- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل يحق لحكومة الكاظمي إتخاذ قرارات مصيرية ؟
بقلم: حسين فرحان
لم يخرج الشعب العراقي محتجا لأنه فقد بعضا من المكملات الحياتية، ولم يتظاهر لأن شرطيا قام بخنق أحدهم كما حدث في الولايات المتحدة، او لأن الحكومة حرمت شريحة من شرائحه حقها فانتفضت كما حدث في فرنسا .
الأمر مختلف، فالحكومات العراقية قامت بخنق شعب كامل، وحرمته كل حقوقه، وجعلت كل همها في أن تخرج هي من رحم المحاصصة دون نظر لعواقب ذلك .
١٧ عاما مضت، توقفت فيها حياة وطن اختنق فيه الجميع، إلا بعض الفئات فيه فهي ما تزال سعيدة جدا بركوب (جكساراتها) والتجول بها في شوارع مليئة بالتخسفات والتشققات وفي أجواء تئن من الغبار ودخان المولدات الأهلية، فذلك أمر هين بالنسبة لها إذ أن نوافذ (الجكسارة) تقي من كل هذا التلوث وعجلاتها تقوى على الدوران في هذه الشوارع.
ليس من المهم لدى هذه الفئات أن تبني قصورها في مدن متهالكة فالمهم أنها قصور لا تنقطع عنها الكهرباء ولا يسمع فيها ضجيج الباعة المتجولين.
وليس من المهم لديها أيضا أن يطول انتظار (العمال في المسطر) لقادم يختار منهم من يشاء، كما لا يهمها أن تكون رواتب بعض الفئات غير كافية لإشباع جشع أصحاب المولدات، وبعض الأطباء والصيادلة وتقلبات الأسعار، مادامت هي تتقاضى عدة رواتب في آن واحد.
ليس من الأهمية أيضا عند هذه الفئات أن تُقتل الزراعة والصناعة في هذا البلد لكي ينعم السماسرة بترويج بضائع دول الجوار الجغرافي ومشتقات ألبان أبقارها وكأن العراق يشهد انقراضا لبقراته فتنقذه بقرات السعودية وإيران وتركيا ..
ليس مهما أيضا - ومازال الكلام حول هذه الفئات المنتفعة - أن يقضي الطلبة في مدارسهم يوما شاقا في تحمل استنشاق ثاني أوكسيد الكربون في صف يجلس فيه خمسون شخصا أو يزيدون، كل واحد منهم هو إنسان بحسب معايير الحياة، له كيانه وحقه ووجوده وقدرة تحمله، فكيف به إذا كان طفلا يُزج به في هذه الصفوف التي لاتليق حتى بالحيوانات، بينما تسرق المليارات لتضخيم الأرصدة الشخصية لرجالات النفوذ والسلطة. فالمهم هو ان ابناء هذه الفئات يتلقون تعليمهم في المدارس الخاصة المكيفة .
ليس مهما ان يكون البلد بلا مستشفيات ولا بنى تحتية للمؤسسة الصحية التي تواجه اليوم تحديا كبيرا في مواجهة وباء كورونا، فالمهم هو قدرتها على السفر في اية لحظة من غرف نومها الى غرف العمليات في ارقى مستشفيات العالم .
ليس مهما أن تكون موازنة العراق التشغيلية قد بلغت أرقاما مرعبة لتغطية الرواتب دون أي تخطيط لهذا الأمر، فالمهم ان يحصل كل الذين تم تعيينهم في وزارات وهيئات مستحدثة على مخصصاتهم وليذهب المستقبل للجحيم فمادام النفط قادرا على سد الاحتياجات فما من دواع لوضع خطط اقتصادية خمسية كانت أو عشرية .
هذه وغيرها هي ما دعت الشعب لان ينتفض مطالبا بتغيير الوجوه ولا يلام في ذلك..
