- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حرب داعش: من التحرير الى التسفير
بقلم: مازن الزيدي
عندما اعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي نهاية ٢٠١٧ النصر على داعش بتحرير كافة الاراضي من سطوة التنظيم، حذرنا وقتها من الاحتفاء بالتحرير والتغاضي عن التطهير.
بعد ذلك بأسابيع عادت عمليات التعرض والاغتيال الى مناطق حمرين والحويجة وسامراء والشرقاط. وقتها كانت الجهات الرسمية تواجه الاصوات المحذرة من مخاطر تجاهل التطهير، متحدثة عن مجرد خروقات هنا وهناك لاترقى الى التهديد.
ولم يتوقف تهاون رئيس الحكومة، الذي انخرط سريعا باستثمار النصر العسكري، عند ذلك بل تعداه الى التساهل في عودة دواعش المناطق المحررة، ثم التساهل والتراخي امام المطالبات الداخلية والخارجية بعدم التضييق على عوائل داعش المحتجزة في معسكرات خاصة.
واذا ما اضفنا لكل ذلك انشغال الحكومة السابقة والحالية عن اعمار المناطق المحررة، وتطبيع اوضاعها من العسكرة، فإننا بتنا امام بيئة ومناخاً مناسباً لعودة اي نشاط ارهابي لداعش او غيره، رغم اني ممن يؤمن بوجود مناعة اجتماعية تحول دون استعادة هذه التنظيمات لحواضنها الاجتماعية.
لم يفرغ العراق من كل هذه التحديات، حتى وجد نفسه وجها لوجه امام تحدٍ جديد يتصل ببقاء داعش وتجذره في هذه الارض.
فبعد اكثر من عام ونصف من اعلان العبادي هزيمة داعش، ارتأت اميركا تصفية اخر جيوب داعش في الشرق السوري ايفاء لتعهد رئيسها بانهاء تواجدها، فتم اعلان هزيمة داعش خلال اسبوع واحد.
لكن المعطيات على الارض تقول ان النصر الامريكي في بلدة الباغوز، اخر عاصمة لتنظيم داعش، لم يكن نصرا بقدر كونه توريطا امريكيا للحلفاء الاوربيين والعراقيين.
فمنذ اسبوع تقريبا والحديث يدور عن معركة الامتار الاخيرة في الباغوز، التي ينتظر ان تخلى من "المدنيين العزّل" تمهيدا للاطباق على اخر فلول التنظيم.
وتشير التقديرات الى خروج ٥ الاف نازح من هذه البلدة، وتتوقع التقديرات ذاتها بقاء نفس هذا العدد داخل مساحة تقل عن كيلومتر مربع. وفي هذا السياق شاهدنا احدى "المدنيات النازحات" وهي تذكر خليفتها بكل اجلال، وتؤكد امتثالها لأمره بالنزوح بانتظار التحاق زوجها "المجاهد"!
اذن فالولايات المتحدة، التي منعت احدى الداعشيات الامريكيات من دخول اراضيها، حاولت توريط اوربا بدواعشها عبر تسفيرهم الى العراق. لكن الاخيرة وفي مقدمتها فرنسا رفضت ذلك، وهي تحاول بدورها توريط العراق بإبقائهم لديه مقابل اغراءات ووعود غامضة طرحها ماكرون لدى استقباله برهم صالح.
وخلال هذه الاسابيع التي اعقبت "عمليات التوريط" الامريكي، تشير الاحصاءات الى ان العراق استقبل حتى الان ما لايقل عن ١٢٠٠ داعشي، بينهم مع نساء واطفال، وبينهم ايضا ٤٠٠ مقاتل عراقي اعتقلتهم قوات قسد.
لكن رئيس مكتب العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الكردية عبد الكريم عمر نفى ان تكون قسد قد نقلت الدواعش الى العراق. واضاف "من حيث المبدأ؛ لا نسلم أي شخص يمرّ عبرنا إلى السلطات العراقية أو أي طرف آخر؛ إلا إذا كان هؤلاء الأشخاص مرّوا عن طريق فريق آخر"!!.
وهذا تصريح واضح في اشارة الى وجود طرف ثالث يدير "لعبة التوريط" في معركة الباغوز باتجاه طرف اضعف من اوربا المعارضة والرافضة لاستقبال نفاياتها الداعشية. ولاطرف اضعف حاليا سوى العراق الذي عليه استقبال الدواعش وايوائهم!
وما عدا الـ١٤ داعشياً من اصول فرنسية، الذين زُعم اعتقالهم على يد جهاز المخابرات داخل سوريا فيما تشير التسريبات الى تسليمهم من قبل الجانب الامريكي، فإنّ تكتماً واسعاً يتم اعتماده فيما يتعلق بوجود دواعش اجانب بين من تسلمهم العراق حتى الان، وممن سيتم تسلمهم لاحقاً.
وسواء كان الدواعش الذين تسلمهم العراق عراقيين او بينهم اجانب، فإن المخاوف الان تنصبّ على قضيتين غاية في الخطورة:
الاولى: مخاوف ان توفر المعتقلات العراقية الامنة حاضنة لكي يعيد داعش تنظيم صفوفه بما يذكّر بمعتقل بوكا الذي تخرج منه زعيم التنظيم ابو بكر البغدادي. فترهل الجهاز القضائي وتعقيدات قضايا الارهاب واكتظاظ السجون كلها عوامل لاتسمح بعزل هذا النوع من المعتقلين ومنع اختلاطهم بغيرهم. اضف الى ذلك فإن امتناع رئاسة الجمهورية الممنهج عن توقيع وامضاء احكام الاعدام اسهم كثيرا في اطالة تواجد هؤلاء في سجون السبعة نجوم، ومنحهم رهاناً على الوقت والصفقات السياسية.
الثانية: ان من تم تسليمهم من قسد او الامريكان الى الحكومة العراقية في غالب الظن لا اوليات واضحة تثبت التهم الموجهة لهم. وبالتالي فإذا كانوا عراقيين فإنه من السهل التلاعب بتكييف قضاياهم واخراجهم من السجون او منحهم احكاماً مخففة، وهو ما يعزّز المخاوف في النقطة الاولى.
اما لو كانوا مقاتلين اجانب، فأغلب الظن فانهم سيحكمون بتهم تجاوز الحدود للسبب ذاته، وسيجبر العراق لاحقا على اطلاق سراحهم شاء ام أبى.
بعد كنا نحذر من عمليات التحرير للمناطق التي تسيطر عليها داعش، حذرنا لاحقا من التغاضي عن عمليات التطهير، اليوم نحذر من التساهل مع عمليات التسفير التي قد تجربنا للعودة الى التحرير بعدما فرّطنا باستحقاقات التطهير!