- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
من الذاكرة الرمضانية الكربلائية ... الجزء الثامن
بقلم:حسن كاظم الفتال
ـ جلالة مائدة الإفطار ـ
تعِدُّ معظم الأُسر موعد الإفطار وقتا مقدسا على الجميع احترامه والحضور معا دون تغيب .تجتمع العائلة عند الإفطار على السُفرة ويبدأ الأب أو الجد أومن ينوب عنه بقراءة دعاء الإفطار المعروف ويردد الآخرون معه : اللهم لك صمت وعليك توكلت وبك آمنت وعلى رزقك أفطرت ولصوم غد نويت ذهب الظمأ وابتلت العروق ثم يقول : بسملله وكلٌ يختار ما يشتهي أو ما يفضل من الطعام المتنوع الموجود على السفرة وبالمناسبة إن السفرة لا تقتصر على أنواع الأطعمة التي أعدتها ربة البيت فحسب إنما كثيرا ما تعتمد في تنوعها من الأطعمة التي تأتي من الخارج من قبل الجيران فما أن يرفع الأذان أو قبيله بقليل حتى تبدأ الأطباق تتوالى وتنتقل من بيت إلى آخر وتطرق الباب وتفتح البنت الصغيرة أو الولد الصغير ـ نعم ـ هاي صينية من بيت أبو محمد , دولمة أو مدفونة مع ماعون حلاوة . تستلم ربة البيت الصينية ما أن دخلت حتى طرقت الباب ثانية . صينية من بيت أبو مصطفى ماعون تمن ومرق طرشانة تأخذ أم البيت الصينية وتفرغ الأواني وتغسلها سريعا وتردها إلى حامل أو حاملة الصينية . وقلما تعاد الصينية وأطباقها فارغة إذ لابد أن تعاد بعض الأطباق وهي مملوءة بصنف معين من الطعام . وهكذا تكون السُفر في كل البيوت عامرة .. ولعل أشهر الأكلات التي تتميز بها بعض ربات البيوت هي : كبة برغل بنوعين نوع يسلق بالماء والآخر يقلى بالزيت وثم كبة حلب وفي حلب تسمى كبة بغداد وتمن كلم وهذه الأكلة شبه خاصة بالمجتمع الكربلائي وتمن باگلا وتمن تاهچين أو ما يسمى البرياني في وقتنا .
الأطفال ـــــــــــــ
بما أنه البيوت في السابق كانت مساحاتها صغيرة وضيقة وتشترك في السكن فيها أكثر من عائلة واحدة فلذا يكثر عدد الأطفال فيها . فكانت بعض العوائل من أجل أن يتناول الكبار إفطارهم بهدوء واستقرار دون ضوضاء وشوشرة وأن ويشتركوا في قراءة دعاء الإفتتاح بقراءة وإنصات تام إذ أن معظم العوائل تباشر بقراءة دعاء الإفتتاح بعد تناول الإفطار لذا كان البعض يبعث بالأطفال قبل موعد الإفطار بقليل إلى صحن أبي الفضل العباس عليه السلام خصوصا البيوت المجاور لأو القريبة من الصحن الشريف ويعطون قطع من الزلابية أو البقلاوة وتغلف بورقة معينة فيذهب الأطفال فرحين بقطعة الحلوى ويقودهم أكبرهم سواء ذكرا كان أم أنثى . كما كان في ذلك الوقت يوزع المحلبي على المصلين في صلاة الجماعة فيحصل الأطفال أيضا على كاسات من المحلبي الحار. وكانت تقام صلاة الجماعة في صحن أبي الفضل العباس حتى وإن لم يكن العدد في ذلك الوقت كما هو في الأيام الأخرى أو كما في مثل هذه الأيام وكان البعض يتبرع بتوزيع المحلبي على المصلين أو البالوتة ولا ننسى أن من أشهر باعة المحلبي آنذاك كان المرحوم الحاج كاظم أبو المحلبي . كانت الأسواق عند الإفطار تعطل تماما وتكون مغلقة بل وحتى الشوارع تكون خالية من المارة, إذ أن الجميع يذهبون لتناول الإفطار في البيوت إلا بعضٌ ممن تضطره مهنته أن يتناول الإفطار في المحل وحتى هذا يغلق محله وقت الإفطار بشكل مؤقت كأن يضع بردة أو ينزل الكبنگ قليلا . وتفتح المحلات بعد الإفطار وصلاة العشاء .. حيث تبدأ الجوامع بقراء الأدعية وأهمها دعاء الافتتاح وأدعية الليالي الرمضانية المخصوصة .
رحلة ما بعد الإفطار
ينتهي وقت الإفطار وتبسط السجادات ثانية ومن لم يصلِ العشاء يصليها أو لم يصلِ حتى المغرب فيبدأ بصلاته . تجمع الأطباق وبعد الانتهاء تقف أم البيت أو بناتها لغسل الأواني . ويتجه الآباء والأولاد إلى أعمالهم أو إلى الزيارة والمحافل أو إلى مواصلة العمل ومن ثم إلى الزيارة والعودة إلى البيت .وكان قسمٌ يتوجه إلى المشاركة في بعض الأماسي الأدبية إذ كانت تعقد المنتديات وتقام الأماسي الأدبية ويشارك بها المثقفون خصوصا وأن أيام زمان لا يوجد تلفزيون وإن وجد فبشكل محدود ليس كما هو اليوم بهذا الكم الهائل من الفضائيات وهذا الإسفاف والسفاسف التي تُذهِب الكثير من الروحانية والقدسية وتعكس صورة مشوهة وتصور الشهر وكأنه شهر الطعام والشراب والتسلية فقط والمسابقات والكاميرات الخفية والاستخفاف بالعقول. وبما أنه لا توجد أكثر من قناة واحدة أو قناتين إنما كانت البرامج التي تعرض مناسبة نوعا ما يتناسب بعضها وروحية الشهر المعظم . هذه الإشارة ليست لأيام النظام المقبور إنما قبل ذلك . وكانت الغالبية من الناس تتوجه أما إلى المساجد من أجل المشاركة في محافل القرآن ومن أشهر المساجد والجوامع التي كانت تقام فيها المحافل : جامع الترك والمسمى اليوم جامع المرتضى في منطقة العباسية الغربية جامع العباس وجامع علي المقدس . في العباسية الشرقية وجامع الأحمدي مقابل صحن أبي الفضل العباس عليه لسلام وجامع الصافي مقابل باب الشهداء للصحن الحسيني الشريف وعلى يسار بداية شارع علي الأكبر عليه السلام جامع الشيخ خلف في محلة باب السلالمة جامع العطارين وكان يعد من أهم الجوامع وأكبرها وجامع الفرات . وهنالك جوامع ومساجد أخرى . فضلا عن التوجه إلى الروضة الحسينية المقدسة لأداء الزيارة وأعمال شهر رمضان المبارك وأشهرها قراءة دعاء الإفتتاح . الإستماع إلى مجلس حسيني أو محاضرة ورحم الله شيخ هادي وكانت المحاضرة واحدة فقط ولا تتجاوز خمسا واربعين دقيقة وفي أبعد الأحوال ساعة واحدة . إلى اللقاء مع الجزء التاسع
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين... رعب اليهود مثالاً