- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
دعوات لانسلاخ الإنسان عن إنسانيته
بقلم:حسن الفتال
إنسَ الدنيا وريِّح بالك) عبارة وردت في رد لأحد الإخوة الأعزاء على مقالة نشرتها ذات يوم على صفحتي للتواصل الإجتماعي اختزلت في مقالتي تلك حديثاً لمحت به إلى حالة حصلت بسبب سهو الساهين وغفلة الغافلين وظلم المتسلطين وتسلط الجاهلين الانتهازيين المنتفعين. كتب لي العبارة ملمحا لي أن اعتمد التناسي والتغاضي والتسليم للأمر.
(إنسَ الدنيا وريِّح بالك) جملة حين يقع بصرك عليها أو تطرق سمعك سرعان ما يقدح في ذهنك زند الاعتقاد بأنها تمثل دعوة إلى الإنصياع لكل نمطيات ومجريات الفوضى التي تدور حولك بعمى تام دون أن تعترض أو ترفض أو تصحح حتى حين تكون أنت ضحية هذا التناسي أو اللامبالاة أو بالأحرى التغابي والإنصياع الأعمى.
هذه الحالة النمطية أصبحت مقتضياتها أشبه بمرتكز عام راح الكثير منا يرتكز على مقاصدها وما تفرز وما تخلف من آثار.
لكنها أنتجت سؤالا لدى العقلاء مفاده: لماذا يدعو بعضنا بعضا إلى أن ننسى الدنيا ونريح البال ؟
أما يعني باطن هذا القصد دعوة لأن يتجرد الإنسان من إنسانيته.أو ينسلخ من مبادئه ويتخلى من أحاسيسه ومشاعره فيكون مصداقا لظاهر منطوق الآية الكريم: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ) ـ سورة الأعراف /179
حين يتساوق هذا المعنى مع المقاصد ألم يكن مسوغا لخروج الإنسان من جلالة وقدسية الإنسانية التي أرادها الله له وكرمه عليها غاية التكريم وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) ـ سورة الإسراء / 70
هذا التكريم والتفضيل في الآية الكريمة محطة يشترك بالتوقف عندها الكثير من العلماء والمفسرين والمحدثين وتندرج أحاديثهم في حقل شمولية التكريم فيشيرون بأن التكريم يشمل العقل وحسن المنطق وجمال الصورة الحسنة واعتدال القامة وحسن الهندام فضلا عن تسخير كل ما على وجه الأرض للإنسان ورزقه من ألذ وأطيب ما تشتهي نفسه.
وهذه المحصلة مستمدة من قول الإمام الصادق صلوات اه عليه حين يشير إلى تفسير أو تأويل مقطع من الآية الكريمة فيقول صلوات اه ك عليه:
(فضلنا بني آدم على سائر الخلق وحملناهم في البر والبحر أي:على الرطب واليابس).
وهذه إشارة أو بيان عن بلوغ الإنسان بإنسانيته أرقى المراتب التي يتحتم عليه أن يدرك أهميتها غاية الإدراك وأن يغتنم ارتقائها خير اغتنام.
ويدرك أن الله سبحانه وتعالى سخر له كل ما في الكون. ومنحه طاقة تسهل له تحطيم كل قيد أو هدم أي سور يُشيَّد ليحجبه عن مواصلة مسيرته العطائية.
ولكي يأخذ الاستيعاب أكثر مساحة من الأذهان ويتجلى المعنى التام للوصف الحقيقي الذي يستحقه الإنسان يبرز قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله مؤطرا كل ذلك بقوله صلوات الله عليه:
أتحسب أنك جرم صغير ** وفيك انطوى العالم الأكبر
فهل أوضح وأجمل وأجل وأكثر تجليا وقوة وشمولية من هذا التوصيف المثالي البليغ الذي يثبت خضوع الكون وكل ما يشمل وتسخيره للإنسان ؟
وهل بعد هذا التوصيف والمسلمات أن يشك أو ينكر أحد حقيقة أن الإنسان سيد نفسه بل سيد الكون ؟هذا السيد التي تخضع له كل الأشياء.
إذن كيف يطلب منه أن يتصاغر فينسل تدريجيا من دائرة إنسانيته ؟
ما هي الصورة التي سيرسمها أو يعكسها هذا التسرب إن حصل ؟
فلنتذكر جيدا أن هذا الإنزلاق يمثل غياب الإنسانية وغيابها يعني موت الضمير وسيادة شريعة الغاب واستشراء الأنانية وغياب لغة الحوار الهادئ لتبقى لغة العنف والتجبر والتسلط ويتغلب القوي على الضعيف وحين ذاك تمتهن كرامة الإنسان الذي كرمه الله ويتحول إلى عبد ذليل ضعيف.
ويكون أداة مطيعة مرنة لمن مكنته فوضى الزمن لأن يعتلي الأكتاف بتملقه وتخليه عن إنسانيته فيتسيَّد ويتأَمَّر على أناس هم أحق منه بكل سيادة.
وأمثال هؤلاء ومن يتبعهم يروجون بقوة لشعارات ومقولات لتخدير الإنسان بوسائل التمويه والخداع ومن بين هذه الشعارات أو المقولات العبارة التي استفتحت بها مقالتي هذه
(إنسَ الدنيا وريِّح بالك)
أقرأ ايضاً
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي