عباس الصباغ
كان مؤتمر دافوس بمثابة فرصة لتأكيد رغبة دول العالم وشركاتها في الدخول بقوة إلى العراق، وكان بادرة خير للعراق حيث تفهّم المجتمع الدولي حاجة العراق الى اعادة اعماره، وترجم صندوق النقد الدولي عمليا هذه الحاجة في مؤتمر الكويت وتحت اشراف اممي وبمشاركة دولية واسعة تدل على اهمية مد يد العون لدولة كانت وماتزال ساتر الصد الامامي في مقارعة الارهاب الذي لم يسلم منه احد، فالعراق الذي انتصر على الارهاب بفضل تكاتف ابنائه وتلاحمهم وتراصهم كالبنيان المرصوص وهو ما ادى في النهاية الى تحقيق النصر المؤزر، لقادرٌ على ان يخوض معركة الاعمار وينتصر فيها، ولكن للحرب الضروس ضريبتها القاسية من الدماء والارواح والبنى التحتية، فالمعركة ضد تنظيم داعش كانت نوعية وغير مسبوقة في تاريخ الحروب، والهدف منها كان بالدرجة الاساس تحرير الانسان قبل الارض فهي وان حدثت في مناطق مأهولة بالسكان ومن زقاق الى زقاق وضد عدو غاشم لم يتورع عن استخدام اخسّ الاساليب في ضرب الانسان وتهديم البنى التحتية، تبقى معركة نظيفة بكل المقاييس حافظت فيها القوى الامنية على جميع مبادئ حقوق الانسان وراعت وبكل حذر عدم المساس بالبنى التحتية، فالمجتمع الدولي يدرك جيدا الواقع الخدماتي الصعب في العراق فالمناطق التي عمها الخراب هي في الاساس كانت تعاني من تدني في مستوى الخدمات، فضلا عن ان معظم المحافظات العراقية التي كانت توصف بانها امنة نسبيا كانت تعاني وماتزال من تدني في نسب خدمات البنى التحتية، فجاء مؤتمر الكويت متضمنا ابعادا تنموية وحيوية عدة اذ شهد مشاركة القطاع الخاص للإسهام في اعادة اعمار العراق الى جانب البنك الدولي بصفته مساهما رئيسيا في المؤتمر بغرض توفير الضمانات الاستثمارية المطلوبة لشركات ومؤسسات القطاع الخاص للمشاركة في تنمية العراق باعتباره المكان الافضل للاستثمار في العالم ككل.
اسوق هذه المقدمة لاوضح المهام الملقاة على الطرفين (العراق والاسرة الدولية) في هذا المسعى، فعلى الجانب العراقي ان يكسب ثقة المجتمع الدولي ويعزز مساعيه في مشاريع الاصلاح ضد الفساد ورسم صورة ايجابية عن الاداء الحكومي وتجاوز السلبيات التي اكتنفت بعض فعالياته بسبب نظام المحاصصة والتشارك التوافقي الذي اضر كثيرا بواقع العملية السياسية التي بنيت على اسس ديمقراطية شفافة.
وعلى المجتمع الدولي ايضا ان يبرهن انه يقف مع العراق قلبا وقالبا وان مؤتمر الكويت هو ليس مؤتمرا بروتوكوليا استعراضيا، بل هو منصة لوضع خارطة طريق لمعالجة اثار الارهاب، ولمنع امتداد تلك الاثار على الساحة الدولية برمتها، وعلى غرار مشروع مارشال الذي كان مشروعا اقتصاديا دوليا استراتيجيا لإعادة اعمار أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي انتهت بخراب دولي شامل استدعى في حينها اموالا باهظة، وعراقيا لا يتحقق هذا الطموح الاّ باعادة اعمار العراق، وقد اوجز رئيس الوزراء العبادي الامر برمته على هامش مؤتمر (استثمرْ في العراق) الذي شهد نجاحاً وإقبالاً كبيرين وتفاعلاً من مئات الشخصيات المشاركة التي تمثل 1850 شركة عالمية في مختلف المجالات قائلا: ان الاطار العام لاعادة الاعمار والتنمية، وتقييم الدمار في المناطق المحررة، والفرص الاستثمارية، ابرز تلك الملفات التي تبنتها الحكومة وساعد في اعدادها خبراء عراقيون ومن البنك الدولي، ومؤكدا ان "الحرب قد وضعت اوزارها، وبدأت معركة البناء وإعادة الإعمار.
فحاجة العراق الى الاموال والمنح التي ستقدم للعراق من الدول المشاركة في مؤتمر الكويت، ليست حاجة انسانية عراقية بحتة فحسب ـ رغم انها استحقاق عراقي وواجب اخلاقي على المجتمع الدولي ـ بل هي حاجة دولية مقابلة لاجتثاث جذور التنظيمات الارهابية وتجفيف منابعها تماما وعدم السماح لانبعاثها مرة اخرى اذا ما لقيت الارضية الخصبة لذلك، وعلى غرار وقوف المجتمع الدولي في وجه خطر النازية.
العراقيون استبشروا جميعا بمؤتمر الكويت كونه يمثل فرصة حقيقية امام العراق للتعريف بواقعه التنموي والاستثماري، ويعد مناسبة مهمة ليعترف المجتمع الدولي بالتزاماته الاخلاقية ازاء العراق الذي تعرض لضرر فادح بسبب مواجهته للإرهاب الذي كان يهدد العالم بأسره، ولولا صمود العراق بوجه "داعش" ومن ثم القضاء عليه، فلربما كانت الخريطة العالمية مختلفة عما هي عليه الان.