لم يتبق سوى ساعات لإجراء التعداد السكاني، الأول منذ نحو ثلاثة عقود، لكنه يواجه مجموعة من المخاوف نتيجة ما ستفرضه بيانات هذا التعداد على الواقع السياسي والبرلماني في العمليات الانتخابية المقبلة، وما تفرزه من محاصصة على التمثيل وتقاسم المناصب والامتيازات بين ممثلي الشعب.
وشهد العراق آخر تعداد عام للسكان شمل جميع محافظاته سنة 1987، ورغم أن البلد أجرى تعدادا آخر للسكان في 1997، إلا أنه لم يشمل محافظات إقليم كردستان العراق، لأنها كانت شبه مستقلة في عهد النظام السابق.
وبمفهومه الاعتيادي، يعتبر الهدف من التعداد هو جمع بيانات اقتصادية وتنموية، مع تأكيد وزارة التخطيط عبر المتحدث الرسمي عبد الزهرة الهنداوي، على إقرار الاستمارة الرسمية للتعداد بشكلها النهائي حتى مع استمرار وجود اشاعات حول الغاء فقرة القومية لكل مواطن.
وحول ذلك، يقول، المحلل السياسي والأكاديمي عائد الهلالي، إن “نتائج التعداد السكاني العراقي قد تفرض واقعا جديدا في المحاصصة السياسية، وذلك لأسباب عدة تتعلق بتوزيع السكان على المحافظات والمناطق، مما سيؤثر بشكل مباشر على توزيع الحصص السياسية بين المكونات المختلفة في العراق على الرغم من تصريحات الاطمئنان التي أطلقتها الوزارة من أن التعداد سوف يكون في خدمة التنمية ومعالجة المشكلات الأساسية ذات المساس بحياة المواطن العراقي”.
ويضيف الهلالي، “إذا أظهرت نتائج التعداد السكاني تغييرات كبيرة في التركيبة السكانية للمناطق أو في عدد السكان في بعض المحافظات، قد تتأثر التوازنات السياسية الحالية التي تعتمد جزئيا على توزيع السكان”، مشيرا إلى أن “التأثير يمكن حصوله من خلال عدة نقاط أولها هو تعديل الحصص الانتخابية لأن التعداد السكاني قد يعكس تغييرات في عدد المقاعد البرلمانية المخصصة لكل محافظة وفقًا للعدد الفعلي للسكان، مما قد يؤدي إلى إعادة توزيع المقاعد في البرلمان. هذا قد يُعيد ترتيب القوة السياسية في بعض المناطق ويؤثر على توازن القوى في البرلمان”.
ويبين أن “النقطة الأخرى القابلة للتأثر هي توزيع الموارد والميزانيات، لأنه إذا أظهرت النتائج زيادة أو انخفاضا في عدد السكان في بعض المناطق، فقد يتم تعديل تخصيصات الميزانية والتعويضات المالية بين المحافظات، ما سيؤثر على المحاصصة الاقتصادية أيضا، فضلا عن إمكانية تأثيره بتعديل التحالفات السياسية، لأن الكتل قد تعيد ترتيب تحالفاتها بناءً على التحولات السكانية الجديدة، وقد يشهد العراق إعادة نظر في التحالفات السياسية بين المكونات المختلفة وفقا لتغير توزيع السكان والمصالح المرتبطة بذلك”.
ويرى المحلل السياسي، أن “النتائج ستؤثر أيضا في الصراع على المناطق المتنازع عليها مثل كركوك والموصل وغيرها، قد يؤدي التعداد السكاني إلى إعادة تقييم مناصب السلطة في هذه المناطق، وهو ما قد يثير توترات سياسية جديدة”، مؤكدا أنه “بالتالي، فإن التعداد السكاني قد يكون نقطة تحول في مستقبل المحاصصة السياسية في العراق، خاصة إذا أسفر عن نتائج غير متوقعة تؤثر على توزيع السلطة والمصالح بين المكونات المختلفة”.
يذكر أن تعداد العراق لعام 1957 كان ثاني تعداد سكاني في تاريخ البلاد تحت حكم المملكة العراقية، ووفقا للنتائج التي أُعلنت، بلغ إجمالي عدد سكان العراق في ذلك العام 6,339,960 نسمة.
وسيجرى التعداد العام للسكان، في 20 تشرين الثاني الجاري، وهو الأول الذي يشمل جميع مناطق العراق منذ العام 1987، بمشاركة 120 ألف باحث ميداني أو عداد في العملية سيتوزعون على كل المناطق، حيث يتولى كل واحد منهم إجراء التعداد في مكان محدد بعمل يستمر لمدة يومين.
أما من حيث نوعية التعداد المزمع إجراؤه، فهو التاسع بتاريخ العراق الحديث، وستطوي من خلاله مؤسسات الدولة صفحة الإحصاءات والأرقام الصادرة عن المعاهد والمنظمات الخاصة بهذا الشأن والتي يتم الاعتماد عليها منذ سنوات.
من جانبه، يرى القيادي في تيار الحكمة، فهد الجبوري، أن “التعداد السكاني مهم في الوضع الاقتصادي والعدد الرسمي للواقع الشعبي وفي جانب المحاصصة السياسية وحجوم أعضاء مجلس النواب لكل محافظة”، معتبرا أنه “سيكون مؤثرا أيضا، لأن كل الأطراف السياسية منذ سنوات تعطي أرقاما تخمينية تؤخذ من وزارات التخطيط والتجارة والداخلية لعدم وجود أرقام واضحة”.
ويؤكد الجبوري، “سابقا كانت هناك مخاوف في إقليم كردستان العراق حول التعداد، ولكن خلال الأيام الأخيرة تم إنجاز كل شيء ووصلت عمليات الحصر والترقيم إلى نسبة 97 بالمئة”، مؤكدا أن “عدد أعضاء البرلمان لكل محافظة يمكن تغيره بحسب النتائج”.
ويلفت إلى أن “النتائج يمكنها أيضا فرض الذهاب باتجاه فهم استمرار تمثيل النائب الواحد لـ100 ألف نسمة أو أقل أو أكثر حسب الكثافة السكانية بعد اكتمال التعداد”، موضحا أن “التعداد سيكون له بصمة واضحة في المحاصصة السياسية وأحجام الكتل الحالية والقادمة في كل انتخابات يتم إجراؤها”.
وفي صدد الإجراءات الأخيرة، أصدر مجلس الوزراء، حزمة قرارات بدأت بالتأكيد على الالتزام بقرار المحكمة الاتحادية رقم (73) الصادر عام 2010 الخاص بالتعداد العام للسكان، الذي فصل بين الإحصاء السكاني الوارد في المادة 140 وبين التعداد السكاني المقرر إجراؤه في العراق، كما قرر المجلس إجراء العمل بالتعداد في المناطق المتنازع عليها من قبل فريق مشترك من العرب والكرد والتركمان، مع إضافة فرد من الديانة المسيحية للفريق في المناطق ذات الغالبية المسيحية.
ونصت قرارات المجلس أيضا، على إجراء هيئة الإحصاء الاتحادية بالتعاون مع هيئة إحصاء إقليم كردستان العراق ووزارة الداخلية، مقارنة لجداول بيانات الوزارات التالية مع نتائج التعداد في: سجلات وزارة الداخلية، تعداد عام 1957 وتحديثاته، وسجلات وزارة التجارة، وبيانات وزارة الهجرة والمهجرين، كما وتضمنت الالتزام بتنظيم جداول إحصائية حول أعداد المرحلين والوافدين والنازحين في المناطق المتنازع عليها والمحافظات الأخرى حسب الوثائق الرسمية.
ومع كل الجو السياسي المشحون هنا وهناك حول ما سيعكسه التعداد، يعتقد القيادي في ائتلاف النصر، أحمد الوندي، أن “الدولة بحاجة للأدوات الإحصائية التي تساعد الحكومة في تجاوز العوائق التنموية، بحيث لا تقتصر النتائج على خلق واقع جديد للمحاصصة السياسية، بل على العكس، يمكن أن تكون رافعة لتحقيق الشفافية وتعزيز الثقة بين الدولة والمواطن، عبر توزيع الموارد بشكل عادل وبناء سياسات تخدم الجميع”.
ويقول الوندي، إن “نتائج التعداد السكاني تمثل خطوة محورية في مسيرة التنمية والتخطيط، حيث تُعد هذه النتائج مرآة تعكس التغيرات السكانية والديموغرافية للمجتمع”، مضيفا أنه “من هذا المنطلق يجب فهم أن التعداد السكاني هو أداة تخطيطية وإحصائية بحتة، تهدف إلى رسم صورة شاملة وواقعية تساعدنا في وضع استراتيجيات وطنية شاملة تلبي احتياجات الشعب وتعزز من العدالة الاجتماعية”.
ويخلص القيادي، إلى أن “الهدف الأساس من هذا التعداد ليس سياسيا، بل يسعى إلى خدمة الجميع دون تمييز أو انحياز، ويصب في خدمة الدولة بشكل عام من خلال توفير بيانات دقيقة تدعم صناعة القرار الرشيد”، موضحا أن “التعداد يتيح للحكومة وضع خطط مستقبلية تستند إلى بيانات موثوقة، سواء في مجالات الصحة أو التعليم أو الإسكان أو النقل أو البنية التحتية”.
ويتابع، أنه “على ضوء هذه البيانات، تستطيع الدولة توجيه الاستثمارات بشكل أفضل، وتحديد المناطق الأكثر حاجة للتطوير وتحسين الخدمات فيها، مما يسهم في تعزيز الرفاهية وتحقيق التوازن بين مختلف مناطق البلاد”.
المصدر: العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟
- مع اقتراب موعده.. هل تعرقل المادة 140إجراء التعداد السكاني؟