- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
النزاعات العشائرية هل الى خروج من سبيل ؟
بقلم: عادل الموسوي
اعتقد ان المحور اﻻساس في النزاعات العشائرية المتصاعدة - التي نشهدها اليوم - هو التصور السائد لمفهوم العار، ف " الموت اولى من ركوب العار ".
ان التكبر والطغيان واﻻعتداد بالنفس لوجود بعض المميزات، الشعور المفرط باﻻنتماء للعشيرة والحاجة الماسة لهذا اﻻنتماء مع فقدان المؤمن القانوني في ظل الدولة، كلها عوامل مهمة في تحديد سلوكيات اﻻفراد مجتمعيا.
ان عار السكوت على " العيله " هو محور الرد والرد المقابل الذي ﻻ ينتهي اﻻ بالقتل او احداث الضرر بين المتحاربين ليبدأ دور العشيرتين في الرد والرد المقابل والذي ﻻ ينتهي ايضا اﻻ بالقتل المستمر في طاحونة يدوية..
ان اعادة النظر في مصاديق بعض المفاهيم لن تنجح من فرد او مجموعة او طرف واحد، فﻻبد من تصحيح تلك اﻻفكار بصورة عامة كاملة مع وجود المؤمن الرادع الذي يلتجأ اليه المجني عليه او وليه، اﻻ وهو القانون وقوة الدولة واذعان رؤساء العشائر لهما.
كانت العرب تعد الهروب من القتال والمواجهة عارا ما بعده عار اﻻ الهروب من سيف علي بن ابي طالب صلوات الله وسلامه عليه فﻻ يعد عارا بل ان من لم يهرب عد مجنونا.
فإذا اعيد النظر بمفهوم العار السائد لدى العشائر اليوم كان لذلك الدور اﻻساس في القضاء على تلك الصراعات، واظن ان الكلمة اذا اجتمعت على صياغة ميثاق عشائري باﻻلتزام بالشريعة المقدسة ممثلة بالمرجعية الدينية وفتاواها ومركزها الرئاسي والقيادي بما يخص الخﻻفات العشائرية كان لذلك دور في تغيير المفهوم في مرتكزات المجتمع الذهنية ليكون العار - حينذ - هو مخالفة الميثاق العشائري الشرعي..
نحن بحاجة الى تركيز مفهوم " العار اولى من دخول النار "
(.. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة: 44،(.. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة: 45 (.. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة: 47.
هذا من وجهة نظر مثالية ترفية بعيدة المنال ليست بذات صلة بالواقع - ربما -
وبعيداً عن ذلك ﻻبد من الوقوف على جذر القضية موضوعة الحديث والتي هي " اللجوء الى اﻻعراف العشائرية ":
هل كان اللجوء الى اﻻحكام العشائرية "السناين" سببه فقدان النص الشرعي او قصوره عن تلبية الحاجة ؟ ما الذي عجزت عن توفيره المنظومتين الشرعية والقانونية حتى تم اللجوء الى تلك الاعراف ؟
بعيدا عن التطفل على شأن ذوي الشأن فالقضية الجنائية تتضمن: الجناية، الجاني، المجني عليه، احكام مسنونة: شرعية او قانونية او عرفية، احكام قضاء واصول محاكمات جزائية، تحقيق ادلة جنائية، سلطة تنفيذية لتطبيق الاحكام.
اما من ناحية اﻻحكام والموضوعات فتوفر المنظومة الشرعية ادق المسائل وتفرعاتها " حتى ارش الخدش " - كما تعبر روايات الباب - لكن المنظومة الشرعية او قل السلطة الدينية حتى وان تجاوزت طرح التشريعات الى الفصل بالقضية واصدار اﻻحكام القضائية فليس لها من سلطة لتنفيذ تلك اﻻحكام اﻻ اذا فرضنا اذعان الجاني بوازع ديني يحمله على ذلك، وآنى لنا بهذه المثالية التي ﻻ تصل الى اﻻذعان بتحكيم القضاء الشرعي فضﻻ عن التسليم بحكمه تسليما.
اما السلطة القضائية والمعني بها السلطة المرتبطة بالدولة، فمن ناحية التشريع فهي ايضا غير قاصرة عن استيعاب كل القضايا والموضوعات او تشريع ما يستجد منها، وتمتاز بفرض تشريعاتها وتطبيقها عمليا بمحاكمها المختلفة وتنفيذ احكامها بقوة القانون، وهذا هو السائد والغالب في كثير من الدول ولكن هنا نقف عند اشكالية قد تكون محورية في القضية محل الحديث:
ان طرفي هذه اﻻشكالية هما القانون الوضعي والتشريع الديني وكل منهما ينطلق من منطلقات، ويكمن الحل بينهما باذعان احدهما للآخر او تقاربهما او تقارب منطلقاتهما او سيادة احدهما - وهو ما يعتمد على شكل نظام الدولة -، او ان يستند المشرع في سن قوانينه الى الشريعة الإسلامية للخروج من تبعة "..وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ.. " او ان يضفي الحاكم الشرعي الشرعية على ما وضع من قوانين مع مراعاة ما يجب مراعاته.
ان سلطة الحكومات غير الشرعية وجهازها القضائي وعدم اﻻعتراف بشرعيتها او جواز التحاكم اليها باعتبارها طاغوتية باﻻضافة الى فسادها وتضييعها الحقوق وجور احكامها قد ادى - حسبما اظن - الى ما ادى من ترك اﻻحتكام للدولة، ويمكن ان يكون في اللجوء الى الاحكام العشائرية فرصة للتعبير عن الرفض وعدم اﻻذعان للقانون مصحوباً بتقية عن اللجوء الى المنظومة الشرعية، وقد يكون من العوامل ايضا الاستعداد النفسي والطبعي لاستعانة الفرد بالمجموعة الاقربين من العصبة والعشيرة في ظل حكومات تغض الطرف او تشجيع على تأصيل اﻻعراف العشائرية لشيوع الفوضى الداخلية وسياسة الالهاء، ولكن رغم ذلك كانت النزاعات العشائرية والقضايا الجنائية ضمن دائرة سيطرة الحكومات البائدة وغالباً ما كانت اﻻحكام خليطا شرعيا وعرفيا وقانونيا والغالب فيه اﻻستعانة بقوة الدولة لتنفيذ الحكم.
اما اليوم فﻻ يخفى ضعف جهاز الدولة وافراد قوتها التنفيذية على تلبية حاجة الفرد من الحماية او محاسبة ومعاقبة الجاني، فمن الطبيعي جدا ان يبحث الفرد عن قوة تلبي حاجته وهي العشيرة، وبالطبع هناك عوامل كثيرة اخرى نفسية واجتماعية وثقافية واقتصادية وغيرها اججت ورسخت وتوسعت بها القضية على الشكل الذي نراه اليوم.
هل من حل ؟
هل تنفع مواعظ الخطباء ؟ مجالس العزاء ؟ زيارات اﻻربعين ؟ الوﻻء لأهل البيت ع ؟ هل يجد الوازع الديني مجالا له امام تيار العصبية العشائرية ؟ ما تلمسه من استقراء سريع لعينة من النخب المتدينة، يكون الجواب فيه: كﻻ، فكيف بك بما هم دون ذلك.
ان شكل نظام الدولة اليوم لهو من اروع اﻻنظمة التي يتمنها الشيعي العراقي فيما يتعلق بتنظيم علاقته مع الشرع والحكومة، نظام مدني شرعي، وفيه تحل اشكالية القانون والشرع بشكل من اﻻشكال، ومنه ذلك نخلص الى تمحور القضية بمشكلة ضعف الدولة عموما وضعفها عن حماية افراد قوتها التنفيذية من سلطة التبعات العشائرية خصوصاً، مما اسهم في احباطهم وادى الى احجامهم عن اداء واجباتهم، وهم يعيشون قصصا وامثلة ترى وتروى.
اذن ما هي الوسائل لتجاوز ذلك ؟ اما اﻻن! فحقا انا ﻻ ادري.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!