- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
السيد محمد باقر السيستاني العالم العامل .. ذرية بعضها من بعض
بقلم: حسين فرحان
دخل ابن الجصّاص على ابن له قد مات ولده، فبكى! وقال: كفاك الله يا بنيّ محنة هاروت وماروت. فقيل له: وما هاروت وماروت ؟
فقال: لعن الله النسيان، إنما أردت يأجوج ومأجوج! فقيل له: وما يأجوج ومأجوج ؟ قال: فطالوت وجالوت! قيل له: لعلك تريد منكراً ونكيرا ؟ قال: والله ما أردت غيرهما.
هذه باختصار محنتنا مع قوم يجهلون ما يقولون وما يكتبون.. فهم بين متحير لايعلم موطأ قدمه وبين متخبط يسير في مسالك الشيطان التي لاهداية فيها ولا استقامة.
لم يكن نسيان ابن الجصاص لما انتقاه في تعزية ولده الا هلوسة خرف أو ذهول أو غفلة، وإن احتملنا وقوع القوم في واحدة منها فقد عدت كارثة كبرى فكيف بها إن اجتمعت معها عاهات أخرى كالحسد والجهل والحقد، أفتراهم يحتجون بالنسيان إن ذكروا بها ؟
لاعلم لنا بما سيجيبون به لكننا على يقين بأن الجواب عن دوافعهم ومقاصدهم سيكون تافها كما كان جواب ابن الجصاص.
كنا ذات يوم نشهد عيانا مساجلة فيسبوكية بين مجموعة تدعي الحداثة والتحرر والتحضر فتتشدق بمجد غير مجدها وصنائع قوم غير صنائعها، فطال بهم الكلام في ذكر المصطلحات الرنانة لثقافات الغرب، يتطاولون بها كما يتطاول أهل آخر الزمان بالبنيان في عملية استعراض لكمالات الانفتاح لديهم وقد برزت في سجالاتهم سمة التعالي على من لم يشاطرهم عقائدهم التي اعطوها عنوانا عريضا هو (الدين أفيون الشعوب) فاستغرقوا في استعراض نرجسيتهم وهم تحت النظر نمعن في ما سيصلون إليه من انتهاك لمقدسات أخرى، وبالفعل انبرى أحدهم فرمى بسهمه نحو المرجعية الدينية ساخرا ومدعيا عجزها أمام التطور العلمي ووقوفها عند مسائل الحلال والحرام والغسل والاستبراء والاستنجاء وعدم قدرتها على تجاوز هذه الحدود واصفا إياها بالعاجزة عن إدراك هذه المعارف، انهالت الاعجابات وتعليقات الثناء والاشادة بهذا العبقري - الذي أحسبه قد عجز عن غسل وجهه بشكل صحيح فضلا عن غسله لاشياء اخرى - فاتسعت دائرة التسقيط والتطاول والتجاوز فقد كان المحور هو أن الدين أفيون الشعوب ثم تفرع الى ألمرجعية الدينية وعدم مواكبتها للعلوم الحديثة والنظريات العلمية وكان المثال الذي جاؤوا به ليعضدوا به فريتهم تلك هو (نظرية التطور) التي خالفوها ببقائهم في دائرة البهيمية والقردية.
لم يطق أحد الاخوة صبرا فقد كان ينتظر - كما كنا - نهاية هذه المهزلة ليرسل لهم وهم في دوامة عربدتهم مجموعة من الروابط الالكترونية تتضمن عشر حلقات في نقد نظرية التطور لسماحة آية الله السيد محمد باقر السيستاني، كانت هذه الروابط بمثابة الحجر الذي القمه السيد لهذه الافواه التي لاتريد أن ترى أبعد من حدود تصوراتها وتخيلاتها، فهي أصوات طالما رددت شعارات الحداثة وادعت المدنية والتحضر وأظهرت عقدها النفسية لتصب بجام غضبها على الدين وأهله فلم تسلم منها المقدسات ولم تراعى لها في قواميسها حرمة وأنى يكون للحرمة قيمة في نفوس مريضة تخجل من انتمائها ودينها.
بالنتيجة - لننهي حكاية شاهدنا - توقفت التعليقات والاعجابات وهزم الجمع وولوا الدبر بعد أن صار واضحا أن لعلمائنا ورجال حوزتنا صولات وجولات في مناقشة جميع القضايا العلمية وكتابة التقارير والبحوث وإنشاء المجلدات وإلمامهم بكافة فنون العلم والأدب ولم يكن هذا الامر جديدا أو عارضا بل أن له امتداد تاريخي منشأه النبوة والامامة فمن أسس للنحو هو امير المؤمنين عليه السلام حين وضع قواعده لأبي الأسود الدؤلي (حيث حلّ ذلك الأمر عن طريق وضع تقسيم الكلمة إلى أبواب: " إنّ وأخواتها "، و "التعجّب "، و " الإمالة "، و " الإضافة "، و " الاستفهام "وغيرها من الأبواب الأخرى. وطلب بعد ذلك من أبي الأسود الدؤلي التصرّف قائلاً له " انحُ هذا النحو " ومنه جاءت تسمية هذاالعلم والفنّ اللغوي بالنّحو..).
وفي مجال الطب قد خصص الإمام الصادق (ع) في ما القاه المفضل بن عمر الجعفي فصلا من فصول كتاب طب الأئمة تحدث فيه عن الطبائع وفوائد الأدوية وتشريح الجسم ومعرفة وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا).
أما في الكيمياء فمن تلامذة الإمام الصادق (ع) الذين اشتهروا ببراعتهم في الكيمياء والعلوم الطبيعية جابر بن حيان الصوفي الطرطوسي، الذي دون وألف خمسمائة رسالة من تقريرات الإمام (ع) في علمي الكيمياء والطب في الف ورقة.
(وقد أكبر المؤلفون المسلمون منزلة جابر، وعدوه مفخرة من مفاخر الإسلام. ولا بد، فإن من تزيد مؤلفاته على ثلاثة آلاف كتاب ورسالة في مختلف العلوم، وجلها في العلوم النظرية والطبيعية التي تحتاج إلى زمن طويل في تجاربها وتطبيقاتها، لجدير بالتقدير والإكبار.)
وفي مجال الفلك ابو اسحاق ابراهيم بن حبيب الفزاري المتوفي عام (161هـ - 777 م)، وهو من اصحاب الإمامين الصادق وموسى بن جعفر (ع)، أول من عمل الإصطرلاب في الإسلام. وأول من ألف فيه. وله في ذلك (كتاب العمل بالاصطرلابات ذوات الحلق)، وكتاب (العمل بالاصرلاب المسطح).
والإصطرلاب لفظة يونانية مأخوذة من كلمة (الاصطرلابون)، ومعناه مرآة النجم (اصطر: النجم، لابون: مرآة). وقيل أنها لفظة فارسية أصلها (ستارة باب) أي كاشف النجم.
وهذا أحمد بن الحسن بن أبي الحسن الفلكي الطوسي، تخصص في علم الفلك حتى اشتهر به، ووضع كتاب (المنار) وكتاب (شرح التهذيب في الإمامة) وله في النجوم والفلك كتاب (ريحان المجالس وتحفة المؤانس)، وقد نقل عنه السيد ابن طاووس. وقال عنه في كتابه (فرج المهموم) إن الكتاب عندي، وفيه ذكر أحاديث الكواكب وأسرارها واختيارها.
وهذا محمد بن مسعود العياشي التميمي، وصفه ابن النديم بقوله: من فقهاء الشيعة الإمامية. أوحد أهل دهره وزمانه في غزارة العلم، له كتاب (النجوم والفأر) و (القيافة والزجر) و(كتاب الطب).
وهنالك شواهد أخرى كثيرة لايتسع المجال لذكرها حول العطاء العلمي للشيعة ومواكبته لسائر المعارف الأخرى وهو عطاء لايتوقف على عمر محدد أو درجة علمية محددة ومايميزه هو ذلك النضج المعرفي والاحاطة بجميع تفاصيله حتى كأن الباحث الذي كتبه قد تخصص فيه دون غيره وقد لوحظ ذلك - كمثال - في مؤلفات السيد الشهيد محمد باقر الصدر في كتبه فلسفتنا واقتصادنا والأسس المنطقية للاستقراء وفي تفسيره الموضوعي والفلسفة الاجتماعية في المدرسة القرآنية وكذلك في السنن التاريخية وكتاب المرسل والرسول والرسالة وغيرها حيث يلاحظ ذلك الالمام والاحاطة بهذه المعارف في ثقافته قدس سره.
ومن المناسب أيضا ذكر ما قدمه السيد محمد باقر السيستاني من كتب وبحوث تعطي ذلك الانطباع الرائع بثقافة الحوزة العلمية ودرايتها وخبرتها وتواصلها مع المعارف الاخرى فتراه (رعاه الله) مع مناقشته لنظرية التطور وتفكيك منظومتها قد اخرج لنا سلسلة بعنوان (منهج التثبت في الدين) وهي أربعة أجزاء الجزء الاول بعنوان حقيقة الدين في ١٥٠ صفحة، والثاني بعنوان اتجاه الدين في مناحي الحياة في ٨٠٧ صفحات، والثالث بعنوان ضرورة المعرفة الدينية في ١٣٢ صفحة، والرابع بعنوان القواعد الفطرية العامة للمعرفة الانسانية والدينية في ٤٤٧ صفحة.. بالاضافة الى مباني الاصول ومحاضرات في العقيدة وكتاب اصول تزكية النفس وغيرها.
مع ماتقدم من أمثلة تبقى بعض الاصوات تردد معزوفة (الدين أفيون الشعوب) وتعمل جاهدة على الابقاء على حالة الاعتراض الغبي الذي لايتحرى فيه صاحبه عن حقيقة من ينتقد وما ينتقد ليصطدم فيما بعد بجبال من الحقائق تجعله كأبن الجصاص لايعرف مايناسب الموت أهما منكر ونكير أم طالوت وجالوت.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً