بقلم: حسين فرحان
ما تزال الذاكرة العراقية تحتفظ بتفاصيل لأعياد مرت عليها وقد ارتدى المجتمع فيها ثوب الأسى لحوادث وقعت فخلفت في النفس حزنا لم تصمد أمامه فرحة العيد لتعم كما ينبغي لها أو تستثني من يحلو لها استثنائهم، ولولا الطفولة التي تمظهرت بها أعيادنا لم نكن لنشعر به نحن الكبار في ظل ظروف لم يكن للراحة فيها نصيبا ..
أعياد كثيرة مضت في سنوات تخللتها الحروب والمحن والحصار والإحتلال والفتن الطائفية وهجمات التكفير وغزوة الدواعش وفساد الأنظمة الحاكمة، والشعب لايرى سوى غمامة سوداء تحجب عنه صورة مستقبله، فلم يخلو عيد من صوائح ونوائح أو وجوم من هلع، أوحزن في دار فقدت أحبتها ..
العيد فرحة المؤمن بأداء الفرض، وفرحة الصغير بثوب جديد أو بعيدية الأقارب .. وفرحة - ربما - يصطنعها الكبار تسلية للنفس وابتعاد عن الأسى إذ أن كل ما بالعراق من هموم يظهره العيد بشكل كآبة انفعالية يعترضها الكبت الشديد لمشاعر الحزن والتستر بمشاعر مغايرة لتورد في الأذهان سؤالا اختلفت صيغته واتفق على معناه، وقد جسده المتنبي بقوله :
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ
العيد في هذا العام حل في زمن تفشى فيه الوباء بل الجائحة التي غزت الأرض فجعلت الأنسان في العالم عموما وفي العراق خصوصا - في أغلب وقته - حلسا من أحلاس داره - يتقي بالقعود شرها وعدواها وحجرها وبلواها ..
فلم يخرج إلا لضرورة وقد ترك مادون ذلك فيجلس لساعات أمام الشاشات وهو يطيل النظر إلى الأرقام والإحصائيات في الموقف الوبائي اليومي الذي يشبه البورصات العالمية مع الفارق بأن هذه لحياة الناس وما يقابلها من موت، وتلك لأموالهم في معادلات الربح والخسارة .
من المفارقات التي حدثت في أيام شهر الصيام أن ( المسحرجي ) لم يوقظ نائما فالكل مستيقظ لم ينم، لكنه أبى إلا أن يضرب الطبل وفاء للتراث ويمنح للأزقة بهجة السحور وفي كل زقاق يستوقفه بعض الصغار ليجربوا الضرب على هذا الطبل العجيب في محاولات بريئة لتقليد طريقته التي أصبح يتفنن فيها ليمنحها روحا جديدة من الفكاهة والظرافة .
ما يميز هذا العيد أنه الأول للمسلمين في زمن الوباء حيث خلت مساجدهم ومزاراتهم من الشعائر والتجمعات وأنها ستكون خالية من صلاة عيد يجتمعون فيها وهم ينصتون للتكبير والتهليل .
ما يميز هذا العيد أنه سيشهد تزاورا محدودا يفرضه حظر التجوال، وما يميزه أن المقابر ستفتقد الوافدين إليها من البقاع البعيدة النائية التي سيكتفي أهلها بالاشتياق لشم ثراها .
مايميز هذا العيد أن البعض ممن ابتلاه الله بالوباء سيقضيه في الحجر وهو يتذكر سالف الأعياد التي قضاها مع الأهل والأحبة في دياره وهو في سلامة من العلل وراحة من البلاء، ولعل منهم من كان يردد هذا الجزء من الجوشن الصغير : " إِلهِي وَكَمْ مِنْ عَبْدٍ أَمْسَىٰ وَأَصْبَحَ سَقِيماً مُوْجِعاً فِي أَنَّةٍ وَعَوِيلٍ، يَتَقَلَّبُ فِي غَمِّهِ، لا يَجِدُ مَحِيصاً، وَلا يُسِيغُ طَعَاماً وَلا يَسْتَعْذِبُ شَرَاباً، وَأَنَا فِي صِحَّةٍ مِنَ الْبَدَنِ، وَسَلامَةٍ مِنَ الْعَيْشِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ يَا رَبِّ مِنْ مُقْتَدِرٍ لا يُغْلَبُ، وَذِي أَنَاةٍ لا يَعْجَلُ، صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلنِي لِنَعْمَائِكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَلآلائِكَ مِنَ الذَّاكِرِينَ " .
لكن العيد يبقى عيدا وإن كثرت البلايا والمنايا وطموح المؤمن ان تكون كل أيامه أعياد حين تمر عليه بلا معصية :"إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبلَ اللهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ، وَكُلُّ يَوْمٍ لاَ يُعْصَى اللهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ".
الأمل أن تنجلي الهموم ..
الأمل أن يزول الوباء ..
الأمل أن يأتي الفرج ليعم الأرض عيدها بموعودها .
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً