- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أصداء الشيخ (محمد مهدي الآصفي) السيستانية
بقلم: نجاح بيعي
حينما يُبدي عالم ديني مُجتهد رأيه في الشأن العراقي المعقد كسماحة الشيخ (محمد مهدي الآصفي) فما علينا إلا أن نجزم على نحو الحقيقة بأن هذا العالم الديني المُجتهد ليس كغيره من العلماء, وأن رؤيته للأحداث وتشخيصه للأزمات وإعطائها الحلول الناجعة قطعا ً تختلف عن رؤى وتشخيصات وحلول غيره. كيف لا وقد نعته السيد المرجع الأعلى في النجف الأشرف حين نعاه بـ( العالِم العامل بعلمه) و(الزاهد في الدينا والراغب في الآخرة) و(المتمسك بسُنة النبيّ وأهل بيته الأطهار ـ عليهم السلام) عندما وافته المنية في يوم (4 حزيران عام 2015م) وهي صفات لا يُمكن أن تُطلق جزافا ًمن مقام المرجعية الدينية العليا إلا ولها محل ومصداق عنده (قده).
فمن عرف (الآصفي) فقد عرفه ومن لم يعرفه فما عليه إلا يُطالع تأريخ العراق منذ أربعينيات القرن الماضي, فما من حادثة سياسية أو جتماعية أو فكرية أو دينية أو غيرها, إلا وله به موقف أو رأي منه (قده), يُستشرف منه عَراقته ونجفيته وعِراقيته الصميمية. فهو العالم الديني المُجتهد, والمفكر الإسلامي المستنير, والباحث المُحقق, والمجاهد المخضرم, والسياسي المحنك, والأستاذ والمربي والمعلم, والذي لم يدّخر جهدا ً إلا وبذله في سبيل الإسلام والمسلمين ورفعتهما.كان سماحته قد نهل الفقه وعلوم الدين ومعارف الشريعة على يد السيد (الخوئي) وعند السيد (الخميني) فكان سماحته يقف (إن جاز التعبير) على (الأعراف) بين مدرسة الإمام (الخوئي ـ قده) الفقهية النجفية العتيدة, وبين مدرسة الإمام (الخميني ـ قده) الفقهية الجديدة, فمنهجه الفكري مزيج عجيب بين المدرستين, رغم وجود إختلافات في الرؤى والمتبنيات لكلا المدرستين الدينيتين الفقهيتين, وهو مقام ندر من يقف عالم ديني مُجتهد مثله عليه.
كان نصير القضية العراقية ونصير تطلعات الشعب العراقي بجميع مكوناته المختلفة على طول مسيرة حياته الجهادية ـ السياسية, التي ابتدئها منذ نعومة أظافره في النجف الأشرف, وله (قده) مواقف مشهودة كثيرة في ذلك ولا سيما مواقفه المؤيدة والداعمة والساندة لـ(فتوى الدفاع المقدسة) ضد عصابات د11عش التكفيرية الظلامية. ولفت نظري الى موقفين (إثنين) من مواقفه ومدى تطابقهما مع مواقف المرجعية العليا في النجف الأشرف بخصوص المعركة ضد داعش.
وقبل ذلك.. ربما يجدر علينا أن نلحظ ونسجل موقفه من رؤية ومنهج المرجعية العليا في التعامل مع (المحتل) الأميركي للعراق عام 2003م, حتى نقف على نمط تفكير هذا (العالم العامل) وتعامله مع الأحداث المصيرية التي أبتلي به العراق وشعبه ومرجعيته الدينية, حيث تعامل سماحته بمنتهى الورع والحرص (وفق المنظور الشرعي) على مصلحة العراق وشعبه. ففي معرض دفاعه عن المرجعية العليا بسلسلة مقالات أسماها (المؤسسة الدينية بين الواقع والإفتراء) ورد عنه في حلقة رقم (3) الموسومة بـ(موقف المرجعية الدينية من الإحتلال):
ـ(إن الظروف الحاضرة الفعلية غير ملائمة لأن تتصدى المرجعية الدينية لمقاومة الأمريكان, وتعلن الجهاد, على مستوى المقاومة المسلحة, من دون أن يصدر من المرجعية الدينية ـ منع ـ ولو بكلمة واحدة عن عمليات المقاومة التي كانت تجري على الأرض). بالرغم من أن هذه القراءة قد فُهم منها إجازة شرعية للمقاومة المسلحة (لبعض الشرائح الإسلامية في العراق) ضد المحتل, كون المرجعية العليا لم يصدر منها (منع) صريح بذلك, ألا أنه كان مؤمنا ً من جانب آخر, بمشروع السيد (السيستاني) القاضي بإحتواء ومصادرة المشروع الامريكي لإحتلال العراق من خلال: (المطالبة بتدوين دستور للعراق يشارك فيه كل الأطراف العراقية) و(يصوت عليه كل العراقيين) ثم(الدعوة الى انتخابات نيابية عامة للعراق يشارك فيها كل العراقيين بشرائحهم المتعددة) و(انتخاب حكومة وطنية من خلال هذه الإنتخابات). وهذا المشروع كفيل لأن يُطوق الإحتلال ويؤدي الى إفشال خططه في التحكم بمصير الشعب العراقي وتغيير هويته الثقافية).
