القاضي عامر حسن شنتة
يتمتع الوزراء بمناسبة أداء أعمالهم الوظيفية،بسلطات واسعة خولهم إياها القانون.بهدف انتظام سير المؤسسات التي يديرونها،وتحقيق سياسات الدولة وخططها في التنمية.ويحدث أن ينحرف البعض منهم عن تلك الغايات.ويعمد إلى إساءة استعمال السلطات المخولة له، ويتجاوز حدود وظيفته بشتى الطرق.خاصة في البلدان التي تغيب فيها الرقابة أو تضعف عن أداء دورها في سد مسارب الفساد ومعاقبة مرتكبيه.فإذا ماارتكب أحد الوزراء مايخالف واجباته الوظيفية.سواء أكان ذلك هدرا للمال العام أو رشوة أو اختلاساً أو غير ذلك.فمن هي المحكمة المختصة بالتحقيق معه ومحاكمته؟ هل يختص القضاء العادي بذلك انسجاماً مع ولايته العامة على الأشخاص،أم أن هنالك محاكم متخصصة بمحاكمة الوزراء؟
اختلفت الدساتير والنظم القانونية في ذلك. فقد جعلها البعض للمحاكم الجزائية الاعتيادية، في حين ذهبت اغلب التشريعات الى اناطة تلك المهمة بالمحاكم العليا فيها. ربما لخصوصية المنصب الوزاري والذي يعده الكثيرون منصباً سياسياً لا وظيفياً.
ففي مصر نظم قانون محاكمة الوزراء في الاقليمين المصري والسوري رقم 79 لسنة 1958 (النافذ)،آلية التحقيق مع الوزراء ومحاكمتهم.حين نص على تشكيل محكمة عليا مؤلفة من اثني عشر عضواً، ستة منهم يتم اختيارهم من مجلس الأمة والستة الأخرون يتم اختيارهم من أعضاء محكمة النقض.أما الدستور اللبناني فقد نص في المادة (80)منه، على اختصاص (المجلس الأعلى) بتلك المهمة والذي يتألف من سبعة نواب ينتخبهم مجلس النواب، وثمانية من أعلى القضاة اللبنانيين رتبة.وكذلك فعلت فرنسا حين نصت في المادة (68/2)من دستورها الصادر في عام 1958 على اختصاص (محكمة الجمهورية) بمحاكمة الوزراء،والمؤلفة من خمسة عشر عضواً منهم اثنا عشر برلمانياً، وثلاثة من قضاة محكمة النقض.ومن تلك الدول أيضاً اليمن،والكويت التي أصدرت قانون محاكمة الوزراء رقم 88 لسنة 1995 المعدل بالقانون رقم 29 لسنة 2014.والسعودية التي أصدرت نظام محاكمة الوزراء الصادر عن مجلس الوزراء في عام 1380هجري.وغير ذلك كثير.
أما في العراق فقد نصت المادة (93/سادساً) من الدستور على اختصاص المحكمة الإتحادية العليا بالفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية،ورئيس مجلس الوزراء والوزراء. وعلقت الأمر على إصدار قانون ينظم الكيفية التي يجري فيها التحقيق والمحاكمة،وفي الوقت الحاضر فأن المحاكم الجزائية على اختلاف أنواعها ودرجاتها تختص بالفصل في تلك الاتهامات.ولابد من التنويه إلى أن العراق سبق الدساتير والتشريعات كافة في إناطة اختصاص محاكمة الوزراء بالمحاكم العليا،إذ نصت المادة (الحادية والثمانون)من القانون الأساسي العراقي الصادر عام 1925.على اختصاص محكمة عليا مؤلفة من ثمانية أعضاء عدا الرئيس.ينتخبهم مجلس الأعيان من بين أعضائه،وأربعة من كبار الحكام(القضاة).
يتضح مما سبق أن الجهات التي تتولى محاكمة الوزراء قد تكون جهات قضائية خالصة تارةً،وقد تكون جهات مختلطة مع المجالس التشريعية تارةً أخرى، ويرى البعض أن إشراك أعضاء المجالس التشريعية في محاكم تمارس عملاً قضائياً صرفاً،لن يزيد المشاكل إلا إعضالاً.حيث ستفعل الإرادة السياسية فعلها في تعطيل محاسبة ومعاقبة الوزير، الذي قد يكون من حزبها أو طيفها السياسي.وقد حسم المشرع العراقي أمره حين أناط الأمر بالمحكمة الاتحادية العليا (المؤلفة من قضاة وخبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون)على وفق مانص عليه الدستور.ولم يبقَ سوى أن يشرع قانوني المحكمة الاتحادية ومحاكمة الوزراء، من قبل مجلس النواب العراقي.وعلى وفق آليات واضحة ومحددة.وان تتم الاستفادة عند تشريع قانون محاكمة الوزراء من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا الميدان.
أقرأ ايضاً
- متى يُقدم سراق أموال الكهرباء للمحاكمة ؟
- الرأي العام.. وحيادية المحاكمة
- رسالة الى السيد رئيس الوزراء العراقي المحترم