تحتضن مدينة كربلاء عدة مواقع أثرية وسياحية يعود تاريخها إلى سنين موغلة في القِدَم، حيث يفد إليها العديد من الزوار والسياح، فأينما ذكرت أسماء أهل البيت عليهم السلام أو وجدت مكان فيه إثرهم المقدس حلت البركة الإلهية فيها، واتخذها الناس مكانا يزدلفون إليه حتى تصبح أماكن لذكر الله ومصدر شفاعة لطلب حوائجهم ..
ومنطقة باب السلالمة من مناطق كربلاء القديمة التي تتميز دون مناطق كربلاء بوفرة المعالم المقدسة فيها والتي لا زال أبرزها شاخصة لهذا اليوم ومنها مقام الإمام المهدي المنتظر ومقام الإمام الحسين (عليه السلام)، كذلك مقامي علي الأكبر وأخيه عبد الله الرضيع (سلام الله عليهما) وقد مرت هذه المقامات بعمارات تباينت بالاهتمام وعدمه، لذا ومن خلال هذه المقامات أشارة قوية على إن واقعة الطف جرت بأهم أحداثها على أعتاب هذه المنطقة، وبتوالي السنين والحكومات تكونت محلة باب السلالمة مع المحلات الستة الأخرى والتي تعتبر من الإرث الحضاري لمدينة كربلاء..
[img]pictures/2010/09_10/more1284629819_1.jpg[/img][br]
باب السلالمة محلةٌ تقع الى جنوبها العتبة الحسينية المقدسة وتحدها مناطق قديمة شانهن شأنها فهي غرب منطقة أخرى تعرف بمحلة باب الطاق وتقع الى الجهة الشرقية منها محلة ثانية تسمى باب بغداد وتحدها من الشمال منطقة الجعفريات المسماة اليوم بمنطقة الهيابي والى محيطها الشمالي الغربي تمتد البساتين التي باتت اليوم في تحول الى أراضٍ سكنية تفتقر لكثير من الخدمات السكنية، أما لما سميت بمحلة باب السلالمة فــنسبة الى عشيرة السلاميين الذين هم أول من قطنوا هذه المنطقة قبل 350 عاما على وجه التحديد.. (والجدير بالذكر إن المحلة أو الطرف تعني الحي الصغير الواقع في مركز المدينة القديمة ويحتوي على سوق خاص ومستوصف مع باقي الخدمات الأخرى كما توجد عند بلاد الشام ومصر بمسمى الحارة)..
يذكر لنا أحد سكنتْ هذه المنطقة الحاج جدوع حمد أبو عباس (81) عاما :\" إن مقام الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، من أهم المعالم لمحلة باب السلالمة، توالت عليه العديد من العمارات وأهمها في سنة 1924 وهي العمارة الثانية للمقام والتي قام بتشييدها أحد المحسنين الكربلائين، وقد جدد بناء المقام الشريف سنة 1994 على نفقة احد تجار كربلاء الحاج عباس صالح آل بحر ببناء فخم وجميل بعد أن خرب أثر أحداث الانتفاضة الشعبانية، وهو لا يزال شاخصا لهذا اليوم \"
[img]pictures/2010/09_10/more1284629819_2.jpg[/img][br]
وحيث شارع السدرة الذي يمتد بين مقام الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) إلى شارع الحائر الحسيني مقابل الباب التي سميت بباب السدرة في الروضة الحسينية تنتشر في هذا الشارع المحلات التجارية والفنادق السياحية، ويتفرع منه شارع مهم آخر قبل وصولك الى العتبة الحسينية المطهرة بعشرات الأمتار الى يسار المتوجه صوب مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) سمي بشارع صاحب الزمان والذي ينتهي بشارع علي الأكبر، وهو من الشوارع التجارية حيث تنتشر المحلات التجارية على جانبيه، ومن أهم معالمه العمرانية دار السري للمرحوم الحاج مصطفى خان أحد شخصيات المدينة..
ويشير أبو عباس :\" إن من أهم المساجد وأشهرها مسجد شاطئ الفرات الواقع على نهر الحسينية في محلة باب السلالمة حيث كانت عشرات الزائرين تفد للسباحة والاغتسال في هذا النهر قبل زيارتها الحسين (عليه السلام) ثم ترتدي ثيابا جديدة بعدها تروم زيارة الإمام (عليه السلام) \" ..
ويقول الحاج محمد الخفاف (65) عاما من أبناء هذه المنطقة :\" إن من المعالم المهمة في محلة باب السلالمة مسجد جامع السيد خلف الذي تميز في حينه أنه أكبر المساجد التي كانت في المحلة حيث كان المسجد الوحيد الذي أحتوى على مأذنة بارتفاع خمسة أمتار عن سطح الجامع تم إزالته بعد فتح شارع السدرة، ويتابع الخفاف إنه من معالم الطرف أيضا التي تم إزالتها كذلك حمّام (موسى بن جعفر) في مدخل سوق باب السلالمة المشهور بحّمام المالح لأن الماء كان يستخرج من الآبار المالحة، ومن الجدير بالذكر إن الحّمام كان يقع تحت مستوى المدينة بعمق عشرة أمتار ولم تكن هنالك أنابيب لمياه الصرف الصحي، وحمّام السعادة في الثلث الأخير لشارع السدرة ولكن ما بقي لهذا اليوم هو حمام الفرات للسيد سعيد الشروفي في بداية شارع الوزون\" ..
مضيفا :\" إن من المتعارف على الأطراف عمارة المنازل القديمة التي لا زال الكثير منها في محلة باب السلالمة وأكثرها خربة وآيلة الى السقوط فهي متروكة دون أي أعمار أو ترميم نتيجة القصف الجوي والمدفعي خلال الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وهذه المنازل تهدد جيرانها والمارة بخطر، مبينا إن سبب ترك هذه البيوت أما لأنها موقوفة ذريا أو هي وقف لديوان الوقف الشيعي، والبعض من أصحابها عراقيون لكن خارج البلد تركوها هكذا دون عمارة أو ترميم\" ..
[img]pictures/2010/09_10/more1284629819_3.jpg[/img][br]
وعاد الحاج محمد الخفاف بذاكرته الى العقود الماضية من القرن المنصرم ليحدثنا عن الطابع الاجتماعي لمحلة باب السلالمة قائلا: \"كانت أهالي باب السلالمة في وقت سابق في تعايش اجتماعي يثير الدهشة والاستغراب حاليا، فقد كان المجتمع ذا سليقة سليمة غير معقدة تملئها المحبة والوئام والانسجام حيث كانت تقطن في المنزل الواحد من ثلاثة الى خمسة عوائل وأكثر علما أن المنزل كانت مساحته لا تزيد على المائة متر وهنالك بيوت أقل من هذه المساحة بكثير مبينا إن العائلة الواحدة المتعددة بأفرادها كانت تعيش في غرفة واحدة تزاول العائلة بها طبخها ومنامها واستقبال ضيوفها\"..
فيما يذكر الحاج فاضل الخفاجي أبو قاسم، (60) عاما من سكان المنطقة، إنه من أسواق كربلاء المندثرة كان يوجد سوق الحّياچ وموقعه في عگد الچاچين بمحلة باب السلالمة، (بالقرب من مقام وقفة الإمام الحسين (عليه السلام) أو سوق الحسين وممن كان يختص بمهنة الحياكة أسرة آل جريدي من عشيرة النصاروه، حيث كانت تقوم بحياكة بعض العبي النسائية والرجالية بعد غزلها من صوف الأغنام، وكانت تحاك أيضا السترة والجبة، وكان الحياك يختار المناطق الرطبة لحوانيتِهم (المخازن) تسهيلا لصناعة الخيوط وقد اندثرت اليوم هذه الصناعة بسبب ازدياد التكنولوجيا الحديثة في تلك المهنة..
أما سوق الحسين فقد بيَّن الخفاجي :\" إن هذا السوق يبدأ من شمال الروضة الحسينية الشريفة، وينتهي إلى شارع الوزون عند حمام الفرات احد المعالم الشاخصة ليومنا هذا، ويشطر محلة باب السلالمة عن محلة باب بغداد، وتباع في هذا السوق الخضراوات والمواد الغذائية بأنواعها كما مواد العطارة، وفيه يقع مقام موقف الإمام الحسين عليه السّلام مع عمر بن سعد\".
[img]pictures/2010/09_10/more1284629819_4.jpg[/img][br]
وعن أسماء أزقة ومقاطعات هذه المحلة يذكر (أبو قاسم) : \" الچاچين والبرچة والجية والبوبيات والمحيط وأم العگاريگ أسماء موروثة بهذه المنطقة وهنالك ديوان شهيب التابع للوجيه الكربلائي المرحوم الحاج إبراهيم شهيب الربيعي وآثاره باقية لهذا اليوم حيث كانت أهالي المحلة تقيم مجالسها الحسينية وعزاءاتها السنوية أمامه ومن رجالات وبيوتات هذا العزاء المعروف بعزاء طرف باب السلالمة الحاج مشعل وأولاده وبيت كلثومة وعشائر الخفاجة والنصاروة والجبور والمناگيش وبيت أبو طحين وبيت الحاج طليفح ولفيف من السادة العلويين، ومن رموز هذه المحلة السيد دولة رئيس الوزراء السابق الدكتور إبراهيم الجعفري ومحافظ كربلاء المهندس آمال الدين الهر وشخصيات دينية كثيرة من أشهرها فضيلة الخطيب الراحل الشيخ هادي الكربلائي رحمه الله\"..
ويقول تيسير سعيد الأسدي الاعلامي والمهتم بالتراث الكربلائي :\" تعتبر منطقة باب السلالمة إحدى البوابات القديمة الى مركز مدينة كربلاء من جهة الشمال وكانت هذه المنطقة الممتدة من مقام الإمام صاحب الزمان (عجل الله فرجه الشريف) الى مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) هي قلب المعركة التي دارت رحاها بين جيش الإمام الحسين وجيش عمر بن سعد سنة 61 للهجرة..
مشيرا إن هذه المنطقة تحتوي على عدد من المقامات الخالدة التي تمثل أماكن لأحداث يرويها لنا التاريخ الإسلامي ومن أهمها مقام رأس الإمام الحسين (عليه السلام) وكان يقع هذا المقام والذي هو عبارة عن مسجد قرب باب السدرة إحدى أبواب الروضة الحسينية من جهة الشمال الغربي وهذا المسجد سميَ برأس الحسين لأنه كما جاء في الكتب التاريخية إن عمر ابن سعد وضع الرأس الشريف يوم العاشر من محرم بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في هذا المكان ومنه حمل الرأس الشريف الى الكوفة في اليوم التالي لاستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) ولذا بني على هذا المكان مسجد سمي بمسجد رأس الحسين عليه السلام سنة 369 هجرية، ويبعد 50 مترا من حائر الإمام الحسين (عليه السلام) وقد هدم جزء كبير من هذا المسجد عند فتح شارع الحائر المحيط بالروضة الحسينية عام 1948 ميلادية وبقيت مساحة صغيرة منه كانت على شكل مسجد صغير جدا تم تهديمه بعد عام 1991..
[img]pictures/2010/09_10/more1284629964_1.jpg[/img][br]
وتابع الأسدي :\" إنه من المقامات الأخرى مقام الإمام الحسين عليه السّلام ويرمز هذا المكان إلى الموقع الذي اجتمع فيه الإمام الحسين عليه السّلام مع عمر بن سعد للمفاوضة قبل وقوع المعركة، ويوجد هذا المقام في قطاع ( الچاچين ) المحـرفة عن كلمة (دكاكين) والمقام عبارة عن شبه حانوت خارج من جدار بيت ويرجع تاريخ تشييده إلى سنة 1113 هجرية كما هو موجود على الكتيبة وتم تجديده سنة 1934 ثم جدد عام 1952 وهذا المقام يؤمه الزائرون ليتبركوا به حتى يومنا هذا\"..
وعن تسميت الشارع الممتد من مقام الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف الى الحائر الحسيني بشارع السدرة أجابنا الأسدي :\" إن هذه التسمية جاءت بسبب وجود شجرة سدر زرعها الموالون لأهل البيت (عليهم السلام) بالقرب من قبر الإمام إبان حكم الرشيد العباسي وتم قلعها بعد كري قبر الإمام الحسين (عليه السلام) خلال حكم المتوكل العباسي وقد سميت إحدى بوابات الصحن الشريف بباب السدرة نسبة الى تلك السدرة واخذ هذا الشارع ذات التسمية بعد ذلك وسمي باب السدرة أو شارع السدرة\" ..
فيما يقول رسول علوان الوزني (45)عاما يعمل حلاقا ومن سكنتْ هذه المحلة:\" إن باب السلالمة تتمتع بميزات كبيرة منها إن سكنتها مهما بعدوا عنها فأنهم يتوقون لها وتجدهم حاضرين في كثير من المناسبات وأهمها عزاء الطرف في كل عام من شهر محرم الحرام لذا تجد هذا العزاء من أكبر العزاءات بين الأطراف الباقية بشهادة الجميع حتى تصل أعداد جوقاته (مجاميع العزاء) الى أكثر من 2000 معزي\" ..
ويتابع رسول :\" إن من أكثر المعالم التي تفدها السواح هي مقام عبد الله الرضيع ومقام أخيه علي الأكبر (سلام الله عليهم) الكائنين في طرف باب السلالمة، فمقام الرضيع الواقع على شارع السدرة الى يسار المتوجه الى لمرقد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) يبعد بمسافة مائة متر تقريبا وهو من المقامات التي يؤمها الزوار العرب وغير العرب وكذلك مقام علي الأكبر محل استشهادهِ الذي تدخل إليه عبر طريق ضيق لا يتجاوز عرضة المتران تسير به لمسافة عشرين متراً لترى أمامك بناء (ركن) له منارتين صغيرتين وشباك، وترى الحائط ملطخ بالحناء وتشاهد الكثير من القطع الخضراء المعلقة في الشباك التي يضعها الزائرين للتبرك\".
وعن تأريخ المقام وتوسيعه وما مر عليه من ويلات كمحاولات الهدم والإغلاق حدثتنا حفيدة الحاج محمد كاظم الأسدي قائلة: أنا احكي لكم عن هذا المكان الشريف مكان وقوع علي الأكبر (عليه السلام) في مطلع الثلاثينات كانت القطعة التي وجد عليها المقام عبارة عن خربة مهدمه ذات مساحة كبيرة تصل إلى 800 متر اشتراها جدي أبو والدتي الحاج محمد كاظم الأسدي المعروف (بأبو بسامير) وبناها، وأعطى مساحة حوالي 20 متر للمقام أي كما ترونها الآن غرفة مربعة الشكل لها باب جانبي والجهة الأمامية متكونة من الشباك الكبير وفوقه المنارتان، فكان الحاج هو أول من وسع المقام الذي كان سابقاً عبارة عن شباك من الخشب ذو قياسات صغيرة جداً، وعَمَّرَ المقام لأجل دخول الزوار إليه، فبقي المقام في حياة الحاج كاظم موجود والى حد الآن ونحن أحفاده بقينا على طريقه في خدمة أهل البيت (عليهم السلام) وزوار علي الأكبر (عليه السلام).
تحقيق / حسين النعمة
تصوير / رسول العوادي
أقرأ ايضاً
- مكتب السيستاني بدمشق :يد العون العراقية تمتد الى (7) الاف عائلة لبنانية في منطقة السيدة زينب
- فرع كربلاء لتوزيع المنتجات النفطية: الخزين متوفر والمولدات الاهلية تتسلم كامل حصصها من الكاز هذا الشهر
- تحول إلى محال تجارية.. حمّام اليهودي في كربلاء (فيديو)