عباس الصباغ
تحت شعار جميل وبراق (نريد وطن ) انطلقت حركة (ثورة) تشرين بانطلاقة سلمية وعفوية دون ان يكون لها اي امتداد داخلي (حزبي) او خارجي ( من مخابرات دولية او اقليمية مشبوهة ) فهي ثورة كانت نقية ونزيهة فلم يكن لها هذا الدور غير الصحيح ، بل كان لها دور جماهيري مائة بالمائة ولكن بدون قيادة موجّهة وانبعثت بقوة شبابية تحت كفالة الدستور العراقي الذي كفل حرية التعبير بموجب المادة 38 / وقد حظيت تلك الانطلاقة باحترام ومقبولية جميع الوان الطيف المجتمعي / الاثني / القوماني العراقي تاهيك عن المرجعية الرشيدة في النجف الاشرف كما حظيت باحترام ومقبولية المجتمع الدولي جميعا كونها حركة ثورية اختلفت جذريا عن حركات مايسمى بالربيع العربي والتي انطلقت بفكرة (ارحل) و(الشعب يريد تغيير النظام) في مسعى سياسي ثوري انبثقت شرارته الاولى من الحادثة الدراماتيكية والمأساوية للتونسي البوعزيزي الذي انتحر على خلفية تهديم مصدر رزقه الوحيد ، وسرعان ما انتشرت نار الثورة المطالبة بالتغيير وماسمي ب(الربيع العربي) في عموم ارجاء العالم العربي كالنار في الهشيم المحتظر وكان الهدف الاخر المصاحب لتلك "الثورة " هو رفع المحرومية والمظلومية عن الجماهير العربية فضلا عن توزيع الثروات بشكل عادل على الجميع مع تحقيق العدالة الاجتماعية للجماهير المسحوقة والمغلوبة على امرها ...وتحقيق العدالة التي فقدت بسبب اخطاء السياسيين وفسادهم وكادت هذه الثورات تحقق مرادها لولا تحول هذا الربيع المخضّر الى صقيع قارس وموحش بسبب عنصرية وطائفية وشوفينية بعض توجهات القوى المشاركة في هذه الثورات التي اختلطت فيها الايديولوجيات الوهابية والاسلاموية الطائفية الاقصائية والمتوحشة الهوجاء اي انها سرقتها قوى الاسلام السياسي المتخلفة وصادرت اهدافها التي كانت مشروعة ومتلائمة مع النسق السايكلوجي للجماهير ،فتحولت بوصلة الثورة التي نادت بها الجماهير من المطالبة بحقوق المستضعفين الى مطالب سياسية/ طائفية / شوفينية و فئوية اقصائية بعيدة عن روح الثورة وجوهرها ومنطلقاتها الايديولوجية والابستمولوجية وحملت معها اسباب نكستها ونكوص الشارع عن الاستمرار بتأييدها رغم التضحيات الجسام التي قدمتها الجماهير ، لانها ـ اي ثورات الربيع العربي ـ بقصد او بدونه طعنت بكرامة وسايكلوجية الجماهير وثوابتها واهانتها فقد وقعت بالخطأ القاتل الذي جعل الجماهير ترفع يدها عنها وتحجم عن تاييدها .
وفي تشرين الماضي انطلق الربيع العراقي تحت شعار (نريد وطن ) مطالبا بالتغيير الجذري للعملية السياسية كلية تلك العملية التي تمأسست على انقاض النظام الديكتاتوري البائد وعقيب التغيير النيساني الذي اطاح بذلك النظام وادخل العراق في خضمّ الديمقراطية التي حرم منها لعقود عجاف طوال ومن المؤسف ان تشوب تلك الديمقراطية اخطاء تأسيسية بنيوية كثيرة وتحولت من ديمقراطية حقيقية الى ديمقراطية تمثيلية وبأسوأ صورها الدولتية واستمر هذا الحال لاكثر من عقد ونصف اكل فيها الفساد الاداري والمالي والحزبي (الاسلاموي) الاخضر واليابس الى درجة تبديد اكثر من عشر موازنات انفجارية وتبخرها في جيوب الفاسدين وضياع الاف التريليونات من الدولارات في وقت مازالت غالبية الشعب العراقي يرزحون تحت خط الفقر المسموح به عالمي لذا جاءت ثورة تشرين متلائمة مع هوى الجماهير ورغبتها في تصحيح مسار بوصلة العملية السياسية فضلا عن تصحيح اخطاء التأسيس الدولتي الاخير (2003) والذي لم يخلُ من عيوب بنيوية قاتلة تماسست عليها تلك العملية كالمحاصصة والمنهج التوافقي التشاركي ، ونفس الخطأ الذي وقعت فيه ثورة الربيع العربي وقعت فيه ثورة تشرين كونها مسّت اهم ثوابت النسيج المجتمعي العراقي وبعد ان بدأت بثورية حماسية تغييرية صادقة تحولت بعد فترة من انطلاقتها الى حركة انتقامية ضد القوات الامنية المكلفة بحمايتها ،فتحولت من ثورة مطاليب مشروعة الى ثورة انتقام من القوات الامنية ومن الحشد الشعبي محقق الانتصارات المؤزرة على داعش ومطهر العراق من رجسه واستمر الامر بتحطيم صور الشهداء وحرق مقرات الحشد والاعتداء على الناس وقطع ارزاقهم من خلال قطع الشوارع وحرق الاطارات الى ان ودخلت مجاميع (ماكو وطن ماكو دوام ) على الخط ليضيع عام دراسي كامل على ابنائنا المساكين ، فضلا عن اتهام ملايين العراقيين الشرفاء بانهم ذيول الايران او عملاء لامريكا او انهم جبناء او خونة (الكلام يصدق على البعض فقط وليس الجميع) .
العراقيون جميعهم كانوا في زمن صدام حسين متهمون بالعمالة والغوغائية والذيلية تكررت مسالة اتهامه بذات التهم التي كان يلصقها صدام حسين بالعراقيين الشرفاء وهذه المرة على يد البعض المحسوبين على الثوار ليتهموا الاخرين بالعمالة والذيلية فتكرر ذات المشهد وهذه المرة من بعض ساحات الاعتصام والثورة التي نادت بالتغيير ، وكان الرفض المستمر لتولي اي شخصية مكلفة لمنصب رئيس الوزراء تحت حجة (مرفوض) لاسباب شتى بعضها اسباب تعجيزية ماسبب دخول العراق في مرحلة الفراغ الدستور الذي اوصل العراق الى حافة الخطر المحدق .
فلم تستسغ السايكلوجية العراقية هذه الاعمال البعيدة عن الثورة الحقيقية فانحسر التاييد الشعبي لها ولايرجع التاييد الشعبي الا بتصحيح بوصلة مسار ثورة تشرين التي انطلقت لتصحيح مسار العملية السياسية فانحرفت هي الاخرى واصبح الامر يستدعي تصحيح المسار لكليهما .
أقرأ ايضاً
- صفقات القرون في زمن الانحطاط السياسي
- ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي
- ديمقراطية سامة وتصلب شرايين سياسي