د. غالب الدعمي
شاءت الصدف أن أطّلع على بعض البرامج الانتخابية لعدد من الأحزاب السياسية العراقية، والتي لا يوجد لها مثيل في العالم، إذ اعتمدت على الاستمالات العاطفية واستمالات التخويف، وتقديم الأموال والهبات لقادة الرأي العام والمؤثرين فيه، وابتعدت تماماً عن المنطق وعمّا درسناه في الأكاديميات وما نُعلمه لطلبتنا الآن في الجامعات، وتمحورت جميع هذه البرامج على مخاطبة حاجة الناس وفقرهم وعاطفتهم، وتم رصد ملايين الدولارات لإنفاقها من أجل إكمال مسيرتهم الانتخابية على حساب الشعب المظلوم.
آخر تلك الابتكارات هو تسجيل أسماء هولاء القادة من أجل أداء مناسك العمرة في مكة المكرمة وزيارة الأضرحة المقدسة في إيران وأخذهم الى مغارة (جعيتا) أو زيارة جونيا وقضاء شهر عسل مجاني في الروشة أو الحمرا في بيروت على وفق ولاء الناخب ورغبته، إن أحدى تلك الرحلات وعدت زبائنها في زيارة تركيا وبعنوانات متنوعة مرة لزيادة الوعي القومي، ومرة ثانية لزيادة الوعي المذهبي، ومرة ثالثة لأداء فرائض الله، ومرة رابعة للتمتع وإشباع الغرائز، وكل هذه الأشياء والأموال التي تُنفق هي من أجل الظفر بمقاعد انتخابية تمكنهم من الفوز مرة أخرى والحصول على مراكز إدارية تؤهلهم للسرقة والاستمرار باستثماراتهم وسيطرتهم على ثروات العراق وخيراته.
ومن الأساليب الأخرى المبتكرة: تقديم الوعود في توزيع آلاف الهواتف الجوالة بأنواع متعددة على أن تسلم للناخبين مع اقتراب ساعة الصفر من بدء الانتخابات، للتأثير على اختياراتهم، فضلاً عن توزيع المدافئ والبطانيات وغيرها، لكن الذي استوقفني هذا الموسم هو ابتكار أساليب جديدة كتوزيع (سبالت) وبكميات كبيرة قد تصل إلى مئات الآلاف على أنصارهم، وتشمل مسؤولي الحملات الانتخابية والشخصيات المؤثرة في المجتمع، وربما سيتم توزيع سيارات (سايبا) مع بدء العد التنازلي ليوم الاقتراع.
والمؤكد أن السياسي الفاسد الذي يعتاش على جروح الفقراء هو نتاج الشعب نفسه وهو من أعطاه القوة عبر التصويت له، تارة تحت عنوان الانتماء القومي وتارة أخرى لتعزيز الوجود الديني والمذهبي، لكنه في النهاية أصبح ضحية هذا السياسي الفاسد الذي انتخبه تحت هذه المؤثرات النفسية والعاطفية.
وهولاء الذين يحظون بمقاعدهم ومن ثم يسيئون استخدام هذا الحق بواسطة البحث عن منافع على حساب القانون فإن أول من يتحمل إساءتهم هو الناخب نفسه لأنه لم يكن موفقاً
أقرأ ايضاً
- الفنون في بناء السجون
- بيكاسو يستمد تألقه من فنون العتبات المقدسة
- الدبلوماسية أول الفنون وآخر الأعمال