امرأة عراقية تحدت الواقع وتحملت أعباء نفسية وضغوطات اجتماعية كبيرة في ظل تبعات الحروب والازمات الاقتصادية التي مرت بالبلد وحملتها أعباءً إضافية أثقلت كاهلها لكنها أثبتت عن جدارة قدرتها على مؤازرة أسرتها ومواجهة كل الصعوبات.
عند دخولك للشارع الرئيسي في منطقة حي النقيب وسط كربلاء تتفاجئ بوجود مخبز عند اول الشارع لا تجد به سوى انابيب الغاز واكياس الطحين و(تنور) وسيدة اربعينية تعمل بكل فخر في مخبزها الصغير.
ام مريم كسرت القيود التي وضعها المجتمع وبدأت قصة كفاح لإعالة بنتيها بعد ان فارق ابويهما الحياة ولصغر مساحة الشقة التي تسكنها استأجرت محل من القرب من دارها وبدأت تمارس عملها بحب واخلاص.
اكملت دراستها وتخرجت من معهد صناعة / فرع كهرباء لتحصل على شهادة الدبلوم وعملت سبعة أشهر في اعداد البرامج الاذاعية في احدى الاذاعات المحلية ثم تزوجت وانتقل سكنها الى كربلاء وبعد وفاة زوجها وجدت نفسها تواجه حياة قاسية في بلد تناسى فيه قادته امثالها.
عملت (خبازة) واختارت محلها بقرب شقتها حتى لا تبتعد عن بنتيها بعد ان انهكتها مبالغ الايجار ومتطلبات العيش لتعتمد على نفسها لتربية أطفالها وتحمل نفقاتهم المعيشية بعد أن اصبحت المعيل الوحيد لأسرتها بعد مفارقة زوجها الحياة.
تقول ام مريم لم انجوا من الانتقادات بسبب عملي كامرأة في وسط مجتمع تسيطر عليه العادات والتقاليد قبل سلطة الدين التي تمنح للمرأة العمل لضمان العيش بكرامة واحترام ذاتها مساوية للرجل مع التقييد بالضوابط والتعليمات الاسلامية.
فما بين مصرف ايجار شقتها ومصرف بنتها في المرحلة المنتهية للدراسة الاعدادية والثانية في المرحلة الابتدائية الاولى تواجه مصاعب الحياة بمفردها وتضطر للعمل لتأمين ايجار المسكن المتواضع إضافة الى متطلبات بنتيها المعيشية والدراسية.
تتابع أم مريم أن المرأة العراقية تحملت تبعات هذه الوضع فأصبحت مجبرة على البحث عن لقمة تمكنها وعائلتها من استمرار الحياة ومواجهة غلاء العيش وتحولت إلى شريك حقيقي للرجل في معظم الأمور الحياتية.
كلفها هذا المشروع الصغير ما يقارب خمسمائة ألف دينار وبعد حوالي ثلاثة أشهر تقول ام مريم إني فخورة بما عملت وفي نيتي ان أكبر مشروعي وادعو كل النساء على مواجهة الحياة بقوة واصرار.
مهارة أم مريم في الخبز وصدقها وأمانتها في تعاملاتها أكسبها شهرة واسعة في المنطقة التي تسكنها واستطاعت أن تكسب ثقة الجميع فشعارها دوما الصدق رأس المال، تخبز حوالي 400 رغيف يوميا وتقدم الخبز لعوائل شهداء الحشد الشعبي مجانا قائلة "من ضحى بنفسه لاجلي ولأجل بلده يستحق منا كل شيء".
من جانبه أشاد مختار منطقة حي النقيب التي تسكنها وتعمل بها (جواد عوينات) بهذا المشروع واعتبره مثال من امثلة الصبر والشرف ان تضحي امرأة وتعمل بعز وشرف لضمان حياة كريمة، أفضل من بعض الرجال الذي يفترشون الأرصفة ويعيشون على الاستعطاء ولا يملكون الكرامة، وعلى الرغم من بعض انتقادات نساء المنطقة لا ام مريم بحبها لعملها واصرارها تغلبت وحققت هذا النجاح.
أثبتت أم مريم بجدارة قدرة الأم العراقية على لم شمل الأسرة وإعالتها رغم المتاعب الكبيرة التي واجهتها كأنثى أولاً وكأم ثانياً فضلاً عن الصعوبات التي تتحملها مع بنتيها ومتطلباتهم , تستحق أن تدون قصتها بماء الذهب كيف لا وهي ناضلت وسهرت الليالي لتؤمن حياة كريمة لأطفالها لتعوضهم عن فقدان الأب.
قصة أم مريم واحدة من آلاف القصص لنساء عراقيات يعشن في ظروف مماثلة في ظل اهمال حكومي وفساد اداري أنهك اغلب مؤسسات الدولة ودمرت البلاد وعطلت الخدمات الأساسية وقتلت اماني الشعب وانهت أحلام الغد المشرق.
أسامة الخفاجي
أقرأ ايضاً
- (122) شهيد وجريح في قصف واحد.. سيدة لبنانية تروي قصة استشهاد شقيقتها و(5) ومن افراد عائلتها
- مسؤول نفطي في كربلاء: موافقة مبدئية على مد انبوب تجهيز بنزين الطائرات من مصفى كربلاء الى مطارها الدولي بطول (5) كم
- هل يلغي العراق "امتيازات" الأردن؟