محمد حسن الساعدي
الحضور اللافت في حفل تكليف السيد مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة بعد اعتذار السيد الزرفي ولّد شعوراً بالارتياح لدى الجمهور والقوى السياسية عموماً ، وعكس رسالة واضحة عن الانفراج بعد حالة الانكسار والتجاذب الذي أصاب العملية السياسية والعرقلة التي وقفت أمام تشكيل الحكومة، إلى جانب كونه يعكس حالة التوافق الظاهر التي وصلت له القوى السياسية الشيعية والوصول إلى تفاهم في أختيار مرشح لرئاسة الحكومة القادمة، بعد استقالة حكومة عبد المهدي على خلفية التظاهرات التي خرجت في بغداد وعدد من المحافظات المطالبة بتوفير الخدمات وسبل العيش الكريم للمواطن العراقي، لان ما حصل خلال الخمس أشهر الماضية كشف ضعف البناء السياسي، وهشاشة قواعده،بل يكشف عمق الخلافات بين القوى السياسية خصوصاً الشيعية منها، والتي لم تستطع طيلة الفترة الماضية من مسك عصا السلطة من المنتصف،والانتقال من حالة الركود إلى حالة التحرك السريع في اختيار الحكومة المؤقتة سريعاً .
أن التوافق الذي وصلت إليه الكتل السياسية في أختيار وترشيح السيد الكاظمي يكشف حالة الخطر التي استشعرتها القوى الشيعية،وان أي تأخير في تشكيل الحكومة يهدد أغلبيتها السياسية في عدم قدرتها على تشكيل أي حكومة، وفقدان أغلبيتها،وهو أمر تعمل عليه باقي الكتل السياسية لتفنيد حالة الأغلبية الشيعية والتي من حقها أختيار مرشح رئاسة الوزراء، خصوصاً وأن مشكلة الأغلبية هذه تكمن في غياب القيادة التي تؤمن بشروع الدولة وانحسار فكرها في الحكومة، ويبدو أن القوى السياسية على الرغم من هيمنتها على مقاليد السلطة بعد 2003 ، إلا أن تفكيرها وسلوكها السياسي لم يتخلص من عقدة التفكير كأقلية مضطهدة وضرورة التعاطي مع الدولة بمنطق المعارضة، فلم تخرج من عقدة المعارضة والتعاطي مع الدولة الحديثة المبنية على أسس ديمقراطية وهنا ، وهنا تكمن المفارقة، إذ ظل تفكيرهم مأزوم بدائرة مغلقة يعبر عن تفكير مأزوم يتلخص بفكرة التهديد بإنهاء الوضع السياسي القائم، وضرب العملية السياسية باجمعها .
السيد الكاظمي من البداية وهو مثار جدل بين القوى السياسية،وقد طُرح أسمه سابقاً عدة مرات بعد يومين من استقالة حكومة السيد عبد المهدي،لذلك أمامه طريق طويل وعقبات كثيرة داخلية منها وخارجية، وأهمها القدرة على فرض التوازن الإقليمي وإعادة بلورة سياسة مسك العصا من المنتصف في العلاقات الخارجية،خصوصاً وأن آمال إجراء انتخابات مبكرة باتت ضعيفة،وذلك لأسباب فنية إلى جانب ظهور وباء كورونا والذي ربما سيستمر إلى فترة أطول مع زيادة حالات الإصابة بهذا الوباء ، ومعالجة الأزمة الاقتصادية ، وفرض هيبة الدولة ، وفيما يخص الملف الخارجي ،فمهمة الكاظمي هي حماية العراق والنأي به من أي حرباً يكون ساحتها، بين واشنطن وإيران، لذلك على رئيس الوزراء المكلف تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، والعمل وفق إستراتيجية واضحة من أجل إيجاد عراق متوازن في المنطقة،لذلك فهو أمام توافق صعب، وعليه العمل داخل هذه الدائرة الضيقة بما يحقق التوازن،لان القادم ليس سهلاً، خصوصاً بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، والتي هدد فيها العراق بعقوبات قاسية ، أقسى من تلك المفروضة على إيران في حال، بقاء المعادلة في العراق بنفس السياق المعمول به، لذلك فان الوقت لايتحمل أكثر من ذلك للخروج من عنق الزجاجة .