حجم النص
بقلم:محمد توفيق علاوي قطاع الإنتاج الزراعي والحيواني لا تقل أهمية القطاع الزراعي والحيواني عن أهمية القطاع الصناعي، ولكن الحديث بهذا الشأن ذو شجون، ولا تنفع الحلول الترقيعية المتخذة إلى حد الآن، فإن لم تتخذ حلول سريعة وجذرية فإن هذا القطاع سيتراجع بشكل كبير في السنين القادمة وسينهار بشكل شبه كامل كما ورد في الكثير من الدراسات والتقارير العالمية بحدود عام ٢٠٤٠، حيث من المتوقع أن تهبط كميات المياه في دجلة والفرات وترتفع نسبة الملوحة بحيث لا يمكن ألإستفادة من المياه للسقي والشرب وغيرها من ألإستعمالات، إننا في هذا البحث سنحاول دراسة المشاكل الواقعة والمتوقعة وطرح الحلول الواقعية والمطلوبة، ولا أخفي على القاريء الكريم أن هذه الدراسة ليست من بناة أفكاري فحسب بل هي خلاصة بحوث ودراسات معمقة ونقاشات مع بعض أهل الإختصاص في هذه الجوانب. إن هذا البحث سيتضمن خمسة محاور وهي: 1- حوض نهر دجلة والفرات. 2- الإنتاج الزراعي. 3- الإنتاج الحيواني. 4- الهيئة العليا للزراعة والري. 5- ألخصخصة الذكية والتنمية المستدامة. 1- حوض نهر دجلة والفرات: كميات المياه التي تدخل العراق من خلال نهر الفرات بعد إنشاء عدة سدود على الفرات في سوريا كانت تبلغ (٢٣مليار م٣) والآن لا تتجاوز ال (١٣ مليار م٣)، أما نهر دجلة فكان ما يدخل من تركيا بحدود (٢٨مليار م٣) والآن (١٨مليار م٣) وأما ما يدخل من دجلة من أيران فكان بحدود (٣٠مليار م٣) والآن يبلغ بحدود (١١مليار م٣)، [هذه الكميات في الأوضاع الإعتيادية أما في مواسم الجفاف فتكون أقل من ذلك بكثير]، أما نهر الكارون الذي يصب في شط العرب فكان بحدود (٢٧مليار م٣)، والآن توقف بالكامل، ولو كان الأمر سيتوقف على ما نحن عليه فإننا لا زلنا بكل خير، ولكن من المتوقع أن تتقلص هذه الكميات كما ذكرنا سابقاً إلى حدود لا يمكن الإستفادة منها للري وللشرب وسيتحول العراق إلى منطقة صحراوية لا تختلف عن السعودية وأغلب بلدان الخليج…….. فما هوالحل ؟ أ. أول عناصر الحل تتمثل بالتفاهم مع تركيا وأيران: حيث ذكر رئيس جمهورية تركيا السابق سليمان ديميرل في حفل افتتاح سد اتاتورك اذ قال “إن مياه الفرات ودجلة تركية، ومصادر هذه المياه هي موارد تركية، كما أن آبار النفط تعود ملكيتها إلى العراق وسورية، ونحن لا نقول لسورية والعراق إننا نشاركهما مواردهما النفطية، ولا يحق لهما القول إنهما تشاركانا مواردنا المائية، إنها مسألة سيادة.” يجب أن تتعامل الحكومة مع هذا الأمر بواقعية، حيث لا ينفعنا المطالبة بالإتفاقيات الدولية لتقاسم المياه في العالم، نعم يمكننا الإستمرار بل يجب الإستمرار بطرح هذا الأمر، ولكن النتيجة أن تركيا مستمرة ببناء السدود حيث بلغ عدد السدود التي أنشأت حتى الآن (٢٠٨) سد وعدد السدود تحت الإنشاء والمزمع إنشاءها (٢١٠) سد، حيث حين الإنتهاء منها سيحرم العراق من أكثر من ٩٥٪ من مياه دجلة والفرات القادمة من تركيا وسيتحول العراق إلى بلد صحراوي. إن السدود التركية المشيدة والمنوي إشادتها في المستقبل تغطي حاجتها من الكهرباء وهذا ليس له أي تأثير على كميات المياه، ولكن الخطورة في المياه المستخدمة للري، حيث إن المنتجات الزراعية لتركيا على صنفين، صنف للإستهلاك المحلي وصنف للتصدير، والتصدير هدفه الحصول على الأموال لدعم إقتصاد البلد، وبهذه الأموال تستورد تركيا الوقود وأغلبه من العراق، بإمكاننا أن نتفاوض مع الأتراك بمبدأ (نعطيكم من الوقود ما يسد حاجاتكم مجاناً وبالمقابل تعطونا من المياه ما يسد حاجاتنا)، إن حاجة تركيا من النفط الخام سنوياً يعادل ما يقارب١٠٪ من النفط الخام المنتج في العراق ويمكن أن يصل إلى ٥٪ في بضع سنين بعد زيادة الإنتاج النفطي إلى (١٢) مليون برميل في اليوم؛ إن الحفاظ على نهري دجلة والفرات والحفاظ على العراق كبلد زراعي والحفاظ على الأراضي الخضراء في العراق يستحق التضحية ب ١٠٪ من الإنتاج النفطي، ولكن ذلك الأمر يستدعي من الحكومة العراقية التحرك باسرع وقت لعقد اتفاقية مع الجانب التركي كما ذكرنا أعلاه لأيقاف ألأتراك عن الأستمرار ببناء السدود. للأسف الشديد أعتقد أن هذه الحكومة هي حكومة مشلولة لن تتخذ أي خطوة كبيرة للحفاظ على البلد وعلى مستقبله، لقد قدمت نصائح للحكومة في السابق لأيقاف سرقات المصرف المركزي، وقدمت لها مقترحات لتلافي الوقوع في وضع لن تكون قادرة على دفع معاشات الموظفين، ولكنهم للأسف يبقون في مواضعهم متفرجين وكأن الأمر لا يعنيهم، وكأننا لا يمكن أن نصل إلى يوم سنكون عاجزين عن دفع معاشات الموظفين، وكأن الدينار العراقي لا يمكن أن ينهار إذا ما أستهلك أحتياطي البنك المركزي كما هو متوقع خلال فترة تتراوح بين بضعة أشهر إلى سنتين على أبعد الحدود. أما أيران فقد تقلصت مياه روافد دجلة بشكل كبير، اما نهر كارون على شط العرب فقد غير مساره وانقطع بالكامل، وجفت الكثير من المزارع والبساتين في محافظة ديالى، وتوقفت الزراعة وهجر المزارعون أراضيهم في أغلب أراضي محافظة البصرة التي تعتمد على الري من شط العرب، حيث أمتد لسان من المياه المالحة من الخليج العربي إلى أعماق شط العرب. لقد تقلصت أعداد النخيل في البصرة من حوالي (١٣) مليون نخلة إلى حوالي (٢) مليون نخلة في يومنا الحالي وتحولت منطقة الفاو التي كانت مليئة بملايين النخيل وبساتين الفواكه بمسافة (١٢٠) كلم إلى أراضي بور وصحراء قاحلة، لقد بدأت المشكلة من ثمانينات القرن السابق في فترة الحرب العراقية الإيرانية، ولكن منذ عام ٢٠٠٣ بدأ الوضع يتدهور بشكل متسارع بسبب زيادة الملوحة وقلة المياه. وتم القضاء على كافة أشجار الحناء التي كانت تزرع بشكل تجاري واسع في منطقة الفاو بسبب زيادة ملوحة الماء. إن علاقة السياسيين العراقيين بالسياسيين الإيرانيين منذ السقوط حتى يومنا هذا علاقة جيدة، من مستوى دائرة رئيس الجمهورية إلى رآسة الوزراء والوزراء إلى رآسة مجلس النواب والنواب إلى أغلب الكتل السياسية والسياسيين في الساحة العراقية، أما أيران فهي دولة مؤسسات، وتعمل كل مؤسسة في مجالها خدمة لأبناء شعبها، المشكلة في السياسيين العراقيين والذين يذهبون بشكل دوري ومكوكي إلى الجمهورية الإسلامية في إيران لا يتصدون إلى تلك المواضيع، فكل همهم منصب على إستجداء التأييد الإيراني للبقاء على سدة الحكم، وإن طرحت مواضيع المياه فتطرح على إستحياء وبشكل خجول وكأمر ثانوي، وألإيرانيون عندما يشاهدون هذا الإهتمام الضئيل بمشكلة المياه من قبل السياسيين العراقيين فإنهم بدورهم لا يعيروا هذا الأمر أي أهمية، وبعد دخول داعش أصبح هم الكثير من السياسيين الحصول على صفقات الأسلحة والعتاد الإيراني، ومع رخص السلاح الإيراني وجودته ولكن أصبح هنالك عرف الحصول على عمولات بمقدار ٤٠٪ من قيمة السلاح للكثير من الجهات السياسية المتصدية لهذا العمل، مثل تلك الجهات لا يمكن التعويل عليها ولا يرتجى منها أي خير خدمة لأبناء شعبها. إن هذا ألأمر يتطلب الإطلاع عن كثب بتفاصيل مشكلة نقص المياه القادمة من أيران، وألإطلاع عن كثب عن معاناة الفلاحيين العراقيين، والتفاهم معهم عن الحد الأدنى للمياه التي يحتاجونها، ومن ثم التفاوض مع الإيرانيين بشكل جدي وتفصيلي بشأن هذه المشكلة وكيفية التعاون بين المؤسسات الإيرانية والعراقية في مجالات الري والزراعة، ومحاولة الحصول على الحد الأدنى من الماء وإستخدام أفضل الطرق للسقي وعدم هدر الماء، وإني مطمئن بل شبه متيقن أن ألجهات السياسية الإيرانية ستتعامل برحابة صدر وبإنفتاح في هذا المجال إن وجدت هذا الإهتمام من قبل السياسيين العراقيين، وهناك وسائل تقنية متعددة سنتناولها لاحقاً في المقالات القادمة، والجمهورية الإسلامية في أيران بدأت تستخدم الكثير من هذه التقنيات المتطورة، ولكننا في العراق لا زلنا نفتقر إليها؛ لا نريد من إيران إرجاع كامل مياه نهر كارون إلى العراق، ولكن نسبة معينة من المياه بحيث لا تؤثر سلباً على المزارعين والزراعة في أيران، وفي نفس الوقت تحيي الأراضي العراقية وتنهض مرة أخرى بالزراعة في تلك الأراضي التي أصبحت بوراً، وألأمر لا يقتصر عند هذا الحد بل يجب إقامة مشاريع أروائية سنتطرق إليها لاحقاً، فضلاً عن إستخدام التقنيات الحديثة في الري والتخلص من الأملاح سنتطرق إليها لاحقاً أيضاً. ونفس الشيء ينطبق بالنسبة للمزارع والبساتين في محافظة ديالى، بل كافة المحافظات والمناطق المتضررة من نقص المياه القادمة من إيران. [للموضوع بقية، ستطرح بعد إسبوع بمشيئة الله]
أقرأ ايضاً
- تراجع أسعار النفط مع توقع ضعف الإعصار في خليج المكسيك
- تعرف على أسعار صرف الدولار في أسواق العراق
- مصرف الرافدين يوسّع نطاق النظام المصرفي الشامل ليشمل 48 فرعاً