- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
النصر السيستاني في ذكراه الأولى
قراءة في كلمة المرجعية العليا بيوم النصر على داعش في 15/12/2017م.
بقلم: نجاح بيعي ـ الجزء الأول
إعتادت أمم الأرض وشعوبها أن تحتفي بانتصاراتها على أعدائها عبر التاريخ. ولكن النصر على عصابات تنظيم (داعش) له طعم خاص لدى الشعب العراقي دون غيره من الشعوب. فالنصر هنا لا يشبهه نصر على وجه البسيطة. فالعدو (داعش) وبشهادة (الدوائر العالمية الكبرى ومختبراتها) هو أقوى وأشرس وأعتى وأخس وأنذل وأظلم عدو عرفته البشرية في العصر الحديث , وباتوا على قناعة بأن شعوب (المنطقة) وأنظمتها السياسية عامة والعراقيين خاصة لا قِبَل لهم بهذا العدو البتة , وأنّ هذا العدو سيكتسح الجميع كالسيل الجارف ويحرق الأخضر واليابس دون أن يرق له قلب أو يطرُف له جفن.
وإذا بالشعب العراقي الذي راهنوا عليه بإنه شعب (يحتضر) بسبب ثقل أزماته المُتعددة , يقلب المُعادلة ويثب واقفا ً كبطل أسطوري بوجه الهجمة الظلامية الشرسة , رغم كل جراحاته وآلامه ويُبهر الجميع بوثبته تلك ويصرع الموت ليفوز بالحياة الحرة الكريمة , في زمن لم يعُد هناك شعب يُسجل مثل هكذا نصر , على يد هكذا شعب , وعلى مثل هكذا عدوّ إطلاقا ً.
والحق.. لم يكن ذلك النصر ليُكتب لولا "فتوى الدفاع المُقدسة" التي أطلقها المرجع الأعلى السيد "السيستاني" دام ظله. فكان نصرا ً تاريخيا ًوـ وطنيا ً وإقليميا ً ودوليا ً بحق. ولهذا فمن الطبيعي أن تصبح (المرجعية العليا) و(الفتوى) و(النصر) معا ً هدفا ً وغرضا ً لسهام كل مَن تضررت مصالحهه وأفشل مشروعه ومُخططه من المنهزمين والفاسدين والطائفيين.
لذا نرى ونلمس كثرة وتنوع الأساليب والطرق التي وظفت محليا ً وإقليميا ً ودوليا ً للنيل من (الفتوى) والإلتفاف عليها وتشويهها وإفراغها من محتواها ـ الديني والوطني ـ ومن ثمّ مصادرة النصر المُحقق جرائها منذ أن انطلقت في 13/6/2014م وحتى إعلان (النصر) رسميا ً(من قبل الحكومة)على داعش في 10/12/2017م. وبالمقابل أيضا ً نرى ونلمس مواقف المرجعية العليا , عبر أساليب وطرق متنوعة ومنها منبر جمعة كربلاء كيف إنبرت لتصحح المسارات وترد على أوهام وتوهم مَن يدّعي (البطولة والتحشيد والنصر) على العدو وتدفع الشبهات عنها. وتُثبّت بنفس الوقت أموراً مهمة مثل دور (المرجعية العليا) في المجتمع وبيان مقامها الديني السامي , ودور الفتوى المُقدسة الفاعل , وأحقيّة من لبّى وقاتل وضحّى وانتصر في معركته المقدسة ضد داعش , وتثبّت (النصر) المشفوع بالفتوى.
فالجميع يتذكر موقف المرجعية العليا المبدئي والمُعلن في خطبة الجمعة التي تلت جمعة إعلان الفتوى وهي ترد مُنتقدة الإجراء الحكومي ـ الطائفي آنذاك والمتمثل بإصدار الأمر الديواني رقم (47) في 18/6/2014م والقاضي بتشكيل لجنة لتنظيم شؤون المتطوعين للقتال سميت بـ(لجنة الحشد الوطني) وضمت بالحقيقة جميع الفصائل المسلحة الغير قانونية والتابعة للأحزاب السياسية (الشيعية) حصرا ً بما في ذلك التي الفصائل المسلحة التي تم تشكيلها بعد غزو داعش للعراق وقالت بالحرف الواحد: (إنّ دعوة المرجعية الدينية إنّما كانت للإنخراط في القوات الأمنية الرسمية وليس لتشكيل مليشيات مسلّحة خارج إطار القانون!). مُسجلة للتاريخ وللملأ أول عملية إلتفاف (سياسي ـ حكومي ـ طائفي) على الفتوى المُقدسة , وأول حرف لمسارها الوطني من خلال استغلال مؤسسات الدولة والمناصب الحكومية في ذلك , مُصححة لتوهم أن المرجعية العليا (تؤيد أيّ تنظيم مسلح غير مرخّص به بموجب القانون).
