بقلم: عبد الكاظم حسن الجابري
يمثل الرأي العام مبحثا للدراسين في مجالات السيسيولوجيا والأنثروبولوجيا, فالمسارات العامة المُشَكِّلَة للرأي العام تعطي قراءة فعالة –عادة- لمعرفة الطبيعية الانسانية والسمات النفسية لمجتمع معين.
وُضِعَت تعريفات كثيرة للراي العام اعتمادا على اتجاهات الدارسين الفكرية والفلسفية والنفسية والاجتماعية, لكن بالإمكان توجيه تعريف مختصر للرأي العام فنقول: هو الرأي الغالب لأكثرية جماعة معينة تجاه قضية محددة أو عدة قضايا, وللراي العام وتَشَكُلِه عناصر كثيرة, اهمها الافراد الذين سيحملون هذا الراي ويقودون التنظير له.
على مستوى المجتمع العراقي تبرز اراء مختلفة حول قضايا معينة, سواء أ كانت سياسية أم وظيفية أم دينية أم اجتماعية, وعادة ما يُشَرِّق بعض الناس فيما يغرب اخرين في وجهات نظرهم حيال المواضيع المطروحة.
الحقيقة وللاختصار فان سمات الراي العام العراقي هي عبارة عن جزئيات متفرقة, لا تعدوا عن كونها رؤى لأفراد وجماعات صغيرة داخل المجتمع, ويندر أن تمثل قضية معينة رأيا عاما يشمل مختلف شرائح المجتمع.
غياب الوضوح في الرأي العام العراقي هو انعكاس للانقسام القومي والطائفي والمناطقي والحزبي داخل المجتمع, فما يرضاه افراد معينون تجد ان افراد اخرون يرفضونه وهكذا, لذا صار الرأي العام العراقي مشوشا وغير واضح المعالم, فمثلا ان كل العراقيين متفقون حيال الفساد, الا انهم مختلفون في تشخيص الفاسد, فيما اخرون مختلفون في الية محاربة الفساد ونوعية المسالك التي يسلكونها لمكافحته.
معادلة واضحة تحكم المشهد العراقي, وهذه المعادلة تقف حائلا تجاه تكوين رأي عام موحد, فمثلا هذه الجماعة ترى الفساد مشكلة, لكنها نفسها تنزه المنتمين لها من الفساد, وتشير بأصابع الاتهام للجهات الاخرى, وتغض الطرف عن مناصريها, ويقاس مقدار تضمين الافراد تحت راي عام معين بمقدار ولاءهم او بعدهم من الجهة التي شرعت في تكوين هذا الراي.
من أهم عناصر الراي العام هي المعرفة والسلوك والمعتقدات والعادات والقادة اضافة الى عناصر اخرى, هذه العناصر ان غابت او حاول المكونون للراي العام القفز عليها سوف تجد من يقف بالضد منهم ويشكك في نواياهم.
من ابرز الاحداث التي عصفت بالعراق في الاشهر الاخيرة هو حالة التظاهرات المنادية بالإصلاح, هذه التظاهرات والتي لا يختلف اثنان عن جدية مطالبها واحقيتها الا انها فقدت الدعم والتعاطف بسبب فقدانها لاهم عناصر تشكيل الراي العام, فالقيادة الواضحة والمعروفة كانت غائبة تماما عنها, مما جعل الناس تشكك بالمحركين لها ودوافعهم, كذلك كانت بعض السلوكيات الخاطئة سببا لعزوف الناس, فأعمال الحرق وإغلاق الدوائر وقطع الطرق وحادثة الوثبة والسنك من اهم الاسباب التي افقدت التظاهرات الزخم.
المعرفة التي كانت غائبة في اغلب المشهد كانت سببا في فقدان الدعم الشعبي, فكثير من المتظاهرين كانوا يفتقدون للمعرفة القانونية في الية التظاهر, واخذ الحقوق حتى غدت حركتهم عشوائية.
اهم عامل افقد تلك التظاهرات زخمها هو تهجم المدونين والناشطين المساهمين في التظاهرات على المعتقدات الدينية -وبالخصوص الشيعية- وكان للمرجعية الدينية النصيب الاكبر من هذا التهجم والتسقيط, كما ان الحشد البطل نالته سهام المدونين المسقطة رغم ما يمتلكه الحشد من اثر في وجدان الشعب العراقي.
الراي العام العراقي الوحيد الذي اجمع عليه العراقيون هو محاربة داعش عام2014, والاستجابة لفتوى المرجعية ودعم المقاتلين, الا ان هذا الامر لم يدم طويلا! فما ان تحقق الانتصار الا واتجهت سهام الاعلام المعادي لضرب هذه المؤسسة التي اوقفت مخططات اعداء العراق بفضل تلبيتها لفتوى المرجعية العظيمة.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- فزعة عراقية مشرّفة
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!