- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مخاطر الحدود العراقية – السورية
بقلم: هشام الهاشمي
خلال الشهور الاخيرة الماضية، عملت القيادة المشتركة العراقية على تحصين حدود العراق مع سوريا تحصيناً شديداً. وهي تعمل على حفر خندق بطول 607 كيلومتراً، على طول الحدود العراقية-السورية، لتشكّل هذه الحواجز عارضاً من عوارض الطبيعية المعرقلة لتنقل المتسللين بالعجلات، وهذه مقاربة أمنية جديدة للحدود في مناطق عُرِفت تاريخياً بتمردها سكانها على القوانين السارية منذ عام 1921.
منذ تشرين الثاني/نوفمبر2017، بدأت القيادة المشتركة العراقية في غرب العراق بالنظر في شكل أساسي إلى حدودها بأنها تشكّل تحدّياً أمنياً وأنها الارض التي ينبغي تطهيرها من الشبكات الإرهابية وفلول داعش.
لقد أدّى احتلال داعش لهذه المناطق منذ اب/اغسطس 2014 ولغاية تشرين الثاني/نوفمبر 2017 إلى طفرة في انشاء شبكات وطرق وانفاق لتهريب السلاح وتجارة المخدرات في مختلف قرى المنطقة، وأفسح المجال أمام المعسكرات والمخازن والمصانع ان تنتشر في هذه المنطقة وهي 607 كم وبعمق عراقي بين 20-70 كم وبعمق سوري بين 30-90 كم، هذه المنطقة شجعت الجماعات التكفيرية المتطرفة كي تزدهر وتشنّ هجمات على العراق وسوريا.
وبدأ العالم يُنظَر إلى الحدود العراقية-السورية القابلة للاختراق بأنها سبب من أسباب ضعف التدابير الأمنية ومؤشر من مؤشرات عدم اكتمال النصر على تنظيم داعش، وكذلك مصدر لعدم الاستقرار للقرى والمدن المحررة المجاورة للحدود.
شهدت منظومة داعش انهيارات وتطورات في الشهور الأخيرة وخاصة في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان، وسيكون لها تداعيات على مسارها، وهجمات انتقامية، ومن أهم هذه التطورات قتال بتكتيك المقاتل الشبح والتمويل الذاتي والعودة الى استهداف القيادات المناطقية والتركيز على العمليات العشوائية في المناطق ذات الأغلبية الشيعية وتشجيع عمليات الذئاب المنفردة.
ونتيجة لنجاح أمنية داعش بالحفاظ على البغدادي حيا رغم الجهود الدولية الساعية للقضاء عليه، سوف يبقى هذا التنظيم يمتلك القدرة على بناء وترميم نفسه تدريجيا، في دورة تنظيمية متكررة؛ مفارز صغيرة تصنع نواة صلبة، ونواة صلبة تصنع أذرعا تنظيمية، وأذرع تصنع شبكات ارهابية وملفات تنظيمية متعددة الوظائف، بإرهاب السلاح وتجييش الحماسات الطائفية، وفي خدمة شعار احياء الخلافة "المزعومة"، تسعى تلك الجماعات الى التمهيد لأرض التمكين والى كسر الحدود وإلى تصدير نموذج داعش إلى دول العالم التي تضم مجتمعاتٍ إسلامية؛ بمعنى أن تنظيم داعش تحول إلى أنموذج لظاهرة إحياء الخلافة في المنطقة.
عمليات جهاز المخابرات العراقية ودوائر معلومات الداخلية، نجحوا الى حد كبير في فهم مقاربة داعش التنظيمية وتفكيك شيفرته في القيادة والإدارة والمنهج، من خلال تسليط الضوء على مجلس الشورى واللجنة المفوضة (الهيئة القيادية العليا في داعش)، واستكشاف بنيوتها القيادية والتشريعية والإدارية، وتحولاتها التأريخية والعقائدية والعسكرية والأمنية، واستشراف خياراتها المستقبلية، المحلية والإقليمية. ونأمل بأن يُسهم ذلك كله في فهم ظاهرة داعش والقضاء عليها فكريا ومعنويا وعسكريا، والوصول الى الخليفة المزعوم لقتله أو القبض عليه.
السؤال: هل تسليم مناطق الحدود المحررة إلى قوات الحدود يؤمن العراق من غدر وحدات داعش ومن معهم ؟ هل سيساهم هذا الاجراء في أن تصبح هذه المناطق ملاذاً آمناً لفرض القانون وعودة الحياة تحت جلباب العلم العراقي وتتفرغ قوات الحشد الشعبي لواجب قتالي آخر؟
الجواب: لا اظن ان قدرات قوات الحدود المحدودة قادرة على مسك هذه المساحات الواسعة لوحدها هي بحاجة الى قوات قتالية للمرابطة معها، والى معدات وتقنيات وطائرات مراقبة وكاميرات متطورة، وايضا تحويل طبيعة المعركة من حرب عسكرية شبه تقليدية إلى حرب الاستخبارات والتقنيات والعمليات الخاطفة غير التقليدية باستخدام التقنيات والوسائل الاستخبارية ووحدات الاستجابة السريعة من قوات الطوارئ والرد السريع وايضا نشر ثقافة ان "الأمن قرار اجتماعي".
سوف تساهم عمليات مسك الحدود في إضعاف وحدات ومعسكرات داعش وايقاف تمددهم، وظهورهم العلني، لكن داعش يمتلك جماعات ارهابية محلية تقاتل بطريقة تشبه الرمال المتحركة وسراب الصحراء، فهي تختفي سريعا وتوهم القوات الأمنية بأنها هربت، ثم تبدأ بعمليات إنهاك واستنزاف، وهذا ما حدث منذ عام 2010 ولغاية نهاية 2013.
هذه العمليات سوف تحاصر التنظيم ماليا وعسكريا ولوجستيا، وأيضا تعرقل هجوماته العسكرية التي تعتمد على مقاتلين كثر. وقوات حرس الحدود وحدها لا تستطيع مسك المناطق الصحراوية والحدودية، بل لابد من مساندة سلاح الجو وطيران الجيش وحشد العشائر.
كما أن مدن وقرى الحدود العراقية - السورية كانت عاصمة داعش السرية ومنذ تموز ٢٠١٤ حين أعلنت داعش عن دمج مدن (البوكمال والهجين والقائم) واستحداث عنوان جديد (ولاية الفرات) وفي شباط ٢٠١٥ أعلنت عن استحداث ولاية الجزيرة (سنجار وزمار وتلعفر وتل عبطة والحمدانية والقيروان والشمال والعياضية والبعاج).
هذه التقسيمات أوجدتها داعش كاستراتيجية مدن بديلة بعد الهزيمة وهي مدن غرب العراق وشرق سوريا، وهي مدن حدودية لم تهزم من قبل، تتواجد في بعضها الجماعات التكفيرية منذ ٢٠٠٣، وتتواجد فيها عصابات تهريب، وبعض مناطقها زراعية غنية بزراعة الحبوب والحنطة وحتى مخدرات القنب الهندي، وفيها ايضا اراض صحراوية شاسعة، وفيها شقوق ارضية كثيرة تصلح كمخازن عسكرية ولوجستية، وتصلح معسكرات تدريب.
هذه المدن هي متداخلة عشائريا مع مدن الحد السوري الشرقي، وبينها مشتركات تجارية واقتصادية كبيرة. ومعظم من قتل من قادة داعش البارزين تم استهدافه في هذه المنطقة، والعدناني أعلن "الخلافة" من على أرض هذه المنطقة، والبغدادي كل المؤشرات والتقارير تؤشر على تواجده في مدن هذه المنطقة.
هذه المنطقة بالامكان اعتبارها عاصمة داعش، يتواجد فيها القادة، وهي محمية عسكرية بالبؤر الصعبة من الجانب السوري دير الزُّور والبوكمال والهجين ومن الجانب العراقي القائم وصحراء القيروان وجزيرة الثرثار وبادية البعاج، وهي ممر لكل عمليات التنقل العسكرية والتجارية ومن أهم تلك الطرق:
طريق البعاج - الجزيرة
طريق الرطبة - الهبارية
طريق القائم - راوة
طريق الرقة - البوكمال
طريق الحضر- موصل
طريق الصگار - الدريشة
طريق الرقة - قرية طريفاوي
طريق عكاشات - القائم - البو كمال
تنظيم داعش في تلك المدن يعتمد على نوعين من العمل الأمني السري، الخلايا النائمة وهي للدعم اللوجستي، وعلى شبكة من الخلايا الناشطة الصغيرة غير المستقرة في مكان. وبالتالي فإذا كان تنظيم داعش في تلك المدن يمثل قضية أمن رئيسية فإن عسكرتها ليس له أي تأثير عليه.
ومما لا شك فيه أن العناصر الفاسدة في الوزارات الأمنية لديها مصالحها خاصة في عسكرة المدن وذلك للتغطية على ما يعرف بالعناصر الوهمية او الفضائية. فهي لديها مخاوفها الخاصة من خلال فتح ملفات النزاهة والكشف عن علاقاتها المتعددة بعقود الفساد والمقاولات والمنظمات الفاسدة.
وأعتقد أن وزارة الداخلية بحاجة إلى وضع أولوية لتطوير أجهزة وتقنيات الأستخبارات وحرس الحدود. وحيث تعاني الوزارات الأمنية في العراق من مشكلة أنها " لا ترى سوى المشكلات التي تستطيع حلها" مع وجود العديد من المشاكل الداخلية التي تعيق تلك الحلول.
وبالتالي فإننا بحاجة إلى تبني منح دوائر الاستخبارات والمعلومات والدوائر الأخرى بعض الاهتمام وقدرا من التمويل والتطوير والتدريب. عند ذاك سوف نقوم بالأمر على أحسن وجه.
ولقد أصبح لدينا الآن العديد من الأدلة التي تؤكد أنه لم يعد من الممكن أن نتوقع الكثير من السيطرات المنتشرة داخل المدن.
ومن المبادئ الأساسية لحرب مكافحة الإرهاب هو أنك بحاجة إلى مصادر المعلومات المباشرة وغير المباشرة لمساعدة الأمن على النجاح. ويجب على الدولة التي تحارب الإرهاب أن تكون قادرة على بناء مؤسسات معلوماتية فعالة.
القوات المشتركة وبنصيحة من قبل مستشاري التحالف الدولي؛ حرصت على عدم استنزاف القدرات الهجومية لقوات جهاز مكافحة الارهاب وقوات الرد السريع؛ لأنها قوات نخبة عالية التدريب وهي مخصصة لعمليات صدمة العدو وليس لعمليات مواجهة مباشرة او طويلة الأمد وهي غير مدربة على مسك الأرض بعد تحريرها.
وعند مقارنة القدرات العسكرية للقوات العراقية من الأصناف الأخرى مع قدرات داعش القتالية نكتشف عدم وجود تفوق عسكري ملموس لأي من طرفي الحرب في كل المعارك.
القدرات العسكرية العراقية التقليدية لا تستطيع لوحدها أن تجعل العراق خلال عام 2019 خاليا من داعش لكنها سوف تنجز القدر الأكبر من المهمة.
العبرة ليست بالتفوق في القدرات العسكرية وحدها بل بمن يديرها في ميدان المعركة. وأهم الأولويات العسكرية حالياً تحقيق تمكين الاستقرار والأمن الوطني وتأمين النصر بعد التحرير وتعزيز القدرات العسكرية المناسبة لحرب المدن والشوارع وتلبية متطلبات المقاتلين الفعليين وخلافة الشهداء وذويهم بخير.
المتابع يجد أن النصر على داعش يحتاج لجهد استخبارتي ويكون بتتبع نقاط القوة والضعف في كل مناطق تواجدهم..
ورغم تقويض القدرات العسكرية الداعشية بنسبة تزيد عن %98 بحسب تقارير التحالف الدولي، الا ان القدرات الداعشية المتبقية لا تزال تشكل خطورة حقيقية على عمليات القوات العراقية في منطقة جنوب نينوى وغرب صلاح الدين وشمال ديالى وشمال غرب الانبار.
أقرأ ايضاً
- مخاطر سهولة النشر ومجانية التواصل
- اهمية ربط خطوط سكك الحديد العراقية مع دول المنطقة
- حماية الاموال العراقية قبل الانهيار