عباس الصباغ
استبشرتُ خيرا مثل اخواني من بني جلدتي العراقيين بخبر نوعي واستراتيجي انتظره الشارع العراقي طويلا، وهو العقد المبرم بين جمهورية العراق وشركة سيمنز Siemens الالمانية وباكثر من (13) مليار يورو و ستتولى بموجبه تجهيز العراق باكثر من (11) الف ميكاواط والتي ستضاف الى منظومة الكهرباء الوطنية لتغطي حاجة العراق الفعلية للكهرباء التي تقدر بأكثر من 23 ألف ميغاواط وبطاقة وطنية مستمرة لاربع وعشرين ساعة، ناهيك عن اصلاح البنى التحتية المتهالكة لهذا القطاع الحيوي لتحل محل البنى التحتية القديمة والمستهلكة منذ عقود ودون ان تفكر اية حكومة بإصلاحها، فضلا عن توفير اكثر من (60) الف فرص عمل لامتصاص ما امكن امتصاصه من البطالة المقنعة في صفوف الشباب، فسيمنز ستوفر الطاقة لأكثر من (23) مليون مواطن كما انها ستقدم حلولا متكاملة لواقع النهوض بقطاع الكهرباء من خلال خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الامد، وبالتأكيد ان تحسين واقع منظومة الكهرباء الوطنية التي تعاني من داء عضال مزمن كان يمثل انسدادا عائقا للتنمية المستدامة والاستثمار، وهذا التحسن سيخلق واقعا اقتصاديا مزدهرا في العراق كون اغلب مفاصل الاقتصاد والصناعة والاستثمار مرتبطة ارتباطا مباشرا بالمنظومة الكهربائية التي لها علاقة وثيقة مع الاقتصاد وبدونها لايكون هنالك اقتصاد متين.
والعقد التاريخي مع شركة سيمنز سيكون خارطة الطريق الاستراتيجية لهذا الملف والتي طال انتظارها لوضع حد لمعاناة العراقيين التي طالت كثيرا بسبب التردي المستمر في تجهيز الطاقة الكهربائية "الوطنية" وادت الى اندثار مدخراتهم المالية التي تُهدر على المولدات التي تجهزهم بكهرباء ليست بالمستوى المطلوب منذ سنوات، وفي حال استمرار كهرباء "وطنية" جيدة سيتم توفير تلك المدخرات لصالح رفع مستوى الواقع المعاشي للمواطنين بعد الاستغناء عن الحاجة الى المولدات من جهة ومن جهة اخرى سيتم توفير المليارات من اللترات من المشتقات النفطية التي تُهدر في تشغيل تلك المولدات وتُحول الى قطاعات اخرى،وبالنتيجة ستقل معاناة المواطن العراقي المتخم والمكتظ جدوله اليومي بالكثير منها والتي تفرضها طبيعة الحياة وملابساتها وحيثياتها في العراق.
ويُؤمل كثيرا من هذا العقد التقليل او القضاء على آفة الفساد المالي والاداري الذي اقترن بملف الكهرباء طيلة السنين السابقة بل كان هذا الملف من اكثر الملفات اقترانا بالفساد وهدر الاموال العامة والتي بلغت عشرات المليارات دون ان يلمس المواطن اية بادرة على تحسن واقع الكهرباء لاسيما في صيف العراق القائظ وهو الامر الذي ادى الى تكرار اندلاع المظاهرات السلمية في عدة محافظات عراقية احتجاجا على تردي تجهيز الكهرباء الوطنية لاسيما في محافظات الوسط والجنوب، وخاصة البصرة التي تسجل عادة اعلى درجات الحرارة في العالم سنويا، ولطالما اقترن تردي التجهيز مع اشتداد ارتفاع درجات الحرارة.
والمفرح في الخبر هو الجانب الاستثماري منه في تنشيط ملف الكهرباء على غرار مافعلته سيمنز مع جمهورية مصر العربية ونجحت في تشييد البنية التحتية للكهرباء فيها وفي وقت قياسي وبكفاءة عالية، وفي العراق قد يكون بابا مشرعا لبقية القطاعات الحيوية بعد توفير البيئة الامنة والحاضنة القانونية له بعد ان يكون الكهرباء مفتاحا مشجعا لبقية القطاعات، والعقد مع العراق هو اكبر عقد استثماري تنجزه هذه الشركة في تاريخها المليء بالمنجزات الاقتصادية المهمة على الصعيد العالمي كونها تعد من أكبر الشركات العالمية في مجال الكهرباء وأنظمة الاتصالات وأنظمة التحكم الإلكترونية.
ومن شان هذه الخطة التي دعمتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل شخصيا زيادة قدرات العراق على توليد الطاقة الكهربائية بنسبة تصل الى 50 بالمائة وتضمن الجدوى الاقتصادية للخطة انها ستحقق وفورات نقدية بمليارات الدولارات نتيجة التوفير في استهلاك الوقود وفِي تحقيق ايرادات إضافية في قطاع الطاقة مرتبطة بزيادة القدرة على توليد الكهرباء بما يدعم أغراض التنمية المستدامة، وهو ما يضيف اموالا اخرى الى الموازنات الاتحادية المقبلة ويقلل من نسب العجز المتراكمة فيها بسبب تذبذب اسعار النفط وعدم تنشيط بقية القطاعات الداخلة في تغذية عجلة الاقتصاد الريعي العراقي ، ولهذا فان العقد الذي ابرمه العراق مع سيمنز يعد من اهم المشاريع الاستراتيجية في تاريخ العراق المعاصر وان جاء متاخرا جدا..
إن تصل متأخرا خير من أن لا تصل أبدا.