وكان الشيخ (الآصفي ـ قده) قد ردّ على الذين أشكلوا على السيد المرجع الأعلى (السيستاني) عدم إعلان (الجهاد) ضد المحتل الأميركي بعد عام 2003م بطريقة المستنير الذي يمزج بين العمل الميداني ـ السياسي والشرع بأن لـ(إصحاب الرأي أن يوافقوا المرجعية الدينية في رأيها وموقفها, ولهم أن يناقشوه وينقدوه, وليس في شيء من ذلك باس) من الناحية الشرعية وقطعا ً سيجدون عند المرجعية العليا الجواب الشافي والوافي في ذلك. ولكن وهنا بيت القصيد: (ليس لأحد إطلاقا ً طبقا ً للموازين الشرعية أن يتهم المرجعية بإيثار العافية في تجنب الإصطدام بالأمريكان ومقاومتهم ومصانعتهم).
ـ الموقف الأول: في تاريخ 3/1/2014م أي قبل (5) خمسة أشهر و(10) وعشرة أيام من صدور (فتوى الدفاع المُقدسة) كانت المرجعية العليا قد نبهت وحذرت (عبر منبر جمعة كربلاء) جميع العراقيين بما في ذلك الحكومة العراقية وكل القوى السياسية من جميع المكونات, من مؤامرات تهدف للنيل من سيادته وأمنه وتمزيق سلمه المجتمعي, تقوم بها العصابات الإرهابية والمجاميع التكفيرية بإسم الدين والطائفة زورا ً وبهتانا ً, وكأنها تُنبئ الجميع بخطر (د11عش) لذي سيُداهم العراق مستقبلا ً.
حيث كان هذا التنبيه والتحذير مُقدمة لـ(فتوى الدفاع المُقدسة) التي أطلقتها ضد عصابات د11عش. وقالت بالحرف الواحد على لسان السيد (أحمد الصافي) ما يلي: ـ(إنّ مكافحة القوى الظلامية التي لا تعرف إلا القتل والدمار هي مهمة وطنية لا تختصّ بطائفة دون أخرى، وعلى مكوّنات الشعب العراقي كافة أن تقف خلف القوات المسلحة وأبناء العشائر الذين يحاربون هذه القوى المنحرفة، التي تئنّ الشعوب الإسلامية من ممارساتها الدموية المشينة والتي ينسبونها الى الدين الإسلامي وهو منها براء).
كان الشيخ (الآصفي) وبعد (3) ثلاثة أيام من تحذير المرجعية العليا أعلاه, قد أصدر بيانا ً بتاريخ 6/1/2014م (حول الأحداث الأخيرة في العراق ـ ويقصد الأنباء عن دخول إرهابيين من سوريا الى العراق مستغلين الفراغ الأمني الذي أحدثته الإعتصامات في المناطق الغربية أعقاب حادثة اعتقال أفراد حماية الوزير السابق ـ رافع العيساوي) أي راصدا ً فيه ذات الأحداث ومستشعرا ً ذات المخاطر المُحدقة بالعراق وشعبه. وليس غريبا ً أن نرى تطابقا ً في المضامين حيث استهل البيان بـ(بعد الهزائم التي لحقت التكفيرين من جبهة النصرة ود11عش من فلول القاعدة (خوارج العصر) في سورية.. بدأت القوات التكفيرية بالزحف الى العراق من ناحية الحدود العراقية الغربية) فكان التطابق بـ:
1ـ (القوى الظلامية المنحرفة) عند المرجعية العليا, ذاتها الـ(عصابات تكفيرية ضالة ـ جبهة النصرة وداعش ـ خوارج العصر) عند الشيخ الآصفي.
2ـ و(هذا القوى لا تعرف إلا القتل والدمار) عند المرجعية العليا, هي ذاتها (الخراب والدمار ومآسي دامية) عند الشيخ الآصفي.
3ـ و(مكافحة هذه القوى هي مهمة وطنية لا تختص بطائفة دون أخرى) عند المرجعية العليا, ذاتها (لطرد قوى التكفير لا بد من تكاتف العراقيين جميعاً سنة وشيعة عرباً واكراداً) عند(الآصفي).
4ـ و(على مكونات الشعب العراقي كافة أن تقف خلف القوات المسلحة العراقية) عند المرجعية العليا, هي ذاتها (على العراقيين تأييد قواتنا وعلى قيادات الجيش ملاحقتها وطردها) عند الشيخ الآصفي.
5ـ و(هذه القوى الظلامية المنحرفة تئنّ الشعوب الإسلامية من ممارساتها الدموية المشينة والتي ينسبونها الى الدين الإسلامي وهو منها براء) ذاتها (على قيادات الجيش ضمن ملاحقتها للجماعات التكفيرية في العراق من إشعار الناس بالأمن, والإلتزام الدقيق بحدود الله تعالى في حرمة دماء المسلمين وأموالهم وكراماتهم, إلا بحقها كما أمرنا الله تعالى).
فالباصرة والبصيرة واحدة وهي هي.
ـ الموقف الثاني: كان سماحة الشيخ (الآصفي) قد أصدر بيانا ً بتاريخ 27/6/2014م حمل عنون (نزع الغطاء السياسي عن الإرهابيين ووجوب احترام إرادة الشعب العراقي) أي بعد (إسبوعين) فقط من صدور (فتوى الدفاع المُقدسة) من قبل المرجعية العليا ضد د11عش. حفلت بذات المضامين التي وردت في خطبة جمعة كربلاء بنفس التاريخ في27/6/2014م, والتي كانت بإمامة الشيخ (عبدالمهدي الكربلائي) وكانت كما يلي:
1ـ عند الشيخ (الآصفي): (هناك أكثرية ساحقة من الشعب تُسند الشرعيّة السياسية وتدافع عن الإنتخابات التي جرت طبقاً للمعايير الديمقراطية المعروفة في العالم) هي عند المرجعية العليا: على(أعضاء مجلس النواب الجدد الذين تمّ انتخابهم في الثلاثين من شهر نيسان الماضي..عقد الجلسة الأولى لهم.. فإنّ المطلوب من الكتل السياسية الاتّفاق على الرئاسات.. رعايةً للتوقيتات الدستورية، وفي ذلك مدخلٌ للحلّ السياسي الذي ينشده الجميع في الوضع الراهن).
2ـ كان الشيخ (الآصفي) قد استهل بيانه بفضح مخطط الحملة الإعلامية وحرب الإشاعات المقترن مع الهجوم الهمجي لداعش على العراق والذي أسماه بـ(المؤامرة الكبرى على العراق) ودعا الشعب العراقي الى عدم الإصغاء للآراجيف والإشاعات التي تقوم ومقاومتها بقلوب مطمئنة وواثقة بوعد الله, وقال ( واعلموا أنّ يد الله معكم). وعند المرجعية العليا: (نوصي جميع الأطراف بالابتعاد عن أيّ شحن إعلاميّ طائفيّ أو قوميّ بين مكونات الشعب العراقي) وعلى(الشعب العراقي بجميع مكوّناته وطوائفه بعُرْبِهِ وكردِهِ وتركمانِهِ بشيعتِهِ وسنّتِهِ ومسيحييه وغيرهم يقفون صفّاً واحداً أمام إرهاب الغرباء الذين عاثوا فساداً بأرض العراق) وندعو (جميع أفراد القوات المسلحة وجميع المواطنين الى التنبّه والحذر من الإشاعات المُغرضة التي يبثّها الأعداء) ونأمل من (الوسائل الإعلامية أن تتصدّى لتكذيب الإشاعات الخطيرة، والتي يسعى من خلالها الأعداء الى تحطيم معنويات القوات المسلحة والمواطنين عموماً).
3ـ وكان عند الشيخ الآصفي: (والغاية من هذه الحملة اوالحرب النفسية والهجوم الهمجي الداعشي هو: إسقاط الشرعية, وتهميش الدستور, وإبطال الإنتخابات, وإعادة العصابات الفاسدة الى مواقع الحكم والقرار مرة أخرى). وعند المرجعية العليا: (يجب الحذر من المخطّطات المبيّتة لتفتيت العراق وتفكيكه وتقسيمه.. ولا ينبغي أن يفكّر البعض بالتقسيم حلّاً للأزمة الراهنة بل الحلّ الذي يحفظ وحدة العراق وحقوق جميع مكوناته وفق الدستور موجود، ويمكن التوافق عليه إذا خلصت النوايا من جميع الأطراف..هناك مُخطّطٌ يُرسم للعراق منذ مدّةٍ ويجري تنفيذه الآن، المخطط الذي يهدف الى تفكيك هذا البلد وتقسيمه لذلك يجب أن يكون لدينا الحذر والوعي ونفوّت الفرصة على أعداء العراق للوصول الى هدفهم هذا)
4ـ وختم الشيخ (الآصفي) بيانه بتلك العبارة المدوية: (قفوا خلف المرجعية الراشدة العليا في العراق)(4). وحسبي بها كلمة حق بحق, من عالم عامل بعلمه, زاهد في الدينا راغب في الآخرة, متمسك بسُنة النبيّ وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) وما ذلك إلا لأن المرجعية الدينية العليا المتمثلة بالسيد (السيستاني) تمثل المقام الأبويّ لجميع العراقيين على مختلف مشاربهم.
ـ(قفوا خلف المرجعية الراشدة العليا في العراق) رحم الله الشيخ (الآصفي) وأسكنه فسيح جناته.
أقرأ ايضاً
- ماهي الدلالة والرسالة في بث مقطع فيديوي للقاء المرجع الاعلى بالشيخ الكربلائي
- وقف الشيخوخة واطالة العمر
- العمران بين الشيخ والعلامة