![](https://non14.net/https://www.non14.net/public/index.php/images/large/8-1738143174.jpg)
في عالم مليء بالأحلام والفرص، يختار بعض الطلبة أن يودعوا حياتهم في صمت قاتل. لا صرخات، ولا تلميحات. فقط قرار نهائي، قد يبدو للكثيرين مفاجئاً، ولكن إذا نظرنا عن كثب، سنجد أن الطريق إلى هذه النهاية بدأ منذ وقت طويل.
ما الذي يدفع شاباً في ربيع عمره، كان يفترض أن يكون غارقاً في طموحاته وآماله، إلى اتخاذ قرار بالانتحار؟ هل هو مجرد ضعف؟ أم أن هناك شيئاً أكبر، مستتراً وراء القلق والضغط، والتوقعات التي لا تنتهي؟.
في هذا الصدد، يقول المستشار الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور عدنان ياسين محمد: إن هناك أسباباً رئيسة عدة لظاهرة الانتحار بين الطلبة، من أبرزها الضغط الكبير الذي يتعرضون له من قبل أسرهم للحصول على معدلات عالية تؤهلهم للالتحاق بكليات مرموقة، مضيفاً "في بعض الحالات، لا يستطيع الطالب تحقيق هذه المعدلات بسبب ظروفه الاجتماعية والاقتصادية، ما يؤدي إلى الشعور بالإحباط".
وأشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تسهم في تحفيز وتشجيع مثل هذه الأفكار، إضافة إلى غياب التوعية الكافية حول مخاطر الانتحار. ومن العوامل الأخرى التي تزيد من الضغط النفسي، يؤكد الدكتور عدنان ياسين أنها تتعلق بالوضع المعاشي والاقتصادي الذي يعاني منه العديد من الطلبة وأسرهم، حيث يصعب عليهم توفير الدروس الخصوصية في المعاهد الخاصة، إذ يقتصر تعليمهم على المدارس الحكومية، وهو ما يعتبره البعض أقل فاعلية مقارنة بالتدريس الخاص.
وفي ما يتعلق بالحلول الممكنة، أكد أهمية توفير مكاتب للصحة النفسية في الكليات والجامعات لتقديم الدعم النفسي للطلبة الذين يعانون من الاكتئاب أو القلق أو التفكير في الانتحار. كما شدد على ضرورة نشر التوعية بالصحة النفسية بشكل عام وبمخاطر الانتحار بشكل خاص، من خلال الدورات التربوية والإرشادية الوقائية.
وأوضح المستشار أيضاً أن الطلبة بحاجة إلى مساحة للراحة والاسترخاء، خاصة في ظل غياب الأنشطة الترفيهية في المدارس، مثل حصص التربية الرياضية والفنية التي يتم استبدالها بمناهج أكاديمية أخرى، فضلاً عن غياب تنظيم الرحلات المدرسية أو الأنشطة التي تسمح للطلبة بالتنفيس عن ضغوطهم، ما يؤثر بشكل سلبي في صحتهم النفسية.
وأكد الدكتور عدنان أن ظاهرة الانتحار لا يقتصر تأثيرها على الفرد فقط، بل تمتد لتؤثر في الأسرة والمدرسة والمجتمع ككل، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى إحباط باقي الطلبة وتدني مستوياتهم الأكاديمية، ما يخلق حلقة مفرغة قد تؤدي إلى مزيد من حالات الانتحار.
عن هذا الموضوع، تحدث الأكاديمي علي محسن ياس العامري، رئيس قسم الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي في الجامعة المستنصرية وعضو اللجنة الوزارية المكلفة بدراسة ظاهرة الانتحار، مؤكداً أن الضغوط النفسية والأسرية والدراسية التي يتعرض لها الطلبة يومياً تُعد من العوامل الرئيسة التي تدفعهم إلى التفكير في الانتحار.
ويشير العامري إلى أن بعض المواقف الدراسية، مثل الإعلان عن نتائج الامتحانات النهائية خاصة في المرحلة الإعدادية، قد تزيد من احتمالية تفكير الطلبة في الانتحار، مبيناً أن العديد من الطلبة يشعرون بالانهيار النفسي بسبب عدم تحقيق توقعات أسرهم بالتفوق، خصوصاً في دخول المجموعة الطبية.
ويضيف أن الأسرة تلعب دوراً كبيراً في زيادة الضغوط على الطلبة، حيث أن بعض الأسر لا تتحمل فشل أبنائها في تحقيق النتائج المرجوة، ما يدفع الطلبة إلى اعتبار الانتحار مخرجاً من هذه الضغوط.
وفي ما يتعلق بالوقاية، ينوه العامري إلى وجود مقاييس نفسية لقياس التفكير الانتحاري والميل نحو السلوك الانتحاري، تم تعميمها في مراكز الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي بالمدارس الإعدادية. ومع ذلك، يلاحظ أن بعض المدارس تفتقر إلى وجود مرشدين تربويين لمتابعة الحالات النفسية والسلوكية للطلبة.
وتابع العامري "كما توجد برامج إرشادية وقائية تهدف إلى منع الطلبة من التفكير في الانتحار، إضافة إلى برامج تعزز الثقة بالنفس وتنمي القدرات والمهارات الفردية، مشدداً في الوقت نفسه على أهمية دور الأسرة في تخفيف الضغوط عن الطلبة خلال فترة الامتحانات".
وأكد أن الصحة النفسية والسلوكية والجسدية للطلبة لا تعوض إذا فقدت. ويذكر أن الذكاء والقدرات تختلف من شخص لآخر، ويجب على الأهل تقبل هذه الفروق الفردية وعدم تحميل الطلبة ما يفوق طاقتهم، داعياً إلى ضرورة التعامل مع الطلبة بفهم ومراعاة للضغوط التي يواجهونها، مع أهمية توفير الدعم النفسي والتربوي المناسب لهم. كما يلفت الانتباه إلى أهمية وجود مرشدين تربويين في المدارس لمتابعة الحالات النفسية والسلوكية للطلبة، وتنفيذ البرامج الوقائية التي تساعد في تجنب التفكير في الانتحار.
ويؤكد الخبير الأمني سرمد البياتي وجود ارتباط كبير بين الصحة النفسية للطالب وتأثيرها بالوضع الأمني العام في البلاد، إضافة إلى الظروف الأسرية والاجتماعية داخل المنزل والمنطقة والمحافظة. وأوضح أن هذه العوامل مجتمعة تؤثر بنسب متفاوتة في الصحة النفسية للطلبة، ما قد يؤدي إلى زيادة خطر الانتحار.
وأشار البياتي إلى أن الانتحار يحدث لأسباب متعددة، منها اقتصادية وأمنية، خاصة في المناطق التي تشهد اضطرابات. ولذلك، أكد ضرورة تنظيم حملات تثقيفية لتوضيح أن البلاد تمر بمراحل مختلفة، وأن الوضع الحالي مستقر نسبياً، لكن ما زال هناك حاجة لتعزيز الوعي حول الصحة النفسية.
وأضاف أن هناك حاجة ماسة إلى عقد حلقات ثقافية وتوعوية يقوم بها الملاك التدريسي في المدارس والمعاهد والجامعات، بدعم من الجهات المعنية مثل الشرطة المجتمعية أو فرق مكافحة الشائعات. كما أشار إلى أهمية وجود مختصين في الأمن يتحدثون مع الطلبة بمستوياتهم المختلفة، لفهم طبيعة تفكيرهم وتقديم الدعم النفسي والأمني المناسب.
واختتم البياتي بأن هذه الخطوات التوعوية والثقافية يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في الحد من ظاهرة الانتحار، من خلال تعزيز الوعي وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للطلبة في مختلف المراحل الدراسية.
في هذا السياق، صرح مدير الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية، العميد علي عجمي، بأن هناك بعض التحديات التي تواجه عمل الشرطة المجتمعية في صدد حالات الانتحار، إلا أنها تعمل على مواجهتها ومعالجتها وتقليل تأثيرها من خلال نشر الوعي المجتمعي وتعزيز التعاون مع الجهات المختلفة.
وأوضح أن الشرطة المجتمعية تعمل بالتنسيق مع الجهات الصحية والنفسية لتسهيل إدخال منتسبيها في دورات تدريبية تهدف إلى التنبؤ بحالات الانتحار. كما تم الوصول إلى الفئات المعزولة التي يصعب عليها التواصل مع الشرطة المجتمعية، مثل كبار السن والشباب الذين يعيشون في عزلة، من خلال توفير حلول مثل برامج تدريبية لأفراد الشرطة حول الصحة النفسية، وتعزيز الشراكات مع المختصين النفسيين.
وأضاف عجمي أن الشرطة المجتمعية قامت بتكثيف الحملات التوعوية لتقليل الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالصحة النفسية، وتطوير أنظمة تقنية لتحليل السلوكيات ومتابعة الإرشادات التحذيرية. كما يتم تنظيم محاضرات وندوات توعوية حول مواضيع مثل الصحة النفسية والبيئية والسلامة العامة.
وأشار عجمي أيضاً إلى أن التعاون بين الشرطة المجتمعية والمدارس يهدف إلى تحديد الطلبة المعرضين للخطر وتوفير بيئة آمنة وداعمة لهم. ويأخذ هذا التعاون أشكالاً متعددة، منها التواصل المستمر مع إدارات المدارس، حيث يتم إلقاء محاضرات وإقامة ورش عمل وندوات توعوية. كما يُسمح للشرطة المجتمعية بزيارة المدارس أسبوعياً للمشاركة في مراسيم رفع العلم وأنشطة التوعية.
وتشمل هذه الجهود تنظيم برامج مشتركة لتثقيف الطلبة والمعلمين، وخاصة المرشدين التربويين، حول المخاطر التي قد تواجه الطلبة مثل تعاطي المخدرات والجريمة والتنمر، وكيفية التعامل معها. إضافة إلى ذلك، يتم تدريب المعلمين والإداريين على التعرف المبكر على علامات الخطر لدى الطلبة، مثل التغيرات السلوكية والغياب المتكرر أو التراجع الدراسي.
وأكد مدير الشرطة المجتمعية أن تعزيز دور الأسرة في الوقاية من الانتحار يتطلب جهوداً شاملة تشمل التوعية والدعم النفسي والتعاون مع الجهات المعنية. ومن أهم واجبات الشرطة المجتمعية تقديم حملات توعوية للأسر حول علامات الاكتئاب والأفكار الانتحارية، وتشجيع الأسر على العمل مع الجهات المختصة وتسهيل وصولها إلى الخدمات الاستشارية. كما شدد على أهمية مساعدة أفراد الأسرة على بناء ثقتهم بأنفسهم وتحفيزهم على التعبير عن مشاعرهم بشكل صحي.
بدورها، أوضحت عضوة لجنة حقوق الإنسان النيابية، زينب جمعة الموسوي، أن معالجة ظاهرة الانتحار، سواء على مستوى البرلمان أو الهيئات الحكومية، تعتمد على جهود تشريعية وتدابير وقائية تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة المؤلمة.
وأضافت أن هذه الجهود تشمل تعديل القوانين المتعلقة بالصحة النفسية لتحسين خدماتها وتقديم الدعم النفسي للأفراد المعرضين للخطر، وذلك من خلال تعزيز تمويل المستشفيات النفسية وتوفير برامج علاجية مبتكرة.
كما أشارت إلى أهمية التوعية المجتمعية عبر توفير برامج تثقيفية تهدف إلى تعريف المجتمع بالمخاطر النفسية المرتبطة بالانتحار وكيفية التعامل مع الأشخاص المعرضين للخطر.
وأضافت أن بعض الدول تعمل على تشديد العقوبات ضد نشر المحتوى المؤذي الذي يشجع على الانتحار أو يؤثر سلباً في الصحة النفسية.
وشددت الموسوي على ضرورة دعم الأسرة والمجتمع من خلال تشريع سياسات توفر موارد ومراكز دعم للأفراد الذين يعانون من مشكلات نفسية، بهدف تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي. كما ذكرت أهمية تطوير التشريعات الوقائية، مثل فرض قيود على وسائل الوصول إلى الأساليب الشائعة للانتحار كالأسلحة والسموم، وتوفير خيارات علاجية ورعاية للمصابين بالاكتئاب أو الاضطرابات النفسية.
واختتمت عضوة لجنة حقوق الإنسان، النائبة زينب الموسوي، حديثها بالتأكيد على أن هذه الجهود تختلف في نطاقها وأسلوبها حسب التشريعات والظروف المحلية لكل دولة، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات تمثل جزءاً من الجهود المحتملة التي يمكن أن تسهم في الحد من ظاهرة الانتحار.
المصدر: صحيفة الصباح
أقرأ ايضاً
- اقتراب الانتخابات يشعل حرب "الدعاوى القضائية" بين الرئاسات والمحافظات
- تعالج الآفات والحشرات المعروفة والوافدة.. زراعة كربلاء تنفذ (16) حملة وقاية مجانية للمزروعات سنويا
- خسارة (6) ملايين لتر وانهيار منظومة.. الاسباب الحقيقية لما حصل في ثنائية الكهرباء والمولدات