حسن كاظم الفتال
حين تفرض علينا بعض الأدبيات تجاهل ذكر الكثير من الظواهر المستحكمة في المجتمع بالعقل الجمعي ربما تستوقفنا ضرورة الإشارة أو الذكر لظاهرة معينة يعاب علينا تجاهلها.إذ هي من عمق خصوصيات الكثير من أصحاب المنجز الإبداعي المهتمين بالشؤون الثقافية والعلمية والأدبية وما يتفرع منها
هذه الظاهرة تتمحور في عبارة تكررها ألسن أهل الإبداع على مختلف أصنافهم وتصنيفاتهم.
لكننا غالبا ما نمر عليها أو تمر هي علينا مرور الكرام بينما يستحق فحواها ومغزاها توقفا منا للتقصي عن سبب ترديدها مجتمعين.
العبارة (مغنية الحي لا تطرب) ترى من هي مغنية الحي ولِمَ لا تطرب. وهل هي موجودة فعلا أم أنها استعارة أو كناية وهمية يكتنفها الغموض.
بعض المؤشرات تلمح لنا بأنها قاعدة اعتمدتها جهات أو فئات أو طوائف كثيرةٌ. أسس هذه القاعدة وروج لها ورعاها وأدامها نظام التمايز والمفاضلة غير الشرعية وغير العادلة والمنصفة
والمغنية هي ترمز لكل الطاقات والمهارات والمواهب والقابليات في كل مفاصل الحياة من تلك التي غيبت ولا زالت تغيب عمدا وهمشت وجرفها تيار النسيان أو تعمد البعض على قذفها وسط هذا التيار.
من يغيِّب المبدعين ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ
مطربة الحي مغبون حقها لم ينصفها أحد بل غيبها شيوع قانون المحسوبية والمنسوبية وانعدام قانون العدالة وغياب الإنصاف.
ولعل أول المساهمين أو العامدين إلى التغييب والتهميش والإقصاء هم أهل الحي أنفسهم بسبب الإغراء والإنبهار بالعناوين والألقاب الرنانة والطنانة للغرباء التي استهوتهم وانبهروا بها وجذبهم إلى الغرباء تيم وغرام وشغف. فراحوا يستعذبون سماع الغرباء رغم أن الحي يحتشد بأفضل وأمهر وأروع المغنين والمغنيات ولكن لا أحد ينصت إليهم حتى جرفهم تيار التجاهل والنسيان ولفعهم غبار الجهالة والتجهيل والإهمال وأخفاهم المتنفذون من أصحاب القرار المتسلطون الذين هم ليسوا أهلا للنفوذ والتسلط ممن يشغلون الصدارة في مواقع لا يستحقونها ولا تليق بوجودهم. المهيمنون على المواقع أصروا على تغييب وإقصاء أصحاب المنجز الإبداعي لما يمتلك المبدعون من مواهب ومهارات ومؤهلات يفتقدها أصحابُ الشأن والمتنفذون ولعل افتقادهم عنصر الإبداع وعدم قدرتهم على الإرتقاء إلى مستوى المغيبين والمهمشين وحسدهم لهم أو حقدهم أو افتقادهم لعنصر التقييم المهني المنصف والتمييز بين الغث والسمين والجيد والرديء كل ذلك في مقدمة أسباب الإصرار على إبعادهم للمبدعين.
حتى حين تكون مغنية الحي أكثر جدارة من غيرها وبمقدرة فائقة على أفضل الأداء وبالمجان دون أن يكلف وجودها مبالغ طائلة مقابل ما تقدم من أداء مبهر رائع إنما رغم ذلك تستبعد في حين تنفق على مغنيات الأحياء البعيدة أو المجاورة عند استقدامهن أموال طائلة حتى حين لم تكن بمستوى الجدارة المنشودة.
وثمة قاعدة وصف الشاعر اعتمادها بقوله:
(وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلة ** ولكن عين السخط تبدي المساوئا)
إن رمزية المغنية في الحقيقة لا تخص المغنية فعلا فحسب إنما هي استعارة لكناية المنظومة الثقافية المتبلورة التي تؤطر كل إبداع يشمل الكاتب والإعلامي والشاعر والسياسي والمفكر والصحفي والأستاذ الجامعي وحتى الطبيب والمهندس أحيانا والكثير غيرهم.
ولكن....!!!!
متى ينال مغنو الحي استحقاقهم ودورهم في ممارسة نشاطهم الفاعل ؟
الجواب:
يبدو أن ذلك لا يتحقق إلا حين يغادر الجهال والمتطفلون من أولئك الذين مهدت لهم الفوضى الهيمنة التامة على مواقع الصدارة والمناصب أو بالأحرى الذين اغتصبوها.
وحين يتفسحون ويخلون الميدان لأصحاب الجدارة ربما سيتسنى لمغني الحي أن يظهروا مواهبهم ومهاراتهم لتبهر المختصين ويثبتوا جدارتهم وحضورهم الفاعل في الساحة ليبرهنوا تفوقهم على كل مغني الأحياء البعيدة والمجاورة.
حسن كاظم الفتال
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً