عباس الصباغ
لايختلف اثنان على ان مشاكل البصرة المستديمة لاتحلّ بالحلول الترقيعية او المرتجلة او بالوعود صعبة التحقيق، او تكون رد فعل آني جوابا على التظاهرات العارمة التي تجوب شوارع البصرة منذ سنين وتتجدد في كل صيف قائظ مايعرف الان بموسم التظاهرات الذي امتد لبقية مدن الجنوب والوسط مع اشتداد قيظ الصيف بدرجة حرارة تفوق نصف درجة الغليان يصاحبها تهالك مزمن لأغلب البنى التحتية الخاصة بالكهرباء التي باتت تشكّل هاجسا سنويا يؤرق الجميع ويزداد الطين بلة إن رافقت ذلك ازمات أخر كأزمة المياه الصالحة للشرب التي تستفحل كل عام، فمشاكل البصرة كثيرة ومعقدة واكثرها متوارث عن الحكومات السابقة، ويتمركز اغلبها حول ناحيتين الاولى ملف الكهرباء الذي بقي يعاني من داء عضال دون معالجة حقيقية، والثانية تردي ملف الخدمات يضاف اليها ملف البطالة والفقر الشديد وخاصة في صفوف الشباب، والحقيقة ان هذه المشاكل ليست الاّ الجزء الظاهر من جبل الجليد وما خفي كان اعظم منه، فمازال البؤس والفقر المدقع وشظف العيش والحرمان هو الغالب على اهل هذه المدينة المعطاء .
البصرة الفيحاء هي الرئة التي يتنفس منها العراق والمنفذ الذي يطل منه على العالم، وهي التي اعطت للعراق صفته الدولية باطلالته الوحيدة على البحر وبدونها لايسمى العراق بلدا ساحليا، وهذه الاطلالة منحت العراق اهمية جيوستراتيجية اخرى تضاف الى بقية الاهميات العراقية التي تجعله قلب الشرق الاوسط النابض ، وهي عاصمة العراق الاقتصادية (ام الخبزة) وسلته التي ترفد موازناته المالية، والبصرة مع هذه التوصيفات الاستراتيجية لم تحظَ بالاهتمام الحكومي المطلوب كمحافظة لها وزنها الاقتصادي والتجاري والجيوستراتيجي، فالمعروف ان مدنا بهكذا مواصفات استراتيجية وخاصة تلك التي تدرّ بالخير على شعوبها تكون لها الاولويات في كل شيء لاسيما خدمات البنى التحتية، ويعيش مواطنو هذه المدن في "بحبوحة" اقتصادية اكثر من بقية مواطنيهم الا البصرةَ التي أخُرجت ـ مرغمةً ـ عن هذه القاعدة المألوفة عالميا ومع هذا بقيت بملايينها ترزح تحت خط الفقر مع تدنٍ مريع لأبسط خدمات البنى التحتية، فليس من المعقول ان تعاني هذه المدينة وفي اجواء قيظ الصيف الحارق من نقص حاد في مياه الشرب، او من تردي تجهيز سكانها بالطاقة الكهربائية الوطنية مع محرومية واضحة في المستوى المعيشي لأغلب سكانها الذين يعانون من نسب عالية من البطالة المقنّعة ونضوب فرص التعيينات الحكومية، الامر الذي ادى الى تجدد فورة التظاهرات التي بقيت تدور في حلقة مفرغة مع بقاء المعاناة على حالها ما يؤدي الى احتقان الشارع البصري الذي بقي يعبّر عن شكواه بطرائق سلمية كفلها الدستور العراقي كما تتكرر معها ذات السيناريو المؤسف والمؤلم من انحراف بوصلة تلك الفعاليات السلمية والعفوية عن طريقها المرسوم لها واهدافها المشروعة بتدخل المندسين وذوي الاجندة التخريبية فيها فمازالت مشاهد الاصطدام المتكررة والتي تحدث بين الجماهير الغاضبة وقوى الامن التي تلجأ في بعض الاحيان الى استخدام العنف المفرط وبدون مبرر ما يؤدي الى سقوط عدد من الشهداء والجرحى بين الطرفين والتي تتناقلها وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، مع تكرار مناظر مؤسفة لتخريب الممتلكات العامة والخاصة، كما يتجدد ذات رد الفعل الحكومي تجاهها إمّا بغضّ النظر او بإطلاق حلول قد تكون بعيدة عن واقع البصرة، او غير ناجعة اصلا او تكون رد فعل يكون غالبا دون مستوى خطورة الازمة.
في رأيي ان الاهمية القصوى لمحافظة البصرة وعلى كافة الصعد ولخطورة اوضاعها تستدعي ان يكون الاهتمام الحكومي ليس على مستوى رد الفعل الآني لمشاكلها ومعاناتها التي تبدو انها تتفاقم سنة بعد اخرى دون حلول ناجعة او حقيقية بتشكيل لجان وانتظار "النتائج" بل يكون الاهتمام الحكومي على اعلى المستويات الوزارية ومن كافة الجوانب، ولابد من وضع خطط استباقية لمعالجة تلك المشاكل، ويجب ان يكون ذلك الجهد وفق خطط سنوية تتضافر فيها جميع الوزارات المعنية.
والمطلوب من حكومة السيد عبد المهدي ان تقرأ اشارات البصرة جيدا لتعيد البسمة لثغر العراق الذي كان يسمى بثغر العراق الباسم وهو البصرة.