عباس الصباغ
في خضم التحولات الدراماتيكية التي رافقت الحراك الاحتجاجي التشريني والذي مازلنا تعيش فورته وماتبعه من استقالة رئيس الحكومة السيد عادل عبد المهدي تجدّدت المخاوف من مغّبة الغاء اتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة بين جمهوريتي العراق والصين الشعبية والتي عدّت اتفاقية القرن كونها جاءت من اجل تأطير العلاقة الاستراتيجية بين البلدين على جميع الصعد، لتكون بذلك الصين خيار العراق الأساسي كشريك استراتيجي على المدى البعيد ولفتح آفاق جديدة في مجال إعادة الإعمار وخلق مشاريع توّفر فرص عمل للعاطلين عن العمل، ناهيك عن تنشيط البنى التحتية المتهالكة ومنها قطاع الكهرباء واعادة اعمار المناطق المتضررة بسبب الحرب ضد داعش.
العلاقة الاطارية الاستراتيجية مع الصين التي تستورد نحو 29 بالمئة من النفط العراقي هي اول علاقة اطارية حقيقية تعود بالنفع العام على مجمل الشأن العراقي دون الخضوع الى مزاج الطرف الثاني او املاءاته، وتعود هذه الاهمية الى ناحيتين رئيستين ؛ الاولى تتعلق بالصين ذاتها فالمعروف عن سياستها انها تتسم بالتوازن والاعتدال ومراعاة المصالح القومية العليا للشعب الصيني واحترام خصوصية الاخرين ولم تكن يوما ما سياستها تبشيرية او مصدِّرة للماركسية او الماوية الى أي بلد في العالم، وهي سياسة نأت عنها الصين وعن الاصطدام المباشر مع الدول العظمى الاخرى في مجالاتها الحيوية ومصالحها الجيبولوتيكية وخاصة في جنوب شرق آسيا وبحر الصين يضاف اليها الشرق الاوسط ومنه العراق ، اذ تتوخّى الحذر من تضارب مصالحها مع مصالح الاخرين من الدول العظمى كالولايات المتحدة اذ ما زالت الصين عامل توازن في السياسة الدولية وتعمل على التخفيف من حدة الازمات ، والثانية مايتعلق بالعراق الذي عانى الكثير من الاضطراب المزمن من علاقاته الخارجية لاسيما مع محيطه الاقليمي وهي علاقات اثّرت سلبا على واقعه السياسي / الاقتصادي، وتجلّى ذلك واضحا بعد التغيير النيساني، ومن هنا استدعت حاجة العراق اكثر من اي وقت مضى الى الاخذ بالتجربة الصينية وتطبيقها في العراق ومن هذا المنطلق كان التوجّه نحو الصين البلد الذي اشعل المفاجأة الاقتصادية بتجربته التنموية المذهلة والتي تحوّل بموجبها من بلد نامٍ مستهلك محدود الثروات الى اكثر بلدان العالم تطورا وانتاجا وله قدرات وتجارب هائلة في انشاء الطرق والجسور والبنى التحتية وتوليد الطاقة الكهربائية وتكنولوجيا الاتصالات والسدود والمياه والزراعة و في تجربة الصين المعروفة في تأسيس نموذج اقتصادي يربط بين الاشتراكية والسوق الحرة وذلك بعد ان نهض المارد الصيني بقوة في الربع الأخير من القرن العشرين.
وتتضمن تلك الاتفاقية ومذكرات التفاهم عقوداً لإقامة محطات كهربائية جديدة وإقامة خمس مدن صناعية مشتركة في العراق بينها مدينة لتصنيع المنتجات الصينية وبمواصفات عالمية، واتفاقية أمنية في مجال التبادل المعلوماتي ومكافحة الإرهاب وإنجاز عدة مشاريع في الاتصالات تنفذها الشركة العملاقة "هواوي" وسيكون حجم تلك الأعمال بين البلدين خلال السنوات العشر المقبلة 500 مليار دولار، كما سيتم توقيع عقد شراكة طويل الأمد مع الجانب الصيني من أجل الإعمار في العراق.
فمن الثابت في الأعراف الدولية ان الاتفاقيات المبرمة بين البلدان خاصة الاطارية منها انها لاتتاثر بتغيير الحكومات لاي سبب كان الا اذا تم الغاؤها ومن طرف واحد او من طرفي الاتفاق كون تلك الاتفاقيات تصب في المصلحة العليا للبلدان الموقعة اياها ولاعلاقة لها بالأحداث السياسية او مزاج السلطات، وهو ماينسحب على اتفاقية الاطار الستراتيجي الموقعة بين العراق والصين اذ لم ترد اية اشارة الغاء او تعديل من طرفي الاتفاق وحسب ما صرحت به اللجنة الاقتصادية البرلمانية مؤخرا اذ عدت تعاقدات حكومة عادل عبد المهدي مع الصين مازالت قائمة ولم يتمّ الغاؤها على الرغم من استقالتها.
من ايجابيات الاتفاق مع الصين فهو ينص على تسليمها نفطاً وليس أموالا، وبالتالي فهي خطوة إيجابية تبعدنا عن الفساد، ولا تكلف العراق مبالغ واموالا من ميزانيته وبالمقابل اخلال العراق بهذه الاتفاقية سيكلفه مبالغ الشروط الجزائية الباهظة كما سيخسره فرصة ثمينة قد لاتعوض ، لذا على الحكومة المقبلة وهي حكومة انتقالية ممهدة لإجراء الانتخابات التي تعد خارطة طريق للخروج من الازمة التي يمر بها العراق الان، عليها ان تفعّل هذه الاتفاقية التي قد تكون مفتاحا جذريا لمعظم مشاكل العراق التي ظل يعاني منها ولعقود طوال.