- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المفاوضات العراقية - الامريكية بين النص والاجتهاد
بقلم: عادل الموسوي
مفاوضات عراقية امريكية في محاور عدة، "تربو على الثلاثين محوراً" وفي البين مخاوف كثيرة، واحاديث عن ضعف الوفد "العراقي" المفاوض وقلة الخبرة، وأخرى عن ميول لدعم المكاسب "الأمريكية" والانحياز لها، وتساؤلات عن توقيت الحوار في ظل الحكومة الجديدة والوضع المأساوي الراهن، وهواجس من أن يكون الوفد "امريكيّ" الهوى، او كحالِ أبي موسى في قضية التحكيم.
تصريحات أمريكية تخلو من حديثٍ او تفكيرٍ بالانسحاب، وتلميحات لتكون المحاور الجديدة امتداداً لاتفاقية ٢٠٠٨، باعتبار سبق المصادقة عليها من مجلس النواب، تجنباً للحاجة إلى مصادقة جديدة.
من تطبيقات الاتفاقية السابقة انسحاب القوات الأجنبية الذي تم عام ٢٠١١، ومن الرزايا عودة القوات بطلب من حكومة المالكي بعد احتلال "داعش" لمدن من العراق عام ٢٠١٤.
وفي ظل تداعيات قصف القوات "الأمريكية" لمواقع الحشد وحادثة المطار ومقتل الشهداء من ابطال معارك الانتصار، صوَّت مجلس النواب على قرارٍ بخروج القوات الأجنبية بإجماعٍ شيعي منفرد، وامتناعٍ من الشركاء في الوطن لوجهة نظر ما.
تساؤلات عن صلاحية إجراء المفاوضات في ظل حكومة مؤقتة، واخرى عن اخضاع نتائج المفاوضات إلى مصادقة مجلس النواب، وعن صلاحيات المجلس الحالي في المصادقة.
اخبار واراء، تصريحات وتكهنات، في ظل توقيت ووضع مريبين ومواقف مجهولة الأهداف، لا يمكن الركون إليها لوجود الشبهة.
{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}.
ويبدو أن "الشيطان" أدرك ما لم يدركه الغافلون او الواهمون، لذا فهو يسعى إلى جعل المفاوضات الجديدة امتداداً للاتفاقية السابقة، ولعله علم أن المجلس لا صلاحية له بالاقرار والمصادقة، فلا اجتهاد فيما جاء فيه نص، فبين يدي الاتفاقية الأولى والحديث عن مفاوضات جديدة نصوص تامة السند ظاهرة الدلالة.
"مكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني -دام ظله-"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: لقد أقرت اتفاقية انسحاب القوات الأجنبية من العراق في مجلس الوزراء، واحيلت الى مجلس النواب للنظر فيها والمصادقة عليها او رفضها، ويتساءل الكثير من المواطنين عن موقف سماحة السيد دام ظله في هذه القضية، وما ابلغ به المسؤولين في الحكومة ومجلس النواب الذين استقبلهم في الفترة الأخيرة، حيث زعمت بعض وسائل الاعلام ان سماحته قد ابلغهم بموافقته على الاتفاقية بعد التعديلات الأخيرة، يرجى التوضيح وشكراً.
بسمه تعالى
ان ما ابلغ به سماحة السيد -دام ظله- مختلف القيادات السياسية خلال الايام والاسابيع الماضية هو ضرورة ان يبنى ايّ اتفاق يستهدف انهاء الوجود الاجنبي في العراق واخراج البلد من تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة على اساس امرين:
اولاً: رعاية المصالح العليا للشعب العراقي في حاضره ومستقبله، وتتمثل بالدرجة الاساس في استعادة سيادته الكاملة وتحقيق امنه واستقراره.
وثانياً: حصول التوافق الوطني عليه، بأن ينال تأييد مختلف مكوّنات الشعب العراقي وقواه السياسية الرئيسة. وقد أكد سماحته على ان اي اتفاق لا يلبّي هذين الأمرين وينتقص من سيادة العراق سياسياً اوامنياً او اقتصادياً، او انه لا يحظى بالتوافق الوطني فهو مما لا يمكن القبول به، وسيكون سببا في مزيد معاناة العراقيين والفرقة والاختلاف بينهم.
وشدد سماحته ايضا على ان ممثلي الشعب العراقي في مجلس النواب يتحملون مسؤولية كبرى في هذا المجال، وعلى كل واحد منهم ان يكون في مستوى هذه المسؤولية التاريخية امام الله تعالى وامام الشعب فيتصدى لابداء رأيه في هذا الموضوع المهم واضحاً جلياً ووفق ما يمليه عليه دينه وضميره بعيداً عن اي اعتبار آخر، والله الموفق".
(مكتب السيد السيستاني - النجف الأشرف ٢٠٠٨/١١/١٨).
وخلاصة النص مبنية على امرين:
الاول: إستعادة السيادة الكاملة للعراق وتحقيق امنه واستقراره.
الثاني: التوافق الوطني وتأييد مكونات الشعب وقواه السياسية الرئيسة.
وان أي اتفاق لا يلبي هذين الأمرين فهو مما لا يمكن القبول به.
بالغض عن التقييم وكون الاتفاقية السابقة قد تحقق فيها الأمرين ام لا، إلّا أنّ النتيجة إنّ "امريكا" خرقت الاتفاقية لمرات ولم تحترم السيادة الوطنية للعراق.
من بنود تلك الاتفاقية أنها تنتهي بعد ثلاث سنوات من ابرامها، وان العراق يستطيع الغائها او طلب مغادرة القوات الأجنبية، إلا أن "امريكا" هددت بطلب التعويض.
رغم ما وصفت به تلك الاتفاقية من تضمنها لامتيازات عراقية واشادة بالمفاوض العراقي -انذاك- إلّا أنها بالنتيجة غير ملزمة الّا للجانب العراقي، وذلك لاستهتار الجانب "الامريكي" وعدم احترامه العهود والمواثيق.
إذن فكيف بالمفاوضات الجديدة في ظل ظروف تم الاعداد والتمهيد لها بالشكل الذي يراد منه التمكين والتغليب..
أن هذه المفاوضات تتعلق بالسيادة العراقية والأمن والاستقرار، وهي من المصالح العليا للشعب العراقي، وهي من القضايا التي توصف قراراتها بأنها مصيرية، ولا توافق في البين بين القوى السياسية الرئيسة الممثلة لمكونات الشعب العراقي لذلك و..
"بالنظر الى الإنقسامات التي تشهدها القوى السياسية من مختلف المكونات، وتباين وجهات النظر بينها فيما يحظى بالأولوية في المرحلة المقبلة، وتعذر إتفاقها على إجراء الإصلاحات الضرورية التي يطالب بها معظم المواطنين، مما يعرّض البلد لمزيد من المخاطر والمشاكل، فيتحتم الإسراع في إجراء الإنتخابات المبكرة ليقول الشعب كلمته ويكون مجلس النواب القادم المنبثق عن إرادته الحرة هو المعنيّ بإتخاذ الخطوات الضرورية للإصلاح وإصدار القرارات المصيرية التي تحدد مستقبل البلد ولا سيما فيما يخص المحافظة على سيادته وإستقلال قراره السياسي ووحدته أرضاً وشعباً".
(خطبة الجمعة ٢٠٢٠/١/٣١)
فبينما شدَّد النص السابق عام ٢٠٠٨ على "ان ممثلي الشعب العراقي في مجلس النواب يتحملون مسؤولية كبرى في هذا المجال.."، إلا أن النص في ٢٠٢٠ ظاهر في أن مجلس النواب العراقي الحالي ليس لديه أية صلاحية للمصادقة على نتائج المفاوضات العراقية الأمريكية الحالية المزمع إجراؤها، فهذا النص هو تنفيذ لتحذير سابق، "إذ لن يكون ما بعد هذه الاحتجاجات كما كان قبلها في كل الأحوال، فليتنبهوا الى ذلك".
ولكن هل النصوص ملزمة للقوى السياسية الممسكة بزمام السلطة؟!
نعم، تكون كذلك عندما "..يقول الشعب كلمته ويكون مجلس النواب القادم المنبثق عن إرادته الحرة هو المعنيّ بإتخاذ الخطوات الضرورية للإصلاح وإصدار القرارات المصيرية".
أقرأ ايضاً
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- سلطة المشرع في إصدار النص القانوني المقضي بعدم دستوريته مجدداً