- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الرئيسان ومستقبل أهوار العراق
بقلم: د. مهند محمد البياتي
بعد فوز د. برهم صالح برئاسة الجمهورية وتكليف السيد عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة الجديدة، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور لهما يستمتعان بأجواء الأهوار، ولكن لم يكونا يعلمان بأن الأهوار وخاصة الحويزة في حالة موت سريري ويحتضرون وإن إنعاشهم قد يكون صعباً جداً مع قلة الموارد المائية، حيث تزامن الأمر مع قرار لوزارة الزراعة بتقليص الاراضي الزراعية المشمولة بالخطة الزراعية للموسوم 2018-2019 الى 1711 ألف دونم أي أقل من العام الماضي بنسبة 55 بالمائة، وذلك بسبب شح المياه المتوفرة للزراعة، فإذا لم يكن هنالك من ماء يكفي للزراعة فكيف يمكن توفيره للأهوار، ففي حين كانت كمية المياه الداخلة للأهوار عام 2016 أكثر من 5800 مليون متر مكعب من المياه لإنعاشه، ويضيع منها بسبب التبخر بالدرجة الأولى 2460 حوالي مليون متر مكعب وهو يمثل 6 بالمائة من وارد العراق المائي الكلي وهذا الرقم يمثل ضعف ما يتم استهلاكه من مياه للاغراض السكنية.
ولم تقم وزارة الزراعة بعد إعلانها للقرار أعلاه بإعطاء أية تفاصيل أخرى حول هذا الموضوع المهم والذي يؤثر في حياة ومعيشة أكثر من سبعة ملايين عراقي يمتهنون الزراعة مع عوائلهم، والزراعة هي موردهم المعيشي الوحيد.
ومع أزمة المياه الحادة والتي أثرت على الزراعة بشكل كبير وحتى حرمت الملايين من العراقيين في الجنوب وخاصة في البصرة من الماء الصالح للشرب، يجعلنا نتساءل وبشكل عقلاني وبعيد عن العواطف ماهو مستقبل الأهوار في مثل هذه الظروف.
ولأن أثمرت جهود النشطاء ووزارة الموارد المائية في تسجيل أهوار العراق في اليونسكو كأحد معالم التراث الوطني الطبيعية والواجب الحفاظ عليها، وتمّ الحصول على الدعم الدولي لإحياء الأهوار من جديد ورعاية مدنها الأثرية، وتمّ استحداث مركز إنعاش الأهوار والأراضي الرطبة، وقامت برفع تقرير بنهاية عام 2017 الى اليونسكو تحت عنوان "أهوار جنوبي العراق: حاضنة التنوع الاحيائي (البايولوجي) والمدن الغابرة لبلاد ما بين النهرين"، والتزمت فيها بتوفير المياه اللازمة لإنعاش الأهوار، ولا نعلم كيف تستطيع القيام بذلك.
وقد يكون من المفيد معرفة وضع الأهوار الحالي، حيث تشير تقارير وزارة التخطيط والمأخوذة من وزارة الموارد المائية، إنه في عام 2016 تراوحت مساحة الأهوار الكلية والمغمورة بالماء ما بين 2380 كيلومتراً مربعاً و3200 كم مربع في حزيران، و إن مقدار الاملاح الذائبة في هور الحويزة بلغ أكثر من 16 الف ملليغرام في اللتر في الخريف، وهو رقم كبير ومخيف وخاصة اذا تمت مقارنتها مع هور الحمار والذي كان بحدود 3 آلاف في الخريف و4 آلاف في الشتاء، في حين أن كمية الأملاح في الاهوار الوسطى والمقاسة في البصرة كان بحدود 9 آلاف في الشتاء، ولأن الاهوار هي مسطحات مائية مفتوحة ومرتبطة بأنهر دجلة والفرات وفروعها المختلفة، أي تقوم بتغذية الأنهر بهذه المياه المالحة، وهذا يعني بأنها لا تقوم فقط بالاستحواذ على كمية كبيرة من المياه بل تسبب في زيادة كبيرة في نسبة الأملاح في الأنهر، وذلك بسبب التبخر الكبير الذي يحصل في الأهوار ذات المساحات الكبيرة ويترك خلفه كميات كبيرة من الأملاح، اضافة الى ورود مياه بزل كبيرة وذات ملوحة عالية عن طريق نهر الكرخة والقادم من إيران، ولهذا السبب أصبحت ملوحة هور الحويزة عالية جداً، ومن المحزن إنه في هذه الظروف القاسية لم تقم دوائر البيئة في محافظة ميسان والتابعة لوزارة الصحة حالياً باجراء الفحوصات الكيمياوية الدورية لمياه أهوار الحويزة وحتى لمياه دجلة، مبررة ذلك بعدم توفر الميزانية الخاصة للوقود، والارقام أعلاه مأخوذة من فحوصات دوائر البيئة في محافظة واسط والمحاذية لشمال هور الحويزة، وبسبب الملوحة العالية لهور الحويزة لايسكنها الآن سكانها الاصليون بل يعيشون على جوانب القنوات المائية المغذية لهور الحويزة، كما تشير بذلك تقارير وزارة الموارد المائية، ولقد عاد قسم من سكان الهور الاصليين والذين ارتحلوا منها في بداية تجفيف الأهوار، الى مكان سكناهم في أهوار الحويزة عند البدء بكسر السدود على القنوات المائية للسماح بالمياه بالدخول للاهوار بعد السقوط، حيث انتعشت الأهوار، ولكن سرعان ما غادروها بعدما ازدادت ملوحة مياه هور الحويزة وأصبحت مياهها غير ملائمة للشرب ولمعيشة حيواناتهم ونفقت الكثير من ثروتهم الحيوانية بسبب ذلك، ومما يؤسف له ان وزارة الموارد المائية او وزارة الزراعة لم تقوما بالإشارة لهذا الموضوع، كانتا مستبشرتين بالأمر في البداية ونشرتا الكثير من الصور والدعايات الاعلامية بذلك، ولكنهما لم تستطيعا الحفاظ على عذوبة مياه الأهوار وقد يكون الأمر خارجاً عن اراديتهما بسبب التبدل المناخي ومواسم الجفاف الذي ضرب المنطقة، وعدم استطاعتهما التحكم بمياه البزل القادمة من إيران ولكن من الواجب عليهما وضع الخطط البديلة والافصاح عما يجري في واقع الأهوار، فتوفير مياه صالحة للزراعة هي أكثر اهمية من ادامة قسم من الأهوار، وخاصة إن الخزين المائي المتوفر حالياً في العراق لا يتجاوز11 مليار متر مكعب أي إنها لا تكفي لتغطية احتياجات الأهوار لسنتين وفي ظروف جفاف قاسية لم يشهدها العراق سابقاً، مما اضطره الى سحب الخزين الميت من مياه بحيرة الثرثار والتي تعتبر عالية الملوحة بسبب النقص الهائل للمياه في موارد نهر الفرات. وفي هذه الظروف القاسية لم نسمع أية اقتراحات من مركز انعاش الأهوار والأراضي الرطبة والتابع لوزارة الموارد المائية أية حلول لهذه الأزمة والذي هو من صلب اختصاصها وبسببه تم انشاؤها.
ونعتقد بأنه آن الأوان بالقيام بدراسة شاملة للوضع القائم للأهوار حالياً ووضع تصور مستقبلي عنها أو الإعلان عن هذه الدراسة اذا كانت قد تمت فعلاً، فالتغيرات المناخية العالمية والجفاف الذي يضرب المنطقة يستوجب إعادة النظر بالسياسة المائية في العراق، ويمكن الحفاظ على القيمة المعنوية والطبيعية للأهوار وابرازها ولكن بوضع قابل للتطبيق ومن دون التأثير على الموارد المائية الشحيحة حالياً والتي قد تستمر لعقود قادمة، ومع نسبة الزيادة السكانية الكبيرة الحاصلة في المنطقة والحاجة الى زيادة الرقعة الزراعية وزيادة الموارد الزراعية والحيوانية. فوضع هور الحويزة الحالي والعالي الملوحة والذي يفاقم في زيادة ملوحة نهر دجلة يتطلب إعادة النظر فيه وفي موقعه، ومن الممكن القيام بتوسيع وتنظيم الأهوار الوسطى أو اضافة هور جديد جنوبها وتغذيتها بمياه المصب العام وهي مياه البزل، ثم ربط مخارج هذا الهور الى شط البصرة والذي يصب في الخليج العربي، وبهذه الطريقة يمكن إحياء الاهوار في منطقة اخرى من العراق ومن دون التأثير على كمية المياه الشحيحة الموجودة حالياً أو نوعيتها، وهذا القرار لا يمكن أن تتخذه وزارة الموارد المائية لوحدها بل تحتاج لدراسة شاملة لتحديد الموقع الأنسب لها وشكل الهور المتحقق وإان امكانيات وزارة الموارد المائية الفنية وعلاقاتها المتميزة مع الجهات الدولية صاحبة الخبرة في هذا المجال يتيحان لها إعداد مثل هذه الدراسة الضرورية، وكذلك من الضروري جداً تهيئة ساكني هور الحويزه لهذا التغيير الكبير في بيئتهم، ولا يمكن البدء بمثل هذه الخطوة الكبيرة من دون دعم الرئاسات التنفيذية في العراق والتي يبدو أن لها اهتماماً كبيراً بوضع الأهوار.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي