بقلم: مازن الزيدي
يمر على التوغل التركي داخل الاراضي العراقية اكثر من عامين، نجحت فيها انقرة بسدّ اذانها عن كلّ الاعتراضات العراقية جراء هذا الانتهاك السافر للسيادة.
وكشف التوغل التركي وتمركز قطعاته العسكرية قرب مدينة بعشيقة قبيل انطلاق عمليات تحرير الموصل، حجم الانتشار العسكري في اكثر من ٢٠ موقعا عسكرياً وامنياً داخل الاراضي العراقية.
وردا على مواقف العراق المستنكرة والمندّدة، فقد ساق الاتراك عدة حجج لذلك، منها تدريب قوات يقودها محافظ نينوى السابق، او حماية التركمان في تلعفر.
كما تحججت انقرة مرة بالتنسيق مع بارزاني واقليم كردستان، ومرة احتجّت باتفاقية موقعة مع نظام صدام تسمح للطرفين بالتوغل لملاحقة معارضي البلدين.
لكن كل الحجج والذرائع لم تصمد لتفسير توغل قوة عسكرية لمسافة ١٠٠كم وإنشائها ثكنة عسكرية شمال الموصل.
فلا اربيل اكدت طلبها دخول هذه القوة، رغم غضها الطرف عن ذلك وقتها، ولا التركمان قدموا ما يثبت صحة حجة تركيا.
وحتى قوة ما يسمى بـ"حشد النجيفي" كانت مجرد ذريعة، لان القوة التركية ما زالت تتواجد في موقعها حتى بعد مرور اكثر من عام ونصف على تحرير الموصل وتلعفر.
لقد كشفت حادثة بلدة شلاديزي حجم المخاطر الذي يتعرض له هذا العدد من القواعد والثكنات التركية المنتشرة في المحافظات الشمالية.
وهي بالمناسبة نفس المخاطر التي تهدد القواعد الامريكية التي تتواجد في اطراف بغداد والانبار وكركوك والقيارة والموصل.
فمن دون وجود غطاء قانوني يشرعن هذا التواجد الاجنبي بالاتفاق مع الدولة العراقية، فإنه يوجه ضربة مدمرة لشرعية الدولة، وتفتح الباب واسعاً لأي جهة او مجموعة لاستهداف هذه القوات، كما حصل في دهوك مؤخراً.
وسواء صحّت رواية الناشطين والصحفيين التي تحدثت عن غضب شعبي على القصف التركي على القرى والبلدات الآمنة، او صدقت رواية اربيل وانقرة اللتين تحدثتا عن وجود مخربين او ايادي لحزب العمال الكردستاني في الهجوم، فإنّ الحادثة تؤكد الانكشاف السياسي والعسكري الذي تواجهه هذه القوات.
طيلة العقود الثلاثة الماضية استغلّت تركيا ضعف وعزلة العراق لتعزيز تواجدها العسكري داخل اراضٍ عراقية حتى وان كانت خارجة عن سيطرة الدولة العراقية بحكم خصوصيتها السياسية والقومية.
لم تقتصر السياسة التركية ازاء العراق على الجانب العسكري، بل تعداه الى تهديد امنه المائي عبر سلسلة سدود الكاپ التي انشأت على نهري دجلة والفرات وحجبت اكثر من ٦٠٪ من اطلاقاتهما، من دون الالتزام بالمواثيق والاتفاقات الدولية.
دقّت حادثة شلاديزي ناقوس الخطر للاتراك بضرورة مراجعة سياساتهم ازاء العراق سواء على مستوى التنسيق الامني بما يخص تهديدات (بي كه كه) وداعش في سوريا، او على مستوى الامن المائي والتبادل التجاري بين الجانبين.
اليوم اكثر من اي وقت اخر، يتوضح تطابق المصالح الستراتيجية بين بغداد وانقرة لاسيما مع الانسحاب الامريكي من سوريا، والتهديد العسكري الذي يشكله الناتو السعودي/ الاسرائيلي الذي تدفع واشنطن لتشكيله بالضد من مصالح العراق وسوريا وتركيا وايران.
وبالتالي فإن التطورات الاخيرة التي شهدتها المنطقة خلال الاشهر الاخيرة تحتم على تركيا تصحيح علاقتها مع العراق كدولة والابتعاد عن مدّ الخيوط مع احزاب او جهات اخرى.
ومع عودة الحديث عن اتفاقية اضنة التي ابرمتها انقرة ودمشق عام ١٩٩٨ لتطبيع العلاقة بين النظامين، فإن الوقت بات مناسباً لوضع الاتفاقية العراقية - التركية على الطاولة لاعادة الترتيبات الامنية بتنسيق مباشر وعلى ضوء التحديات المشتركة التي تواجه البلدين هذه الايام.
فمن دون تنسيق عراقي - تركي لاسيما لادارة اوضاع الشرق السوري بعد الانسحاب الامريكي، وادارة التهديد الامني في المثلث الحدودي، لا يمكن لانقرة ان تشعر بالطمأنينة على حدودها.
ومن دون التنسيق التركي - العراقي - الايراني لا يمكن لاردوغان الافلات من ضغوطات ترامب الاخيرة التي بلغت ذروتها بتهديده بتمزيق الاقتصاد التركي.
ومن دون ترتيب اولويات التعاون والشراكة بين هذا المثلث المحوري، لا يمكن لاردوغان مواجهة الحلف السعودي - الاماراتي الذي يعلن الحرب على تركيا وحلفائها في المنطقة.
هناك ارضية مناسبة جدا لتكامل تركي - عراقي يؤسس لاستقرار المنطقة ويدفع عنها مخاطر التقسيم والحروب الى الأبد، انطلاقاً من مصالح متينة وعلاقات وثيقة يندر وجودها في منطقة اخرى.
أقرأ ايضاً
- تركيا تحاور بغداد على احتلالها القادم
- هل تسمح تركيا وإسرائيل للأقليم بتسليم نفطه إلى بغداد ؟
- دور كردستان في خسارة ايران المستقبلية لسوق الغاز التركي