- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المرجعية الدينية .. وقصة الثورة العراقية
بقلم: عادل الموسوي
بيانات بلا أرقام.. نصوص.. فصوص الحكم، نظام كنظام الخرز يتبع بعضها بعضاً.. يفسر بعضها بعضاً.
لتناهي الشدة بيان بـ"الفرجة" ولتضايق حلق البلاء بيان بـ"الرخاء". [1]
-بيانات- نصحت بأن (يغلب العقل على من هم في مواقع المسؤولية من السلطة)*
حذرت من (وجه آخر للمشهد..)
منحت (القوى السياسية الممسكة بزمام السلطة فرصة فريدة للإستجابة لمطالب المواطنين..)
أنذرت أن شرعية الحكم مرهونة بقانون جديد للإنتخابات، وأنه (لن يكون مقبولاً)، إن لم يمنح الفرصة لـ(تغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية) تلك (الوجوه التي لم تجلب الخير للبلد).
وأعلنت (ان معركة الإصلاح التي يخوضها الشعب العراقي الكريم هي معركة وطنية تخصه وحده..)
بيانات المرجعية الدينية وحي الإصلاح والتغيير المنشود.. والتصحيح لعموم مسار الحكم في تاريخ العراق.
خلصنا في الحلقة السابقة -الثالثة- الى قول السيد المرجع: (ولم نغفل عما غفل عنه في ثورة العشرين) [2].
ومن خلاصة ما قرأناه -هناك- من قوله دام ظله مقروناً بالدعوة الى تصحيح المسار:
إن مسار الحكم للحكومات التي أعقبت ثورة العشرين لا يمكن تصويبه بحال، لذا فإن تصحيح المسار اليوم يعد ثورة للمرجعية الدينية تمتد حدودها الى عموم تاريخ ما قبلها..
إن التعبير بمصطلح "الثورة" أردت منه معنى مرادفاً للمنعطف التاريخي الكبير الذي مثله دور المرجعية الدينية في حياة الأمة وجسده السيد المرجع لا كإطروحة مكتوبة، بل كمواقف عملية تطرح وتتخذ تجاه القضايا العامة -السياسية والإجتماعية- للبلد.. مع منهاج عملي لتربية المجتمع وإرشاده الى صلاحه، ورعاية مباشرة عند إستحكام الضرورة.
منهاج يتضمن رؤيا ثابتة ومواقف مفاجئة تستلزم ممن يضعون "الإستراتيجيات" مراجعة الحسابات وإعادة النظر بمباديء التخطيط.
لا ريب إن جزءً مما غفل عنه في ثورة العشرين له علاقة بما لم تغفل عنه المرجعية بعد سقوط النظام البائد.
وهو "تحديد مسار الحكم".
فـ(لقد سعت المرجعية الدينية منذ سقوط النظام الإستبدادي السابق في أن يحل مكانه نظام يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الإقتراع في إنتخابات دورية حرة ونزيهة وذلك إيماناً منها بأنه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد..)
لكن وكما (يعلم الجميع ما آلت اليه أوضاع البلد وما تعاني منه هذه الأيام من مشاكل متنوعة وأزمات متشابكة.
وكانت المرجعية الدينية تقدر منذ فترة غير قصيرة ما يمكن أن تؤول اليه الأمور فيما إذا لم يتم إتخاذ خطوات حقيقية وجادة في سبيل الإصلاح ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة الإجتماعية)، لكن (.. بالرغم من مضي مدة غير قصيرة على بدء الإحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح، والدماء الزكية التي سالت من مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين في هذا الطريق المشرِّف، إلا إنه لم يتحقق إلى اليوم على أرض الواقع من مطالب المحتجين ما يستحق الإهتمام به.. وهذا مما يثير الشكوك في مدى قدرة أو جدية القوى السياسية الحاكمة في تنفيذ مطالب المتظاهرين حتى في حدودها الدنيا..) لذا فإن (السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية اذا لم تكن قادرة على إجراء الإصلاحات اللازمة او لم تكن تريد ذلك فلابد من التفكير بسلوك طريق آخر في هذا المجال، فإنه لا يمكن أن يستمر الحال على ما كان عليه قبل الإحتجاجات الأخيرة).[3]
إن عدم قدرة او إرادة القوى السياسية للإصلاحات ذلك ﻷنهم خضعوا لأرادات دولية وإقليمية وإنهمكوا فيما تكالبوا عليه ف(لايزال التكالب على المناصب والمواقع..) قائماً من جميع المكونات.
حاول الكثيرون توجيه أصابع الإتهام الى الأحزاب الإسلامية الشيعية والى رموزها السياسية، إيحاءً بوطنية وشرف غيرهم إلا إن واقع الأمر هو إن (..الفساد المتفاقم يوماً بعد يوم، والخراب المستشري على جميع الأصعدة، [كان] بتوافق القوى الحاكمة -من مختلف المكونات- على جعل الوطن مغانم يتقاسمونها فيما بينهم وتغاضي بعضهم عن فساد البعض الآخر..)
إن القوى الحاكمة من مختلف المكونات كانت عوناً وأداة تنفيذ لتلك الإرادات -الدولية والإقليمية- في الإستمرار ببرنامج إضعاف وإنهاك الشعب المضطهد إكمالاً لما بدأت به -الإرادات - من حصار إقتصادي شامل ورضوخ تحت طائلة بنود ووصاية الى هيمنة لبرامج صندوق النقد او البنك الدولي بإيقاف التعيينات ورفع الدعم عن البطاقة التموينية وترشيد الإنفاق على الطاقة الكهربائية وغيرها من قيود، للتمكين من سداد قروض العجز في الميزانية التي كانت توصف ب "الإنفجارية".. ولتغطية نفقات مشاريع "ورقية".
فلماذا كانت تلك القروض وما نسبة التنفيذ لمشاريع البنك الدولي تلك؟!!
لقد تأزرت القوى السياسية الحاكمة مع القوى الإقليمية والدولية الظالمة للنيل من هذا الشعب الممتحن ليحولوا بينه وبين ماتمنته له المرجعية الدينية من (مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة ويحظى بالتقدم والإزدهار ويحافظ فيه على قيمه الأصيلة ومصالحه العليا..) من (خطر طمس هويته الثقافية التي من أهم ركائزها هو الدين الإسلامي الحنيف) [4] وهو هدف لن تحيد عنه إرادة الصراع الدولية وإدارتها، لذا فإن السلطات الثلاثة لا يقدرون ولا يريدون الإصلاح ولا يتوقع منهم الجدية والصدق بما قدموه من قرارات وحلول هي حيل لصرف الشعب عن إحتجاجاته للمطالبة بإحتياجاته، فإن كانوا يأملون رجوع المحتجين الى منازلهم (فَإِنَّهَا خُدْعَةُ الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْفِصَالِ)[5].
متعالين جبابرة عتاة.. يسفهون مطالب الشعب، يستصغرون أعمارهم وأفكارهم.. يصفونهم بالعجز عن صياغة جمل التعبير عن مطالبهم، وبكل وقاحة يتناسى المستصغرون أن "شيبة حكيمة" أكبرت تلك الصيحة وذلك الحراك ودعت الى مساندة الإحتجاجات السلمية، وأن مطالب المحتجين مشروعة وهي حقهم الذي كفله الدستور لهم، ووصفت دمائهم بأنها (الدماء الزكية التي سالت من مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين في هذا الطريق المشرِّف)
لقد سن السياسيون قوانين منحوا أنفسهم بها إمتيازات خاصة، ولم يخجلوا اذ أوصد المرجع الأعلى الباب عن إستقبالهم، ولم ينصتوا لدعواته بألغاء او تعديل تلك القوانين، حتى وصف فعلهم ب (التكالب على المناصب والمواقع)، (.. يَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ خَضْمَ الْإِبِل نِبْتَةَ الرَّبِيعِ..)[6]، وينقمون إحتجاج الشعب وقد طفح الكيل وعيل الصبر، (لقد قاطعت السياسيين منذ 2010 منذ أن شرعوا لأنفسهم الامتيازات والرواتب التقاعدية، وكنت آمل أن تقوم التظاهرات منذ ذلك اليوم، ولو حدث ذلك لما تفاقم الوضع الى مانراه اليوم)[7] لقد تأخر الخروج كثيراً.
ولكن (..اذا كان من بيدهم السلطة يظنون أن بإمكانهم التهرب من إستحقاقات الإصلاح الحقيقي بالتسويف والمماطلة فإنهم واهمون، إذ لن يكون ما بعد هذه الإحتجاجات كما كان قبلها في كل الاحوال، فليتنبهوا الى ذلك).
وإن كانت المرجعية الدينية قد إقترحت -في وقت مضى- على الحكومة ما يساعد على الخروح من الأزمة، فاليوم قد عدلت عن ذلك، وكان الجواب عن إستمرار النية فيه: (كلّا، بعد أن تمّ إراقة الدماء فقد فات الوقت ومضى ولا مجال إِلَّا بتغيير حقيقي بعيداً عن الوعود) [8]
لقد كانت (أمام القوى السياسية الممسكة بزمام السلطة فرصة فريدة للإستجابة لمطالب المتظاهرين)، إلا أنهم زهدوا على علم وإصرار تلك الفرصة.
لقد صاحبت الإحتجاجات أعمال عنف وتخريب وإعتداء على المتظاهرين السلميين والقوات الأمنية ولم تتخذ الإجراءات اللازمة لحل الأزمة، ولم تلق المرجعية الدينية "آذان صاغية"، وها قد إنتهت "العطوة"، ف(يجب ملاحقة ومحاسبة كل من تورّط في شيء من هذه الأعمال -المحرّمة شرعاً والمخالفة للقانون- وفق الإجراءات القضائية ولا يجوز التساهل في ذلك).
ولابد من (تغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية) تلك (الوجوه التي لم تجلب الخير للبلد).
الإصلاح "ضرورة حتمية"، "لامحيص عنها".. وقصة "الثورة" لم تنتهي بعد ولا نعلم متى تكون حلقتها الأخيرة.
________
* كل ما بين قوسين () عبارات مقتبسة من بيانات مكتب سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله المبلغة في خطب الجمعة.
[1] إشارة الى مقدمة السيد احمد الصافي في الخطبة الاولى من صلاة الجمعة 2019/11/1 حيث ذكر فيما روي عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه من أنه قال: (عند تناهي الشدة تكون الفرجة وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء)
[2] لقاء خاص للسيد المرجع مع طلبة العلوم الدينية، التفاصيل: مقال "درر من عالم ليس له بيت" ومقال "المرجعية الدينية وقصة الثورة العراقية/ الحلقة 3
[3] لقاء السيد المرجع مع رئيسة بعثة الامم المتحدة "بلاسخارت".
[4] اسئلة صحيفة الواشنطن بوست-كتاب د.حامد الخفاف.
[5] من كتاب لامير المؤمنين ع الى معاوية لع / نهج البلاغة.
[6] من كلام لامير المؤمنين ع - الخطبة الشقشقية.
[7، 8] رسالة الى أساتذة وطلبة كلية الطب جامعة كربلاء.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً