المعصوم له علمه واخلاقياته في تصرفاته وقد نعلم دوافع البعض ونجهل البعض ولكن بالنتيجة نحن نؤمن ان كل ما يقدم عليه المعصوم هو الصحيح ولكن تحاول عقولنا القاصرة دراسة وتحليل الفعل او القول للمعصوم لاستنباط الدروس والمواعظ مع صدق النية وقد تثار بعض الاسئلة عن بعض المواقف التي نراها متناقضة فالطيب يريد الاجابة ليقتنع والخبيث يطرح السؤال للتنكيل.
وردني سؤال من احد الاخوة او الاخوات بخصوص موقف امير المؤمنين علي عليه السلام مع زياد بن ابيه ومعاوية بن ابي سفيان باعتبار ان الاثنين من جنس واحد في عدائهم لاهل البيت ولكن الامام استخدم زياد في حكومته وداهنه ولم يداهن معاوية الذي كان أولى بالمداهنة لتجنب فتنه ومشاكله لاسيما ان الخلافة كانت في بدايتها.
للحديث عن هذا الموضوع لابد لنا من الاشارة الى نقطة مهمة والتي لها فلسفتها الخاصة الا وهي طالما ان الامام يعلم الغيب بالمقدار الذي يرتضيه الله وبأمره لماذا لم يتخذ الاجراء المناسب لما يحدث؟
مسالة علم الامام بالغيب تخضع لموازين دقيقة لايمكننا ان نحددها ولكن الاخبار والروايات تذكر الامثلة الكثيرة على علم المعصوم بالغيب ببعض الحوادث، واما مسالة معرفته القتلة ولم لم يقتص منهم؟ فهذا لايجوز القصاص قبل الجناية.
الحديث عن زياد بداية انه معلوم النسب بانه ابن زنا وهذا كان في الجاهلية حسب اعتراف ابي سفيان واما في الاسلام فلا يؤاخذ المرء بما اقترف في الجاهلية والا لو اردتم الاطلاع على ما اقترف البعض في الجاهلية فعليكم مراجعة كتاب مثالب العرب والعجم للكلبي وستجدون ان البعض ممن يعتبرونهم صحابة اجلاء كانت امهاتهم زانيات او ذات راية.
روى محمد بن عمر الواقدي قال قال أبو سفيان و هو جالس عند عمر وعلي هناك وقد تكلم زياد فأحسن فقال علي ع من أي بني عبد مناف هو؟ قال: ابني، قال: كيف؟ قال: أتيت أمه في الجاهلية سفاحا. وروى علي بن محمد المدائني قال لما كان زمن علي (ع) ولى زيادا فارس أو بعض أعمال فارس فضبطها ضبطا صالحا وجبى خراجها و حماها.
هنا استخدمه امير المؤمنين على بلاد فارس لانهم يجهلون نسبه وفي نفس الوقت يكون زياد قد خفت حالته النفسية مما يعاني منه بين العرب بسبب نسبه هذا اولا وثانيا ان زيادا بايع علي بالخلافة اما معاوية فانه رفض البيعة واعلن العصيان، ثالثا ان لمعاوية مواقف سلبية من الامام ايام عثمان وبعد مقتل عثمان وفي حرب الجمل اما زياد فكان منعزلا وكانت ولايته على الفرس سنة 39.
كما وكاتب معاوية زيادا قائلا له : أما بعد فإنه غرتك قلاع تأوي إليها ليلا كما تأوي الطير إلى وكرها وايم الله لو لا انتظاري بك ما الله أعلم به لكان لك مني ما قاله العبد الصالح فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً....الى اخره
فلما ورد الكتاب على زياد قام فخطب الناس وقال العجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النفاق يهددني وبيني وبينه ابن عم رسول الله ص وزوج سيدة نساء العالمين وأبو السبطين وصاحب الولاية والمنزلة...الى اخره، وبعث بكتاب معاوية في كتابه الى علي (ع) فكتب إليه علي (ع): أما بعد فإني قد وليتك ما وليتك وأنا أراك لذلك أهلا وإنه قد كانت من أبي سفيان فلتة في أيام عمر من أماني التيه وكذب النفس لم تستوجب بها ميراثا ولم تستحق بها نسبا وإن معاوية كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه و عن يمينه وعن شماله فاحذره ثم احذره ثم احذره و السلام.
الامر الآخر ان الامام علي عليه السلام لا يعرف المداهنة على حساب الحق وفي نفس الوقت لا يقتص ممن يضمر في قلبه نفاقا وظاهره سليم والا لو كان ذلك فهنالك كثير من الذين يقال عنهم اصحاب قال عنهم رسول الله انهم منافقون ولكنه لم يقتص منهم ورسول الله هو من بعث خالد بن الوليد الى بني جذيمة وسفك الدماء وتجاوز الحدود وقال عن فعلته هذه إنني بريء مما فعل خالد فهل هذا يعني والعياذ بالله تقصيرا من رسول الله في استخدام خالد؟ ورسول الله نفسه استخدم عمرو بن العاص على جيش في معركة ذات السلاسل وانتم تعلمون اصل وفصل عمرو.
الكثير ممن كانت سيرتهم حسنة مع الائمة ثم انحرفوا ومنهم الزبير مثلا وحسان بن ثابت والقائمة تطول فالتاريخ يقول الى لحظة استخدام علي عليه السلام زيادا على الفرس كان افضل من معاوية ولم يصدر منه ما صدر من معاوية.