شددت المرجعية الدينية العليا، على ضرورة تحمل الدولة لمسؤولياتها تجاه الشعب وحفظ سيادة الوطن.
وقال ممثل المرجعية العليا في كربلاء، الشيخ عبد المهدي الكربلائي، في خطبة الجمعة من الصحن الحسيني اليوم 21/رجب الاصب/1440هـ الموافق 29/3/2019م:
ان "من موارد السلامة المهمة والمصرية هي صيانة الأوطان عما يعرضها من مخاطر داخلية وخارجية وإضعاف تماسك مواطنيها وإدخالها في النزاعات والعداوات والفتن الدالخية الدينية والمذهبية والقومية او إضعاف سيادتها وموقعها او التفريط بحقوقها وحقها في التقدم والازدهار والرقي وغير ذلك".
وأضاف "لابد من التنبيه على ان هذه السلامة بكل الانواع التي ذكرت هي مسؤولية الفرد والمجتمع ومؤسسات الدولة في جميع المجالات وهي ليست مسؤولية جهة دون أخرى، أو مسؤولية الفرد دون المجتمع او المؤسسات بل تعد مسؤولية الجميع".
وبين الشيخ الكربلائي ان "الدولة وضمن إطار المسؤولية الكبرى كراع أول وأكبر لعموم المجتمع فهي تتحمل قسطاً وافراً من المسؤولية لما حملت من هذه الامانة الكبيرة في رعاية الافراد والمجتمع والوطن".
وفيما يلي النص الكامل للخطبة الثانية لصلاة الجمعة باماة ممثل المرجعية الشيخ عبد المهدي الكربلائي ايها الاخوة والاخوات نتعرض في الخطبة الثانية الى هذا الموضوع:
ما هي منظومات السلامة المجتمعية؟
ايها الاخوة والاخوات الانسان كفرد واسرة ومجتمع يحتاج الى توفير مقومات الامن والسلامة والامان والصحة في منظومات حياته المختلفة.
الحياة فيها مجموعة من المنظومات المهمة التي يحتاج الى سلامتها وصيانتها من الانحراف والفساد والضلال، اشبّه تشبيه الآن، الان في منظومات الخدمة الحياتية العامة هناك منظومات تخدم الانسان مثل منظومة التبريد ومنظومة الماء ومنظومة المجاري ومنظومة البيئة وغير ذلك من الامور التي نحتاج الى سلامتها من اجل ان يوفر بيئة صحيحة وآمنة يستطيع من خلالها ان يعيش باستقرار وامان وتقدم وازدهار..
هناك منظومات حياتية مهمة جداً نحن غفلنا عن سلامتها وصيانتها من الانحراف فمثلا ً هناك المنظومة الفكرية والمنظومة العقلية والمنظومة الاخلاقية والاجتماعية وهناك المنظومة البيئية والصحية والمهنية..
المشكلة ايها الاخوة ان كثير من جهودنا واهتمامنا وعنايتنا تتوجه للحفاظ على سلامة المنظومة الدنيوية وسلامة الامور الثانوية ليست التي بذات اهمية كبيرة وحساسة في حياتنا نهتم بسلامة جسدنا وسلامة اموالنا وسلامة عوائلنا وسلامة اسرنا وسلامة جاهنا ومنصبنا وسلامة سيارتنا واثاثنا وامورنا الدنيوية الاخرى نعتني بها اشد الاعتناء ولكن منظومة العقل والمعرفة والثقافة والاخلاق ومنظومة العلاقات الاجتماعية ومنظومة الاوطان والاعراض هذه لا نعطيها الذي تستحقه هذه المنظومات..
لاحظوا بعض المجتمعات اذا دققتم فيها الاسباب الرئيسية الى تقدمها وازدهارها واستقرارها وانتظام امورها هو لاهتمامها بهذه الامور اضافة الى اهتمامها بالامور الدنيوية، نحن لا نقول اخواني لا تتصورون نحن لا نهتم ولا نوجه بالاهتمام ان الانسان يهتم بجسده وصحته ونفسه واسرته وماله.. ولكن ان يعتني اشد الاعتناء بهذه الامور ويُهمل تلك الامور الحساسة والخطيرة فإن هذا الاهمال سيشكل خطراً على سلامته وعلى امنه وامانه وعلى سعادته واستقراره وتقدمه ورقيه وازدهاره وسيتخلف عن بقية المجتمعات ولا يحقق الغايات التي يرجوها منا الله تعالى وديننا..
لذلك لابد ان نتوجه ونلتفت الى اهمية الحفاظ على سلامة هذه المنظومات وانا ابتدأ بها..
اولا ً: المنظومة الفكرية: والتي تبتدأ بالحفاظ على سلامة العقل وسلامة الفكر وسلامة المعرفة، هذه المنظومة الفكرية تتكون من المعرفة والثقافة والمبادئ النظرية، المطلوب ان نهتم فرداً ومجتمعاً ومؤسسات دولة بالمعرفة والثقافة والعلم ونعطي هذه الامور حقها من الاهتمام اللازم..، بعض الدول انما تقدمت خصصت ميزانية للعلم والمعرفة والدراسة والصحة، اهتمام الناس فرد واسرة ومجتمع ودولة بالمنظومة الفكرية والثقافية اهتمام كبير كما تهتم بأمور الخدمات والصحة تهتم بالمنظومة العلمية والفكرية والثقافية والعقلية للإنسان لذلك اعطوا اهتمام للقراءة والمعرفة والثقافة.. كثيراً ما نقرأ في بعض المجتمعات المتقدمة الانسان حتى عندما يصعد في السيارة تجد بيده كتاب يقرأ به او حينما ينتظر في محطة النقل يجلس قليلا ً حين الانتظار فيخرج من جيبه كتاباً ويقرأ.. نحن علينا ان نهتم بهذه المسألة الاهتمام الذي تستحقه المعرفة والثقافة.. المعرفة والثقافة نأخذها من منابعها الصحيحة والرصينة..
وحيث ان الاديان الدين الصحيح يمثل المنظومة الفكرية المتكاملة في استعمال العقل والمعرفة الصحيحة واخلاقيات الفكر واخلاقيات المعرفة واخلاقيات الفكر والمهنة..
كيف نستطيع الحفاظ على ترشيد وسلامة الوسيلة والغاية في توظيف العلوم والمعارف؟ انا عندي علوم ومعرفة اوظفه في خدمة الانسان وخيره ونفعه وتارة ربما اوظف هذه العلوم لضرر الانسان وايذائه والفتك به والشر لهُ.. فهذه ليست من اخلاقيات العلم بل هذه تضر بسلامة المنظومة الفكرية.. لذلك لابد في كل ما نتعلمه علينا ان نوظفه في خير ونفع الانسان لا ان يكون سبباً في شر وايذاء الاخرين..
الدين الصحيح هو الذي يوفر المنظومة الاخلاقية المتكاملة والمعرفة الصحيحة واخلاقيات الفكر الصحيحة والمهذبة فلابد ان نأخذ مبادئ ديننا ونحافظ عليها وناخذها من القنوات الصحيحة ونعرف اخلاقيات الدين لكي نوظف هذه المعارف الدينية في صالح مجتمعنا.
ثانياً: المنظومة الاخلاقية:
نلتفت الى انها تعتمد على ثلاثة اركان اساسية، اولا ً: اخلاقيات القلب: ابتدأوا بقلوبكم تأملوا لماذا القران الكريم يقول (يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلبٍ سليم)، قلب نقي من التكبر والعجب وسوء الظن والجبن والبخل وغير ذلك من الصفات التي هي منشأ الكفر والشر.. لذلك ضعوا قلوبكم تحت المجهر ودققوا فيه لأن اساس الشر والاذى انما يبتدأ من القلب، منظومة الاخلاق انما نحافظ عليها حينما ندقق ونفتش في اعماق قلوبنا عن مناشيء الفساد والشر ونحاول ان نزرع في قلوبنا مناشيء الحب والمصلحة للاخرين والخير لهم..
الشيء الآخر هو اهتمامنا بالمبادئ والقيم وحب العدل والخير وكراهية الشر وبسط العدل بين الناس وحب الخير للاخرين والتوادد والمحبة والتسامح والتكاتف والتعاطف وغير ذلك من هذه المبادئ الاخلاقية علينا ان نعطيها الاهتمام الذي تستحقه.. وعلينا ان نصون انفسنا ومجتمعنا من الاخلاق المذمومة من الحسد والتكبر والعُجب والغرور والحاق الاذى بالناس والكلام السيء الذي يسبب الاذى والشر للاخرين.. ثم بعد ذلك علينا ان نعمل على توظيف هذه الاخلاق لصلاح انفسنا ومجتمعنا.
ثالثاً: المنظومة او السلامة المجتمعية:
ان نحافظ على سلامة العلاقات الاجتماعية وان نحرص على التوادد والتراحم والتعاطف والتكافل والتزاور والتلاقي فيما بيننا ونحاول ان نصون انفسنا من التقاطع والحسد والبغضاء وغير ذلك من الامور التي تؤدي الى تفكك العلاقات الاجتماعية.. فمن الامور المهمة التي يجب ان نحرص على سلامتها وصحتها سلامة العلاقات الاجتماعية فيما بيننا وفي نفس الوقت نُبعد انفسنا عن التناحر والعداوات والبغضاء والامور التي تؤدي الى ضعف العلاقات الاجتماعية..
رابعاً: السلامة المهنية والبيئية والصحية:
هذه ايضاً اخواني مسؤولية الجميع وخصوصاً مسؤولية مؤسسات الدولة بصورة كبيرة ايضاً لابد ان يوفّر للانسان والمواطن صاحب المهنة وصاحب العمل مقومات واسس السلامة اثناء العمل واثناء ممارسة المهنة المواطن العادي حينما يمارس نشاطاته لابد ان توفر له السلامة المهنية في اماكن العمل وفي الاماكن العامة وحتى في الاماكن الترويحية، سلامة البيئة ايضاً اخواني كما هي مسؤولية الدولة مسؤوليتنا ان نحافظ على نظافة شوارعنا وازقتنا واسواقنا ومحلاتنا والاماكن العامة نُحافظ على سلامة الانهر وبقية الاماكن الطبيعية..
