في كل شيء فهو وتر موتور. أما يزيد المتسلط على رقاب الناس بسلطة القهر الغاشمة والقوة الظاهرة قوة الظلم والجور والظلامية والعنف يستحوذ على السلطة عنوة ولا يبايعه وينصاع له إلا مَن يمكن أن يمثل شخصه وفكره المنحرف ويكون على شاكلته. أُتيحَ لهذا الجائر الفاسق أن يقود الناس بقسوته وعنفه لذا إنساق له عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وأشباههما ليكونوا مصداقا لقانون شبيه الشيء منجذبٌ إليه . الإمام الحسين صلوات الله عليه بطهر نسبه وعظمة خُلُقه وخلقه وبفكره وإحقاقية حقه وأحقيته في القيادة لتوفر عناصرها فيه إذ قلدته السماء سلطة الولاية التكوينية والتشريعية فمن المحتم أنه أولى بأن يتسيد الناس ويسوسهم ويتراسهم بقيادة شرعية . لذا ما قاد الناس أجسادا مسيَّرة بل قاد العقول والقلوب والضمائر . وحين أطلق شعاره صلوات الله عليه ( إن مثلي لا يبايع مثله ) برهن على عدم توحد الإتجاهين المختلفين في مسيرة واحدة وبما أن معالم التناقض واضحة كل الوضوح فمن المحتم أن الإختلاف وارد . وإن هذه العبارة تعد أعظم رسالة إنسانية تاريخية ارسلها الإمام الحسين عليه السلام لكل الثوار . إن يزيد في حكمه لم يخضع لأي تشريع لا هو ولا أعوانه ولم تتحكم به اية ضابطة ولم يلتزم باي حكم من أحكام السماء إنما يستند في حكمه على البطش وترهيب وترويع الناس من ناحية وتخديرهم من ناحية أخرى . تتحكم بتصرفاته مزاجيات ما أنزل الله بها من سلطان . وإن التصرف المزاجي لا ينسجم مع أحكام الشريعة الإسلامية . أما سليل النبوة ومنبع الرسالة الإمام الحسين صلوات الله عليه فهو الخارج السائر بقوة إيمانه تسبقه عقيدته وإرادته وحرصه على تقويم المجتمع وسلوكياته .دفعته فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي فريضة من فرائض الإسلام هادفا بذلك تغيير واقع من حالة إلى اخرى .. من فاسد إلى صالح بل في غاية الصلاح . لذا نهض سيد الشهداء عليه السلام وأطلقت صرخته المشهورة والتي صدت كل تيارات الكفر والنفاق والتجبر . فقال ( لا ) للمزاجية التي أنهكت المجتمع وأدخلته في مستنقع التردي والتدهور كانت تجسيدا عمليا واضحا لمقولته الرافضة صرخة ( لا ) حطم الإمام الحسين صلوات الله عليه بها طوقا سميكا طوق الجماهير وأسقط الكثير من الحواجز وكانت من أهم المرتكزات التي ارتكزت عليها نهضته المباركة وكانت نقطة الشروع على المسير لتهديم عروش الظالمين .. والإطاحة بالملوك الجائرين .