بقلم: مازن الزيدي
تعود طبول الحرب لتقرع مرة اخرى في الشرق الاوسط في مؤشر لولادة حرب جديدة من رحم الحروب المتواصلة منذ عقود.
فبعد حربين مدمرتين وعبثيتين شهدتهما منطقة الخليج، انخرطت المنطقة في ربيع داعشي اشعل حرباً تهدف لاقتتال شعوب عاشت جنباً الى جنب لمئات القرون، تمهيدا لتقسيمها وتفتيتها على اسس دينية وطائفية وعرقية ضمن مخطط لاعادة تشكيل المنطقة بما يخدم اسرائيل، الدولة الدينية الوحيدة المزروعة في قلب منطقة معروفة بتنوعها وغناها الفسيفسائي الفريد.
مثلت حقبة داعش، مرحلة هي الاقسى في تاريخ المنطقة، لجهة كونها حرباً غير تقليدية استهدفت بشكل مباشر تقويض المركزيات الحضارية في بلاد الرافدين وبلاد الشام وشمال افريقيا. وحظيت هذه الحرب الارهابية العالمية بدعم امريكي ورعاية خليجية، استخدمت فيها داعش كأداة لتحقيق هذه الستراتيجية التي بدأت بوادرها بالحرب على العراق مدخلاً لها وبداية مغرية لمخططيها.
لقد كان العراق منذ ٢٠٠٣ بيئة خصبة لهذه الحرب الطاحنة المفروضة على شعبه، لكنها فشلت بتقسيمه سواء بواسطة داعش عام ٢٠١٤، او بواسطة مشاريع التقسيم التي لقيت للمفارقة دعماً واضحاً وصارخا من قبل اسرائيل. فقد تمت هزيمة داعش وتم اجهاض مشروع التقسيم، الامر الذي افضى الى تقوية الدولة العراقية بشكل وبآخر، خلافا لمخططي الفوضى الخلاقة بنسخها المتعددة. وما ساعد على فشل مشروع تفكيك الدولة وتقسيمها، انفراط التوازنات الاقليمية التي كانت تمثل محركاً شرساً وفعالاً لهذا المشروع، الى جانب تماسك اغلب المكونات العراقية في مواجهة هذه التحديات الارهابية، وعودة ثقتها وايمانها بان تقوية الدولة اهم ضمانة للحصول على الحقوق والاعتراف.
اليوم يجد العراق نفسه حكومة وشعبا وسط حرب جديدة تشعل نارها اسرائيل والسعودية وينفخ بنارها ترامب بضغوطاته معروفة الدوافع والخلفيات. فمنذ وصول ترامب الى البيت الابيض والضغوط تزداد يوما بعد اخر على العراق لكي يصفّر جميع علاقاته السياسية والاقتصادية مع ايران في اطار الحصار والعقوبات التي تبناها الرئيس الامريكي على طهران بعد اعلانه الانسحاب الاحادي الجانب من الاتفاقية النووية.
ولا يكتفي ترامب بضغوطه واستعراض قوته انطلاقاً من قاعدة عين الاسد، بل يلوّح بهراوته المعهودة بوجه كل من يريد ابعاد البلد والمنطقة عن شبح الحرب. فالتهديدات الامريكية باتت واضحة وتطال كل من يطالب باخراج الالاف من الجنود الامريكان ورفض منحهم قواعد دائمة او شبه دائمة لاتخضع لسيادة العراق واشراف حكومته وبرلمانه، وتستهدف دول الجوار خلافاً لنصّ الدستور الذي يحظر ان تكون الاراضي العراقية ممراً او منطلقا لتهديد اي دولة جارة.
بالتزامن مع ذلك يعطي ترامب وادارته الصقورية الضوء الاخضر لاسرائيل لانتهاك جوائنا خلال الاعوام الماضية، كما كشف عن ذلك كؤخراً، ويرجح ان يغضّ الطرف عن تنفيذ الطيران الاسرائيلي لاي ضربات داخل اراضينا كما هو الحال مع سوريا؛ فالذريعة ستكون جاهزة وهي استهداف النفوذ الايراني او مقرات لفيلق القدس. ولن يجرؤ احد على الاعتراض او الاستنكار.
في الحقيقة وخلافاً لما تضخه ماكنات البروباغندا الاسرائيلية والسعودية، فإن العراق لايصطف مع اي جهة بقدر سعيه عدم منح مؤججي الحروب منطلقا ومعبرا لحربهم القادمة. وبسبب هذه الممانعة الحقّة، فأن لوبيات امريكية وحتى عربية تحاول شيطنة النظام العراقي وتسعى لدفع العراق دفعاً الى المعسكر الايراني الذي تتفق مصلحته مع الموقف العراقي الرافض لتواجد قوات او قواعد امريكية على اراضيه تستهدف طهران او دمشق.
فكل ما يريده العراق ان لاتشتعل نيران الحرب مرة اخرى ولايعود ابناؤه لوضع خوذهم فوق رؤوسهم مرة اخرى، لانه سيكون وسطها وفي صميمها بحكم موقعه الجغرافي وعلاقاته الاقليمية. ولكن العراق لن يتخذ موقف المتفرج فيما لو قررت بعض الاطراف، اسرائيل والسعودية تحديداً، تحويله مسرحاً لحرب عبثية اخرى، لان نتائجها ستكون كارثية على اكثر من جهة.
من هنا فإن دبلوماسيتنا تتحمل مسؤولية تاريخية في توضيح موقف العراق بعيداً عن اي مجاملات او ارتهان. فمنع اندلاع حرب جديدة في المنطقة يطالنا شررها بشكل مباشر، اضحى مسؤولية اخلاقية قبل اي شيء اخر.
أقرأ ايضاً
- لماذا ترتفع درجات الحرارة في العراق؟
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- لماذا أتذكر الجعفري؟!