عباس الصباغ
اجتماعيا وبعد ان استحالت وسائل التواصل الاجتماعي الى وسائل للتباعد والتناشز الاجتماعي بفعل الثورات الاعلامية والتواصلية والرقمية المتواصلة والتعاطي معها بإفراط ما ادى الى تفكك الاواصر الاسرية بين افراد الاسرة الواحدة وبينها وبين افراد المجتمع ككل ، واضمحلّت اواصر القربى والتوادّ والتقارب بين ذوي الارحام وانهارت منظومة العلائق والوشائج الاجتماعية التواصلية الانسانية الحقيقية المتعارف عليها بين الناس ، فضلا عن البيت الواحد فتشّتت اللُحمة الانسانية بين مكونات النسيج المجتمعي ككل ، واصبحت منظومة الاسر داخل المجتمع الواحد كأنها مجموعة من الجزر العائمة في المحيط لايربطها اي رابط ، والادهى من كل ذلك ساهمت فورة وسائل التواصل الاجتماعي بانعزال افراد الاسرة بعضهم عن البعض الاخر حتى بين الازواج الذين تفشّت فيهم بدعة الطلاق المتسرع لاسيما بين الشباب المتزوجين حديثا ما سبّب في حدوث شروخ وندوب في جسد الأسرة العراقية ، فدعت الحاجة الماسّة الى التآلف والترابط الاسري والاجتماعي من جديد لتعود تلك التوصيفات التي تليق بالمجتمع الانساني الى سابق عهدها فضلا عن الاسرة وذلك بالعودة الى الطبيعة الانسانية النقية وبدون رتوش تواصلية مصطنعة ، فجاء حظر التجوال القسري على خلفية وباء كورونا ليحقق جزءا من تلك الامنية وان كانت باهظة الثمن ومؤسفة .
ورغم قساوة تجربة حظر التجوال القسري لعموم المواطنين وفي كافة مناطق البلاد أسوة بذات التجربة المفروضة في عموم العالم لذات السبب اي من اجل تطويق انتشار هذا الوباء الجائح فان بعض الباحثين التربويين والسايكلوجيين وخبراء الاسرة يرون ان في هذا الحظر القاسي اكثر من فائدة قد تعود بالنفع للأسرة العراقية وبعد ان اضطر جميع افراد الاسرة وضمن هذه التجربة الجديدة على واقع هذه الاسرة وغير المألوفة سابقا ..اضطروا الى المكوث الاجباري داخل البيت وسط اجراءات امنية وصحية مشددة جدا على عدم الخروج او التواجد في اي مكان خارج البيت وحسب توصيات منظمة الصحة العالمية بذلك، كون هذا الاجراء هو من ضمن اجراءات الوقاية الناجعة والمجرّبة للحد من انتشار العدوى التي تحدث بالاختلاط والتجمع لأي سبب كان وفي اي مكان يكون ، وقد نجحت الصين في احتواء انتشار عدوى هذا الوباء بإجراء حظر قاسٍ للتجوال وقد اثبت نجاحا منقطع النظير ، وذات الآلية هي متبعة اليوم في عموم البلدان التي ثبُت وجود هذا المرض فيها وبأية نسبة كانت ومنها العراق (حفظ الله العراق وشعبه من شره )، ولهذا العزل الاجباري فائدة اجتماعية ونفسية تمثلت في تحقيق الحد الادنى من التقارب والانسجام الاسري وتقريب افراد الاسرة الواحدة ولأول مرة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها وتعاطي الكثير معها الى درجة الادمان الذي يصعب التخلص منه بسهولة ، وساهمت تلك الوسائل في رسم خرائط اجتماعية / نفسية جديدة للفرد العراقي لم تكن مستساغة من قبل بل هي بعيدة عن الذائقة الاجتماعية العراقية ولكن !!!! .
ولأول مرة ربما وبعد سنين من التعاطي المفرط مع وسائل (التواصل / التفكك) الاجتماعي وبعد ان صارت تلك الحميمية التي وصفت بها الاسرة العراقية جزءا من الماضي (الجميل) او من ذكريات (جيل الطيبين) اصبح بمقدور الاسرة العراقية اليوم ان تستثمر ايام الحظر العجاف والقاسية والمليئة بالترقّب والخوف وشحة الارزاق ، ان تستثمرها لتحقيق الحلم الذي ظل يراود الكثير من العراقيين في تحقيق الحد الادنى من الانسجام التواصلي العائلي الحقيقي بتواجد رب الاسرة مع اعضاء اسرته التي عملت وسائل التواصل الاجتماعي في تغييب بعضهم عن البعض الاخر وهم تحت سقف واحد ولكن قلوبهم شتى .
ورب ضارة نافعة كما يقول المثل العربي .
أقرأ ايضاً
- في امريكا وزارة للدفاع !!!!
- أضواء على أهمية زيارة "بابا الفاتيكان" للنجف والناصرية والعراق؟ -أسرار والغاز !!!!
- المنبهر بالغرب يطعن في الإسلام ويلمّع بحضارة الغرب