- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
اللغط المثار حول الخمس هل له غطاء شرعي؟!
حسن الهاشمي
اثير لغط كبير في الآونة الأخيرة حول الخمس هل هو واجب أم لا ولا سيما في زمن غيبة الإمام، والملفت للنظر ان هذا اللغط انما جاء على لسان بعض الأعلام من المذهب الشيعي، ومرده العموم أو الخصوص في آية الغنيمة، وتعارض الروايات في غير مورد غنائم دار الحرب، وفي معرض توضيح ذلك نقول في تعريف الخمس الذي ذهب اليه أجلة العلماء: انه حق مالي فرضه الله تعالى مالك الملك بالأصالة على عباده في مال مخصوص، أي أنه حق مالي أوجبه الله المالك لكل شيء بحكم أصلي ثابت في الشريعة كحكم الصلاة والزكاة والصوم وغيرها من ضروريات الدين، وانه ليس حكما طارئا عرضيا جاء لمعالجة واقعة وقعت أو حادثة عابرة في قضية خاصة.
وحسب الادلة الشرعية فان الله تعالى أوجب الخمس على عباده في الموارد السبعة التي يجب فيها الخمس، وهي:
1ـ غنائم دار الحرب.
2ـ المعادن.
3ـ الكنوز.
4ـ كلما يخرج من البحر بالغوص.
5ـ أرض المسلم اذا اشتراها الذمي.
6ـ المال الحلال المختلط بالحرام.
7ـ ما دارت عليه السنة من أرباح المكاسب.
والدليل على ذلك ما جاء في القران الكريم والسنة الشريفة، أما ما جاء في القران بناء على القول بالأعم من الغنيمة الذي يشمل الموارد السبعة المذكورة في قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ). (الأنفال: 41).
أما السنة الشريفة فأدلة سقوط الخمس كثيرة نذكر منها: عن أبي عبد الله (ع) وقد جاءه أحد أتباعه بمال فرده عليه وقال - قد طيبناه لك وأحللناك فيه فضم إليك مالك وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا. (أصول الكافي 1/408).
قال فقهاء الإمامية: إن هذه الرواية وغيرها الواردة في كتب الحديث عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بإباحة الخمس لشيعتهم وإسقاطه عنهم، معارضة بمثلها من الروايات الواردة الآمرة بأخذ الخمس والتشديد فيه، ومن هذه الروايات نذكر:
ما رواه شيخ الطائفة الطوسي بإسناده عن محمد بن زيد الطبري، قال: قدم قوم من خراسان إلى ابي الحسن الرضا(عليه السلام) فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس فقال (عليه السلام) ما أمحل هذا تمحضونا بألسنتكم وتزوون عنا حقاً جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس، لا نجعل لا نجعل لا نجعل لأحدٍ منكم في حل. (وسائل الشيعة: الباب 3 من ابواب الأنفال ح3).
فهذه الرواية وغيرها الواردة في وجوب دفع الخمس والشاملة للمعدن والكنز ومال الناصب بعد أخذه، والغوص، والفاضل عن مؤنة السنة، وفي الأرض التي يشتريها الذمي من مسلم، وفي المال الحلال المختلط بالحرام، بالإضافة إلى خمس غنائم دار الحرب (يراجع الأحاديث الدالة في المصدر السابق).
نقول: كل هذه الروايات تؤكد وجوب العمل بهذه الفريضة المهمة من فرائض الشرع المقدس، وقد اهتم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) ببيان أحكامها وتفصيل الدقيق من مسائلها.
وعند وجود تعارض ما بين الروايات فهناك ضوابط يلجأ إليها الفقيه تستند إلى نفس أقوال أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في هذا المورد، فالفقيه يلجأ إما إلى الجمع العرفي، أو الجمع التبرعي (إن وجد له شاهد من آية او رواية)، أو لطرح هذه الروايات واللجوء إلى الأصول العملية لاستنباط الحكم في المقام.
ومن هنا قال الفقهاء في المورد الذي نتكلم عنه، وهو روايات التحليل للخمس مع الروايات التي مر ذكرها، الأقوى في مقام الجمع حمل نصوص التحليل على ما انتقل إلى الشيعة ممن لا يعتقد الخمس أو ممن لا يخمّس وان اعتقد ذلك، وأما ما وجب على المكلّف نفسه فلا موجب لسقوطه، ولم يتعلق به التحليل فتكون نصوص التحليل ناظرة إلى الأول، ونصوص العدم (عدم التحليل) إلى الثاني.
فالمستفاد من نصوص الباب بعد ضم البعض إلى البعض والجمع بينهما إنما هو التفصيل بين الخمس الواجب على المكلف نفسه ابتداءً فلا تحليل، وبين ما انتقل إليه من الغير فلا خمس عليه، وإنما هو في عاتق من انتقل عنه، فيتعلق ببدله إن كان له بدل وإلا ففي ذمته كما في الهبة، ومرجعه إلى إجازة ذلك النقل من قبل ولي الأمر، وهو ما دلت عليه نصوص التحليل السابقة، هذا ما أفاده السيد الخوئي (قدس) في محضر درسه الشريف في هذه المسألة، وبالإمكان مطالعة بحثه في (مستند العروة الوثقى، ص348).
وعلى كل حال فالخمس في الجملة مما لا ينبغي الشك في وجوبه بعد تطابق الكتاب والسنة والاجماع عليه، فهناك دليل عام حيث ان الغنيمة تشمل كل ما يكون بحوزة الانسان من حرب أو صيد أو مكسب وهو ما ذهب اليه الامامية، ودليل خاص حيث ان الغنيمة مختصة بالحرب وهذا القدر المتيقن وهو ما ذهب اليه عامة المسلمين، ويخرج الشاك بالخمس عن ربقة المسلمين ويدخل في خانة الكافرين، وهو بمثابة الشك في غيره من ضروريات الدين.
أما موارد صرف الخمس فهي (فان لله خمسه) فحقه تعالى لوليه اكراما منه له، ووليه لا يحتاج الى ما في أيدي الناس، انما الناس يحتاجون ان يقبل منهم الامام عليه السلام، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (التوبة: 103) فمورد صرف الخمس هو سهمان الأول: سهم الامام ويشتمل على (سهم الله والرسول وذوي القربى) الثاني: سهم السادة ويشتمل على (سهم اليتامى والمساكين وابناء السبيل من بني هاشم) والخمس خصه الله تعالى لهذه الشرائح اكراما لهم لمنع الصدقة والأوساخ عنهم.
وبطبيعة الحال ان الخمس بسهميه يتصرف بهما الفقيه الجامع لشرائط التقليد في زمن غيبة الامام الحجة (عج) وان اغلبه يأتي من أرباح المكاسب التي من خلالها يقوم الفقيه بتوزيعها بما يضمن مصلحة الاسلام والمسلمين ضمن تحقيق العدالة والتكافل الاجتماعي عبر تحقيق المكتسبات التالية:
1ـ تأمين رواتب ومخصصات الحوزة العلمية من هذه الحقوق يضفي عليها روح الاستقلال وعدم الارتماء بأحضان السلطة وما يتبعها من تبعية واذلال وسقوط.
2ـ توفير الرواتب والعيش الكريم حسب المستطاع لشرائح كبيرة من عوائل الايتام والعوائل المتعففة ولا سيما المنتمين لنسل الرسول من بني هاشم.
3ـ المساعدة في علاج المرضى ورعاية المسنين وأهل البلوى عبر ممثليات ومكاتب المراجع المنتشرة في أغلب المدن الاسلامية.
4ـ المساهمة بالمشاريع المتعلقة بالأوقاف ورعايتها وخدمة الزائرين من خلالها وتوفير سبل الراحة والرفاهية لهم، وهذا الأمر شهد طفرة نوعية بعيد سقوط الصنم عام 2003م بعدما تصدت المرجعية بإدارة العتبات المقدسة في العراق.
5ـ النشاط الفكري والثقافي والتوعوي وذلك بتأسيس المراكز الثقافية ونشر الافكار الحرة والقيم والأخلاق والفضيلة عبر وسائل الاعلام المكتوبة والمقروءة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة من انترنيت وفضائيات وكذلك من خلال اقامة الندوات والمؤتمرات التي توضح للإنسانية مفاهيم الدين النيرة وقيمه الخالدة.
اضافة الى ما ذكر قيام الفقيه الجامع للشرائط وبما له من فسحة للتحرك بعد سقوط الصنم بالعراق وقبله قيام الثورة الاسلامية في ايران سواء الذي يؤمن بولاية الفقيه أو ولاية الحسبة بمهام كبيرة هدفها الحفاظ على الهوية الاسلامية من الاندثار والكرامة الانسانية من الاحتقار، وعجبا من الذين يشككون بهذه الدعامة القوية في الاسلام في زمن الغيبة بالرغم من انهم أسسوا مجدهم الديني وألقهم الاجتماعي من ينابيعها المتدفقة، ولكن تبقى حلبة الصراع الفكري بين الفقهاء مفتوحة ولا يحق لأي أحد الخوض بأمور ليس من شأنه، ولكنها أفكار طرحتها بأسلوب اعلامي بعيدا عن تعقيدات الفقه لكي يطلع اكبر عدد من المثقفين على الرأي والرأي الآخر، والقول الفصل لأصحاب الرأي ليس إلا.