- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مدلولات توظيف النصوص لدى الأفراد والمجتمعات ..الجزء الثاني
حسن كاظم الفتال
تداعيات السياسة على الحديث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في عقيدتنا والتزاماتنا وتطبيقاتنا الشرعية لا شك إن الحديث يعد الموردَ الثاني لمعرفة أحكام الإسلام بعد القرآن الكريم واقصد بالأحاديث والروايات التي ترد عن طريق الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم.
لذا اهتم البعض بتحريف الحديث اهتماما لا نظير له مثلما اهتم بحذفه من الكتب المعتبرة.
ومن أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك هو: التهافت على العروش والحفاظ عليها وتوريثها إلى الأبناء.. فان بعض الحكام تكلف هو بنفسه تحريف الحديث أو إسقاطه من كتب الحديث أو استبداله بحديث مصطنع موضوع إما هم أنفسهم وإما بواسطة عُمالِهم أو وعاظهم. وهذا ما ازداد حصوله في العهدين الأموي والعباسي. كما أشرت سلفا
وقد بلغ الأمر أن يعمد بعض الحكام الذين يسمون أنفسهم خلفاء في أن يدَّعوا بان آيات نزلت بحقهم وبحق أهليهم.
ألم يدعِ معاوية بأن آية التطهير نزلت خصته وأبناءه وآباءه ؟.
وهذا ما دفع البعض أن يفسر القرآن على هواه وبما يتناسب مع ما يريد من تحقيق المآرب أو ما يريده الحكام ففسروا (عبس وتولى) وأولوا (ولا تقربوا الصلاة وانتم سكارى) وغير ذلك. وكم جرت من المحاولات للتحريف ليس بتغيير الآيات بل بمحاولة إضافة حرف أو حذف آخر كإضافة واو العطف أو واو الاستئناف ووضعها في غير محلها أو تغيير شكل الحرف أو إضافة حركة لتغيير المعنى اللغوي لتكون الآية متساوقة مع ما تتمناه الأمزجة وليس المصلحة الخاصة فحسب.
وليس منا من لا يعرف كم جرت من المحاولات للحيلولة بين نشر فضائل أمير المؤمنين صلوات الله عليه وحكمه وعلومه الربانية ومعرفة الناس لها
وقد بلغ الأمرُ بالرواة والمحدثين أن لا يقرنوا اسم أمير المؤمنين صلوات الله عليه بحديثه إذا جاؤوا به بل إما أن يقولوا: قال الشيخ أو حدثني رجل من قريش أو روى أبو زينب كناية عنه وخوفا من سلاطين العصر حتى صارت كناية أبي زينب علامة معروفة لدى الرواة والأتباع.
ومما لا يرقى له الشك أن معظم الناس يدرك محاولة بعض المستفيدين من التوظيف لذا يوظف كل شيء لصالحه وليس الحديث فقط وبأساليب شتى ومنها الإصرار على القدح ببعض الأحاديث المسندة مع إيجاد أدلة باطلة على إسقاطها ولكن الأدلة منمقة ومزركشة ومدروسة بدقة متناهية توهم القارئ أو السامع بأنها في أتم صحة. وان للديباجة دوراً مهماً فيأتي المحرف والمزور بديباجة جميلة تغري السامع فيصدقها. لا سيما حين يتوفر العامل النفسي لدى الفرد والذي يكون أساسا للتقبل والقبول والرفض ويؤدي دورا بارزا في عملية التلقي للحديث وليس بعيدا على الجميع التلاعب والتحريف ومن يريد علامة مصداقية لهذا القول فدونه أكبر برهان يكفي أن يستعيض به عن أمور كثيرة ألا وهو حديث الثقلين والذي يعترف بصحة وروده الخاص والعام إلا من أعماه الحقد وأغرته دنانير الذهب المسكوكة المزينة بصور الملوك ويبدو أن الحقد أو الضغينة أو الحسد أو التوجسات والشعور بالغبن والنقص كل هذه عوامل تؤدي إلى أن يغص المتحدث فيقتطع من الحديث جزءاً أو أن يتلعثم بالكلام بسبب كيه بنار الحقد فيبتر الحديث أو يغير اللفظ فيه فيعطي معنى آخر. فإن المتلاعبين والقلابين قد تفننوا وأيما تفنن بالتلاعب به وذلك بعد أن عجزوا من أن يحرفوا حديث المنزلة الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وآله (يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا لا نبي من بعدي). إذ ذكر هذا الحديث رواة الحديث من أهل السنة عامة وربما قبل غيرهم.
ومن المعلوم أن في أحيان كثيرة يُدسُ النصُ أو الحديث الذي صنع بهذا الشكل وسط الدارسين العلم أو الباحثين عن الحقيقة وليس بالضرورة أن يكون قد أدى وظيفته المرجوة أم لم يؤدها وهكذا أستغلت الأحاديث للسيطرة على عقول البعض واستغفالهم وذلك ينطوي على أمور معينة.
مزاجية التأويل والتفسير والإجتهاد فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من أفتى الناس بغير علم وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك). ويبدو أن البعض عالم بأنه هالك لا محالة لكنه يعد هلاكه خلاصا من حسد يكون نار راحة تكوي أحشاءه ومن ثم يود أن يُهلكَ الآخرين كي لا يدخل جهنم لوحده بل يشفع بالدخول إليها إلى أتباعه وأصحابه وأقربائه ومريديه ومؤيديه من السامعين والمصدقين له.
قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: (إن لأهل الدين علامات يعرفون بها: صدق الحديث وأداء الأمانة ووفاء بالعهد وصلة الأرحام ورحمة الضعفاء وقلة مراقبة النساء).
عن زيد بن الصائغ قال: (قلت لأبي عبد الله صلوات الله عليه: أدع الله لنا فقال: اللهم ارزقهم صدق الحديث وأداء الأمانة).
عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال: (لا تغتروا بصلاتهم ولا صيامهم فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى تركته استوحش ولكن اختبروهم عند صدق الحديث).
مما لا يرقى له الشك أن الأمانة هي مفردة من مفردات حياة الفرد المؤمن وترتبط ارتباطا مباشرا بأخلاقياته وهي علامة من أهم وأبرز العلامات المائزة بينه وبين سواه وتتعلق بكل جوانب حياته. ومن أبرز معالمها صدق الحديث وتتبع حفظ النص وتصديقه والتسليم له وحسن تعليمه بمصداقية للآخرين.
فلابد للمؤمن أن يكون أمينا في نقل النص وكما قيل فهو كثير الدراية وحسن الرواية ولا يكون ممن تقرض شفاههم المقاريض يوم القيامة فيقفون نادمين خاسرين مرددين قوله تعالى (ويوم يعضُّ الظالمُ على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا) – الفرقان / 27-28
حين تسوقنا متعة الحديث إلى بحر واسع من الأحاديث متعدد الروافد فلابد لنا أن نعوم على ظهر الموج المتلاطم من النصوص والآراء المختلفة.
وأحد تلك الروافد مصدره العصبية القبلية. حيث الميول والتحيز والإنتقام أو ثأرا لسلب الجاه أو الوجاهة أو الرئاسة: ولا بأس بالإشارة إلى المعترض على رسول صلى الله عليه وآله السائل بعذاب واقع النضر بن الحارث أو أي نظير له وقصة الرشيد أو المأمون لدى استقباله الإمام وقولته الشهيرة (إن الملك عقيم) لا تحتاج لتفصيل وإعادة.
عن مثل هؤلاء الذين يتمسكون بالسلطة ويضحون من أجلها بكل غال ونفيس ويعتصمون بها بقدر ما يعتصم المشرف على الهلاك بخيوط الأمل للحياة.واعتصامهم هذا يدعوهم إلى ظلم الإنسان والتلذذ بشقائه وعذابه عكس أهل بيت الرسالة أهل بيت الرحمة صلوات الله عليهم أجمعين لم يكترث أحد منهم بالسلطة لم يعتزوا بها كما كان هؤلاء يعتزون بها إنما كانوا يبتغون صناعة الإنسان بأحسن الصيغ وجعله يمتلك هيبة ووقارا وكرامة وعزة وهم دائبون على إحقاق الحق وكشف عورات الباطل وفضحه وبيان الحقائق وهذا ما يقض مضاجع الظالمين ولا يروق لهم أن يعيش هؤلاء. فقبل أن يسعوا لحياكة الدسائس والمؤامرات ويتحينوا الفرص لقتلهم بشتى الوسائل. قبل ذلك يسعون لأن يخالفوا آراءهم ويشوهوا كل حقيقة. وكانت هذه الحقيقة سببا مهما من أسباب تحريف النص وتوظيفه للصالح الخاص.
جاء عن الإمام الصادق صلوات الله عليه قوله: (طلب المعارف عن غير طريقنا مساوقٌ لإنكارنا)
وقال صلوات الله عليه: (إذا أتاكم عنا حديثان مختلفان فخذوا بما وافق منهما القرآن، فان لم تجدوا لهما شاهدا من القرآن فخذوا بالمجمع عليه، فان المجمع عليه لا ريب فيه، فإن كان فيه اختلاف وتساوت الأحاديث به فخذوا بأبعدهما من قول العامة)ــ جوابات أهل الموصل / الشيخ المفيد
ربما يجرفنا طوفان الأقاويل عن توظيف الأحاديث والنصوص ويلقينا في روافد عديدة وحين يحدث ذلك يتحتم علينا أن لا نغفل أمرا مهما من الأمور التي دعت إلى التحريف والتوظيف والإمالة وما يتعلق بها
ذلك الأمر هو العصبية القبلية.
إلى اللقاء في الجزء الثالث
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- حين تُستودع مصائر الكبار لدى أمزجة الصغار !
- هل جامعاتنا ورش لبناء المستقبل أم ساحات تعج بالمشاكل؟ - الجزء الثاني والاخير