خامساً: سلامة الاوطان والانفس والاعراض:
الان كثيراً ما يُسترخص الدم الحرام لأسباب تافهة وبسيطة جداً يُسفك دم انسان بريء علينا ان ننصح الاخرين ونعظهم من ان يسفكوا الدم الحرام، كثيراً ما نلاحظ عشيرة مع عشيرة تتقاتل لسبب تافه ويُسفك فيها الدم الحرام، انسان يأتي ويقتل انسان آخر بكل بساطة وسهولة يُسفك به الدم الحرام، انسان يقتل امرأة لسبب تافه او سبب غير مقبول شرعاً ولا عقلا ً وقانوناً..
علينا ان نحافظ على سلامة الانفس وعلينا ان نحافظ على سلامة الاموال..
وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع فقال مخاطباً المسلمين: أي يوم اعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم.
قال: فأي شهر اعظم حرمة؟ قالوا: هذا الشهر قال: فأي بلد اعظم حرمة؟
قالوا: هذا البلد، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): فإن دمائكم واموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا الى يوم تلقونه فيسألكم عن اعمالكم..
ثم ايضاً من الامور المهمة التي اودّ لفت النظر اليها:
(سلامة الاعراض)
اخواني العِرض في لسان الآيات القرانية والاحاديث الشريفة تعني الشخصية الاعتبارية للمؤمن وللانسان، كرامته ماء وجهه منزلته في المجتمع هذه لها حُرمة عظيمة.. لذلك ورد في بعض الاحاديث ان حقيقة الايمان انما تُعرف حينما اكون حريصاً على سلامة سمعة اخي واختي المؤمنة وحينما اكون حريصاً على حفظ كرامته وصيانة ماء وجهه وعلى حفظ منزلته الاجتماعية واحترامه امام الاخرين لا ان اعرّض هذه السمعة والوثّها واهتك ستره واسقطه اجتماعياً امام الاخرين فإن في ذلك حُرمة عظيمة.. لذلك في الحديث الوارد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا معشر من قد اسلم بلسانه ولم يفض الايمان الى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة اخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته).
لذلك على الانسان المؤمن ان يكون حذراً جداً كما انه كل انسان يحب ان تكون له منزلته وكرامته واحترامه ويُصان ماء وجهه عليه ان يحافظ على كرامة الاخرين..
ومن موارد السلامة المهمة والمصيرية صيانة الاوطان عما يعرضها للمخاطر الداخلية والخارجية واضعاف تماسك مواطنيها وادخالها في النزاعات والعداوات والفتن الداخلية الدينية والمذهبية والقومية او اضعاف سيادتها وموقعها او التفريط بحقوقها وحقها في التقدم والازدهار والرقي وغير ذلك..
وهنا لابد من التنبيه ايها الاخوة والاخوات على ان هذه السلامة بكل انواعها التي ذكرناها مسؤولية الفرد والمجتمع ومؤسسات الدولة في جميع مجالات الحفاظ على السلامة، ان موارد السلامة المذكورة بأجمعها ليست مسؤولية جهة دون جهة او مسؤولية المجتمع دون الفرد او الدولة دون المواطن او المواطن دون المؤسسات بل تعد مسؤولية الجميع ابتداءاً من عموم الافراد الى الاسرة الى المدرسة الى الجامعة ثم المؤسسات العامة ثم الدولة وضمن اطار مسؤوليتها الكبرى كراعٍ اول واكبر لعموم المجتمع- فتتحمل الدولة قسطاً وافراً من المسؤولية بما حُمّلت من هذه الامانة الكبيرة برعاية الافراد والمجتمع والوطن ويحمل الافراد والمؤسسات كل بحسبه قسطاً من المسؤولية بحسب ما متوفر لهم من امكانات وهذا يتطلب منا الاحساس العالي بالمسؤولية وتفعيل الشعور بها بالانطلاق نحو المسؤولية العملية والمهنية والاخلاقية بأدائها على افضل وجه، وحينما تكون هذه المسؤوليات مسؤولون عنها جميعاً ابتداءاً من الفرد الى الاسرة الى المجتمع الى الدولة التي عليها القسط الاكبر من المسؤولية حينما تكون هذه المسؤوليات مسؤولون عنها امام الله تعالى فإنها تأخذ تبعات ولوازم خطيرة وبالتالي ينبغي على الجميع التنبه لذلك وعدم الغفلة..
نسأل الله تعالى ان يوفقنا لما يحب ويرضى والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..
أقرأ ايضاً
- إيران تعلق على تعهدها بعدم اغتيال ترامب
- ترامب يوافق على خطة أمريكية لحل الأزمة في لبنان
- رئيس الوزراء يؤكد ضرورة الإسراع في إنجاز متطلبات إعادة هيكلة الجهاز الحكومي