- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الامن الرقمي العراقي .. خريطته تحدياته ومستقبله
بقلم: مهند حبيب السماوي
ليس من شك في احتلال ملف الامن بمفهومه التقليدي عموماً وبمعناه السيبراني خصوصاً، اهمية كبيرة لدى الدول في العصر الحالي الذي امست فيه التقنية وادواتها ومواقع التواصل ونتاجاتها ضرورة وجودية يتم من خلالها التحكم في المشهد العالمي وتحريك خيوطه ورسم حدود ملامحه وتأطير خرائطه .
ومما يؤسف له ان الحديث عن هذا الموضوع في العراق لايخلو، في بعض جوانبه، من السخرية او الانتقاد خصوصا مع الاختراقات التي حصلت قبل عدة اسابيع لبعض المواقع الالكترونية الرسمية والصفحات والحسابات التي تعود لمؤسسات في الحكومة العراقية، والانكى من هذا، ان بعض الاختراقات قد حصلت لاكثر من مرة لنفس الجهة ما يعني اننا لحد الان لم نفهم الدرس ولم نتعلم من الاخطاء بل لم ندرك خطورة مايحدث او مايجب ان نأخذ من احتياطات تتعلق بمظهر هام من مظاهر الامن المعاصر .
وحينما نراجع المؤشر العالمي للأمن السيبراني GCI الذي صدر قبل عدة اشهر ، ننصدم بمرتبة العراق المتواضعة في هذا الشأن، فالترتيب الذي حصل عليه العراق، لايتناسب مع امكانياته المادية والكفاءات الشابة التي لديه في هذا القطاع الذي بات موضع اهتمام العالم في القرن الحادي والعشرين كما اشار الى ذلك بيان تفصيلي لمركز الاعلام الرقمي حول هذا الموضوع .
ان التقرير الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة قد منح العراق المركز 107 عالميا في الامن السيبراني، والترتيب 13 عربيا، وقد تفوقت عليه في المستوى عدة دول عربية لا يمكن، تحت اي ظرف، مقارنة موازناتها المالية بالعراق، مثل السودان وفلسطين والاردن ، كما حصدت اربع دول من الوطن العربي، هي السعودية وعُمان وقطر ومصر، مراكز متقدمة في الربع الاول من المؤشر العالمي للامن السيبراني جي سي اي GCI.
ومع ان مرتبة العراق تعد متقدمة عن السنة التي سبقتها، حيث كان يحتل المرتبة 158 عالميا و19 عربيا ، لكن من حق اي مواطن ان يستغرب او يسأل عن سبب حصول العراق على هذه المرتبة خصوصا انه كان يخوض معركة مصيرية ضد تنظيم ارهابي استخدم الفضاء السيبراني في حربه الاعلامية والنفسية ضد العراق، وكان العراق يواجه تحديا كبيرا على هذا المستوى، اذ استخدم شبابه هذه المنصات الرقمية بطريقة محترفة وواجهوا التنظيم ببطولة وشجاعة ومهنية ووطنية قلّ نظيرها، ولذا كان من المفترض، بعد هذه التجارب الحقيقية، ان يمتلك العراق خبرة واسعة في هذا المجال من خلال سيطرته على كل الادوات التي تطور خطط وبرامج الامن السيبراني وتعزز بيئته لمواجهة العدو الارهابي الذي اجاد العمل في هذا المجال.
المحللون والمراقبون في هذا التخصص وجدوا، بحسب المؤشر، ان العراق اخفق في التعامل مع مؤشرات ودعائم الامن السيبراني الرئيسية والتي تتعلق بالتدابير القانونية المتعلقة بالامن السيبراني، والجوانب التقنية، والقضايا التنظيمية، بالاضافة لبناء القدرات والتدريب والتعاون .
من وجهة نظر احسبها موضوعية ولديها اطلاع جيد على حيثيات هذا الموضوع، نعتقد ان اهم مشكلات العراق المتعلقة بهذا الموضوع هو عدم وجود مؤسسة متخصصة بالامن السيبراني في العراق، حيث ما هو موجود عبارة عن اقسام في دوائر متعددة تفتقد للتنسيق او التعاون المحترف في هذا الجانب، وكل جهة منها تعمل بمفردها وان كان هذا الجهد لايمكن الاستهانة به او التقليل من قيمته على الاطلاق بسبب وجود كفاءات وشباب لهم عقلية رائعة لو تم استثمارهم وتوجيههم بالشكل الصحيح لكانت لدينا نتائح مختلفة تماما عما يجري الان .
هيئة الامن السيبراني الذي يجب تأسيسها، كما اقترح ذلك مركز الاعلام الرقمي، ممكن ان تتولى الاشراف على ادارة ملف الامن الرقمي في العراق بكل جوانبه ومظاهره ومايتعلق به وذلك من خلال كفاءات مهنية مستقلة يتم ادخالهم في دورات مُكثفة وتدريبهم بصورة احترافية وبالاستعانة بدولة لها خبرة بهذا الموضوع من اجل تأسيس كادر ونواة يتم الانطلاق منه في هذه الهيئة .
ان ايجاد مثل هذه الهيئة المختصة بالامن السيبراني سيساهم، من غير شك، في تعزيز الوعي الرقمي و تقوية المناعة الامنية لدى الافراد والمؤسسات الحكومية والاهلية على حد سواء، كما انها ستوفر ارضية جيدة واسس رصينة لحماية البنى التحتية للمؤسسات الحكومية والتي تعتمد على التكنولوجيا في جزء كبير من اعمالها.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً