حجم النص
اللحظة التي نجهل روعتها هي التي نغادر فيها هذا العالم المتعفن بإعداد هائلة من اللصوص والقتلة والمتطرفين والسياسيين والدجالين .. حين تبدأ المشيئة بسحب الروح من زوايا الجسد المظلمة ، وتخرج من الأمكنة التي كانت تحتلها, وتبعث فيها الحركة, وطاقة الحياة... من قال إن الإحتلال أمر سيئ دائما؟ فهذه الروح المحتلة أسمهت عبر ملايين من السنين في تعمير أجساد الآدميين من النساء والرجال, ومنحتهم القدرة على الفعل وصناعة الأشياء الجميلة التي لم يقدر عليها سواهم . فليست الروح البشرية كبقية الأراوح التي تبعث الحركة في أجساد القرود والكلاب والحمير التي تقدم خدمات ,لكنها لا تقود العالم ,ولا تصنع مستقبلاً له.
ما فائدة البقاء والعيش في كنف هذا العالم لولا مشيئة الرب ؟ الرب دائما ينظر من عليين لمخلوقاته وهي تتجانس وتتوالد ، وتتحرك, وتأكل ,وتشرب ,وتصنع الأشياء ثم تموت ، وقد تتحول الى جماعات من القتلة بعتدي بعضها على البعض الآخر ، يسرقون أموال بعضهم ، يغتصبون نسائهم ، يحزون رقابهم ,يستولون على حيواناتهم وزروعهم ، يدمرون بيوتهم ، يهجرونهم من أوطانهم يفعلون بهم "الأفاعيل" ، وكل ذلك بعين الرب ,وتحت سيطرته ,وأقصد (البشر), وفي عالم الحيوانات غير العاقلة بإمكان ذئب متهور أن ينهي حياة نعجة طامحة تنتظر الصباح لترضع صغيرها دون أن تدري أن قطيعا من الذئاب يتربص في أطراف الصحراء.
وبإمكان ثعلب ماكر ,وفي ظلمة حالكة أن يتسلل الى قن دجاج في بيت نام أصحابه, ويسرق دجاجة حالمة ,ويذهب بها الى المجهول ,ثم يلتهمها دون أن يبال بذكرى بيضات كن تحتها ، أو فراخ "يوصوصن" بإنتظارها.! وبإمكان أسد متكبر أن يأمر بجلب أي غزالة لتكون بين يديه يقطعها إرباً إربأ ويأكل من لحمها الذي يحلم به ملايين الآدميين!.
مررت بصديق برز في مؤخرته ورم أصابه بالألم والعناء ، قيل له إنه ناسور, وهو شقيق للبواسير التي تضرب بمؤخرات ملايين البشر حول العالم ، يتحمل وخزات الحقن ، ويرضى أن يكون حقل تجارب مثل بقية الفئران ,ويتلقى أنواع النصائح لعله يشفى ,ولا يشفى .
آخر أصابته الحمى ، وثالث أصابه داء قاتل لا أمل في شفائه ,وثلاثتهم سيغادرون هذا العالم. فبإمكان مشرط جراح أن يزيل الناسور من مؤخرة صديقي ,ولعل الحقن تشفي الحمى ، وربما أجلت المسكنات نهاية الثالث . لكن في النهاية ستنسحب الروح من أجسادهم ، وستغادر الى الأفق المفتوح ، بينما تنقل اجسادهم لتطمر في حفرة معدة مسبقا يهال عليها التراب ، وبعد ساعات تبدأ عملية التحلل ، التي يصاحبها هجوم من عدة محاور لديدان بيضاء صغيرة ,وربما حشرات تستمر في إنتهاك سيادة الجسد ,ولا تبقي منه بعد مدة سوى العظام التي تنفصل عن بعضها.
بعد سنوات طويلة وحين أمر دكتاتور بغداد بتدمير المقابر في النجف هرعنا لنقل ما تبقى من رفات موتانا ، وكل أسرة أخرجت عزيزاً ، لم يتبق منه شيء ، كانت جدتي نائمة في قبرها ,وقد طال شعرها مع إمتداد الجسد ,لم تأكلها الأرض ، ولم تقترب منها الديدان ، بينما بقية الأموات جوارها لم يتبق منهم سوى العظام ، كنت في حياة جدتي أتصورها من جنس الملائكة, كانت طيبة ، لم تكن متعلمة ، لا تقرأ ,ولا تكتب, لكنها كانت عالمة . فلنغادر هذا العالم الحقير .
أقرأ ايضاً
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟
- توقعات باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة والخوف من غليان أسعار النفط العالمي
- هل سيشهد العالم موت الأمم المتحدة؟