قبل جائحة كورونا التي عطلت كل شيء كانت المطالب قد بلغت مراحل متقدمة، رغم بعض المحاولات هنا وهناك لتشويه صورة التظاهر السلمي المطالب بالحقوق المشروعة -وهذا ما دعا المرجعية لأن تطالب بتمييز الصفوف- فتعددت المشاهد التي يهدف اصحابها لتحقيق غاياتهم فيها وهو أمر متوقع، لذلك لم تخل الساحات من تغريدات خارج سرب المطالبين بالإصلاح الحقيقي فكان لأيتام البعث أجندتهم وحلمهم بالعودة تحت مسميات جديدة وهم يرددون دون خجل أناشيدهم الصدامية في ساحات التظاهر، وكان للجوكر أجندته لتغيير الواقع السياسي والمجتمعي وجعله أمريكي الهوى والتوجه والإنتماء فكانت مشاهد التحلل والابتذال والدعوة الى الشذوذ حاضرة في بعض المشاهد، وكان للعصابات أجندتها في استغلال الأحداث من أجل فرصة قد تسنح للدخول إلى مصرف أو محل تجاري، وكان لبعض لأحزاب الحاكمة أجندتها في استغلال نفوذها للقمع وتشويه صورة الغالبية العظمى من المتظاهرين واتهامهم بشتى التهم لأن هذه الأحزاب تعلم أن التظاهرات إذا بلغت فيها المطالب مرحلة النضج والوعي، فإن ذلك سيؤدي لسحب البساط من تحت أقدامها وخسارة امتيازاتها، فكانت لجميع هذه الفئات المتصارعة صولاتها وجولاتها، لكن إصرار النخب الخيرة- وهي الأغلبية الساحقة- على التغيير فرض واقعا مغايرا على الإرادات الأخرى فلم يخل المشهد من دماء أريقت فيه.. فأين انتهى بنا المطاف قبل أن يخيم وباء كورونا على العالم ؟
توقفنا عند خارطة طريق وضعتها المرجعية الدينية العليا ولم يختلف فيها أحد ممن يبحثون عن وطن (فرهدته) الأحزاب من كل المكونات دون استثناء (شيعة وسنة وأكراد وأقليات) وانتهكت حرمته التدخلات الخارجية وصراعات النفوذ والسلطة .
خارطة الطريق هذه تضمنت :
( قانون انتخابات عادل يرعى حرمة أصوات الناخبين، وقانون لمفوضية الإنتخابات، وانتخابات مبكرة ) .. اما الحكومة ( غير الجدلية ) فإن وظيفتها كما جاء في خطبة الجمعة ٢٠ كانون الأول ٢٠١٩ فهي : " لابد من أن تكون حكومة غير جدلية، تستجيب لاستحقاقات المرحلة الراهنة، وتتمكن من إستعادة هيبة الدولة وتهدئة الأوضاع، وإجراء الإنتخابات القادمة في أجواء مطمئنة بعيدة عن التأثيرات الجانبية للمال او السلاح غير القانوني وعن التدخلات الخارجية".
فالمرجعية هنا وبعد استقالة حكومة عادل عبد المهدي طالبت بتشكيل حكومة وفق شروط معينة ومن وظائفها المهمة إجراء الإنتخابات التي سينبثق عنها برلمان منتخب عبرت عنه المرجعية في الخطبة ذاتها: "على أمل أن يقوم مجلس النواب القادم والحكومة المنبثقة منه بالدور المطلوب منهما في إجراء الإصلاحات الضرورية للخلاص من تبعات الفساد والمحاصصة وغياب العدالة الاجتماعية في المدة السابقة".
المرجعية العليا ركزت على أن تكون الإنتخابات مبكرة- وفي نفس الخطبة - بقولها: "وعلى ذلك فإنّ أقرب الطرق وأسلمها للخروج من الأزمة الراهنة وتفادي الذهاب الى المجهول أو الفوضى أو الاقتتال الداخلي ـ لا سمح الله ـ هو الرجوع الى الشعب بإجراء انتخابات مبكرة، بعد تشريع قانون منصف لها، وتشكيل مفوضية مستقلة لإجرائها، ووضع آلية مراقبة فاعلة على جميع مراحل عملها تسمح باستعادة الثقة بالعملية الانتخابية".
لذلك على الحكومة الحالية أن تضع في حساباتها أنها ولدت في أجواء يحيط بها الإحتجاج والرفض والحديث ليس عن شخص الكاظمي أو غيره لكنه حديث عن مطالب شعب لا تتحقق ولن تتحقق مع هذا النوع من النظام الذي نشأ على مبدا المحاصصة وتغليب المصالح، وكلما أسرعت حكومة الكاظمي باتجاه اجراء انتخابات مبكرة كلما كان ذلك افضل بدلا من البقاء في هذه الدوامة وتحمل مسؤوليات تاريخية وتبعات قانونية بعقد اتفاقيات وصفقات قد يعجز العراق عن الالتزام بها مستقبلا، فالخير أن تترك كل الإتفاقيات لحكومة قادمة تنبثق من انتخابات تعتمد قانونا انتخابيا جديدا نامل بأن يزيح الكثير من الوجوه التي لم تجلب الخير للبلد.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!