طالب عباس الظاهر
لعله من أولى ما يجب أن يتصف به الناصح الحقيقي من صفات شخصية، هو أن يكون متديناً.. ومعروفاً برجاحة عقله وسمو أخلاقه، ممن أمتلك رؤية موضوعية دقيقة للأمور، نتيجة تجارب وخبرات طويلة في الحياة، وذا أفق واسع في رؤيته.. يعني يتوفر على رؤية محايدة غير منحازة، وهذا ما يجب أن ينعكس في تحليلاته الدقيقة، وتفسيراته العقلانية لمجريات الأحداث والوقائع.
أي إنه لا ينطلق في نصحه وفي رؤيته من هوى في نفسه أو انفعال آني يعتمل في صدره، أو استجابة لأغراض ومصالح شخصية أو فئوية ضيقة.. بل إنه يقدم ما يقدم خالصاً لوجه الله تعالى، ويطلب به مغفرته ورضوانه.. حرصاً منه على مصلحة البلاد والعباد، وخوفاً عليهما من عاقبة الغفلة التي أحياناً تشغل الإنسان عن حساب عواقب بعض تصرفاته غير الصحيحة.. سواء كانوا هؤلاء الذين يقدم لهم النصح من الأقربين كالأهل والأقرباء والأصدقاء، أو سواهم من الناس أجمعين.
وسنعرف مدى صدق الناصح بنصيحته من خلال الإجابة عن السؤال التالي:
تخدم مَن هذه النصيحة؟ أهي تصب في مصلحته الشخصية أم بمصلحة الناس؟
النصيحة
هي إحدى الوسائل التي يستخدمها الأنبياء والرسل عليهم السلام، منذ بعثهم الله تعالى لتبليغ الناس رسالات السماء، فقط من اجل هدايتهم الى صراط مستقيم، ومن ثم سيكون هذا هو ذاته منهج من سار على أثرهم من الأولياء والصالحين والأخيار من الناس الآخرين، سبيلاً الى توضيح ما قد ُيشكِل أمره، ولا يحسن تقديره من الأمور والأحداث، وغالباً ما تكون النصيحة موجهة الى فئة معينة من المنتفعين والمتحكمين برقاب الناس.. إذ إن الناصحين لا يمتلكون سواها، وأعني بذلك النصيحة.. ليقدموها لمثل هؤلاء لإرشادهم الى طريق الحق والصواب، وكذلك تحذير الناس، وربما تذكيرهما بعواقب السير في طريق الخطأ والضلال، والإعراض عن النصح والناصحين الحقيقيين.
لاريب إن النصيحة هي الأداة الوحيدة المتاحة في بذل التحذير، وإضاءة العتمة في الأذهان.. يعني (تبصرة) لما قد يعترض طريقهم في الحياة من مطبات ومعضلات أو اغراءات، وربما شبهات تخلط عليهم حقيقة الأشياء، وقد تودي بهم الى المهلكة؛ إن لم يعوا ويأخذوا بكلام من يتصدى من أصحاب النصح الحقيقي في مواجهة مثل هذه المطبات والمعضلات والإغراءات، وبيان حقيقة وخفايا ما تنطوي عليه بعض التصرفات من المخاطر والتي قد تغيب عنهم عواقبها، ومن ثم محاولة توضيح طرق التصرف الصحيح في مواجهتها.
أهمية النصيحة
تكمن الأهمية للنصيحة والناصحين الحقيقيين في إن الناس.. لطيبة في قلوبهم، أو لعله لقصور في اطلاعهم على بعض الأمور وخفاياها، وعلى بعض الأحداث وتعقيداتها، أو ربما لجهل لما ستجره الغفلة من ورائها من مخاطر، ومن نتائج مستقبلية وخيمة؛ تراهم لا يبالون.. بل تراهم في غفلة يعيشون.
مما يغري بعض أصحاب المصالح الدنيئة في التمادي في غيّه باستغلال الناس.
نعم، إن من لا يبالي بما يحيط به من أحداث ومخاطر، ولا يحاول أن يستبين ما يدور حوله؛ تراه تنطلي عليه بسهولة خدع بعض المخادعين.. من خلال معسول الكلام الذي يريه فقط ما يحب، ويخفي عنهم ما يكره.. ببسط وعود عريضة، وشعارات براقة، وربما تقديم بعض الإغراءات المادية.. إذ إن الناس تتفاوت في مدى استيعابهم الأحداث وليس كلهم على مستوى عال من الوعي.
وهنا تبرز أهمية أصحاب الرؤية الواسعة والعقل الراجح في بذل النصيحة للناس، وتوضيح ما قد يصعب عليهم فهمه وتفسيره من تداعيات بعض الأحداث والأمور، من أجل تبصرتهم، ومن ثم ارشادهم الى طريق الحق والصواب.. لما فيهم خير دينهم ودنياهم.