كما الجميع يتذكر أيضا ً موقف المرجعية العليا المبدئي والمُعلن في كلمتها بيوم (النصر) عبر خطبة جمعة 15/12/2017م وهي تردّ وتُفند تلك الأوهام المركبة والمتراكمة عبر سنيّ القتال مع داعش , والتي تضمنها خطاب رئيس مجلس الوزارء والقائد العام للقوات المسلحة (العبادي) في 10/12/2017م أي بعد (5) خمسة أيام فقط , من إدّعاءات (البطولة والتحشيد والنصر) سواء عند زعامات الطبقة السياسية المتصدية أوعند مَن غُرر بهم. وكان خطاب (العبادي) لمن أمعن النظر في فقراته يراه صِيغ بشكل قهري لأرضاء توجهات داخلية وخارجية لهذه الجهة أو تلك , وكأنه يوزع عناوين ومغانم وأسلاب بعد المعركة. والجميع يعلم بأن تلك المغانم والعناوين المُتداولة بين قلوبهم المُتذبذبة هي لا لهذه الجهة ولا لتلك (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء..) ولا أرى (العبادي) هنا إلا كمن فقد بوصلته وضل الطريق (.. ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) والهدف من وراء ذلك كله هو المكاسب الضيقة والنيل من دور المرجعية العليا الفاعل وتحجيمه , والنيل من محورية فتوى الدفاع ضد داعش ولمُصادرة الدماء والنصر في آن معا ً.
ـ ماذا قال (العبادي) في خطابه يوم 10/12/2017م ؟.
ـ وماذا ردّت المرجعية العليا وثبّتت بكلمتها بيوم النصر في 15/12/2017م ؟.
بالرجوع الى خطاب (العبادي) يوم 10/12/2017م نجده يُشير الى عدّة أمور منها على سبيل المثال لا الحصر:
1ـ مُصادرة دور (الشعب) بإتباع إسلوب خطابي جعله مُنعزل ومنفصل عن قضية قتال داعش وتحرير الأرص بالمرّة:(أيها العراقيون الشرفاء أن أرضكم قد تحررت بالكامل). وهذا الأسلوب كان مُقدمة للأمر الثاني الخطير وهو نسبة (النصر) والإنجاز له (إن لم يكن ـ لهم) كطبقة سياسية حاكمة وليس للشعب وتمثل بقوله:
2ـ (لقد أنجزنا المهمة الصعبة) و(إنتصرنا بعون الله وبصمود شعبنا وبسالة قواتنا البطلة..) وهذا أفضى إلى ما هو أخطر هو تحجيم وحرف دور المرجعية العليا والفتوى معا ً وجعل مهمتهما تنتهي عند منتصف طريق الحرب على داعش ونجد ذلك في:
3ـ (تلك الفتوى التي استجابت لها الجموع المؤمنة شيبا ً وشبابا ً في أكبر حملة تطوعية ساندت قواتنا البطلة المسلحة , وتحولت بعدها الحرب ضد الإرهاب الى معركة وطنية وطنية شاملة قلّ نظيرها وتشكل على أساسها الحشد الشعبي..)! ويمكننا أن نستقرء من هذه الفقرة ما يلي:
أ ـ إتهام مُبطن بطائفية الفتوى منذ أن انطلقت. وأن معارك قواتنا المسلحة وبمعيّة مُتطوعي الفتوى وقتالهم (داعش) لم يكن وطنيا ً ولا شاملا ً البتة ,لحين ما وتحولت الحرب ضد الإرهاب وعند منتصف الطريق وصارت معركة وطنية وطنية شاملة.
ب ـ أن (المُتطوعين) أوالحشد الشعبي لم يكن ولا (كان) ولا هو (كائن) منذ انطلاق الفتوى في 13/6/2014م على فرض وجود قوات مسلحة عراقية بكامل الجهوزية آنذاك.إلا اللهم كان يقصد حشد آخر لعله الذي برز رسميا ً من خلال قانون الحشد في 26/12/2016م فيكون لدينا حشدان وليس واحد.
ج ـ ولعمري كيف يستقيم معنى تطوع (الجموع المؤمنة) من مكونات الشعب منذ البداية , مع صيرورة الحرب ضد الارهاب الى معركة وطنية عند منتصف الطريق , إن لم يكن قد وقع بالتناقض أو التخبط.
4ـ القطع بأن النصر نهائي وأن (حلم داعش انتهى)!
فما كان من المرجعية العليا إلا أن تقلب طاولة الأوهام والتوهمات والتقديرات الخاطئة , وما يُماثلها بأذهان الطبقة السياسية الحاكمة المريضة ومن يقف ورائها رأسا ً على عقب. وتُصحح المعادلة الشوهاء ولا تخشى في الله لومة لائم أبدا ً. فكانت الفقرة الأولى التي استهل بها خطاب النصر يوم 15/12/2017م خيردليل على أن (كلمة) المرجعية العليا هي بمثابة رد على الخطاب الحكومي حيث قالت: (قبل أيام أعلن رسمياً عن تحرير آخر جزء من الأراضي العراقية من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي وبهذه المناسبة نلقي على مسامعكم هذه الكلمة..).
ـ يتبع..