د.يوسف السعيدي
الزمن يتخطانا بخطى سريعة وقفزات متوالية.. وما زالت الشعوب العربية ترزح تحت أنظمة حكم بالية..وشائخة.. ما زالت تلعق بقايا
شعارات الأزمنة البائدة والحقب الفاسدة.. شعارات من قبيل القائد الملهم.. والقائد الضرورة.. والقائد الحكيم.. والزعيم الأسطورة.. ناهيك عن الشعارات المشتراة بمئات المليارات من دماء الشعوب المنكوبة من قبيل ملك الملوك.. والمليك المفدى.. وسلطان السلاطين.. وسمو الأمير العبقري الخطير.. وغيره وغيره.. من ألقاب فاقت في معانيها الأحجام والقدرات البدنية والذهنية والعقلية لمن تقلدها أو من قلدها نفسه وفرضها على رعيته.. حتى أنه صار هناك فارق هائل كالأخدود بين حزمة الألقاب التي يحملها الحكام العرب على كاهلهم وعلى رؤوسهم وبين فاعليتها أو واقعيتها.. وذلك بالنظر إلى الشعوب التي يحكمونها والتي صارت بين أيديهم.. وبين أرجلهم.. ومن خلفهم قطعاناً هائمة.. شاردة..واهنة..ضعيفة ضربها المرض.. وأمرضها الجهل.. وجهلها الاستبداد.. واستبد بها البطش.. وبطش بها حكامها..وحكمها الهوى.. وهوى بها ذلها..واستكانتها..واستسلامها: إما لمهووس يبتغي مجداً لنفسه.. أو لمأفون يجرب فيها كل ما يعن له من أفكار شاذة وخيالات مريضة.. أو لموسوس مرتاب أقام في ربوع وطنه مذابح يسلخ ويشوي ويسجن ويسحل ويعذب كل من يعتقد أنه ينظر أو يتطلع إليه أو إلى كرسيه.. أو لضائع انفتحت له كنوز الطبيعة فبعثرها وبذرها ونثرها على ملذاته وعائلته..حتى أنهم يسافرون بأساطيل من الطائرات تحمل العوائل والحاشية وقوافل من المتملقين والمنافقين والمتسلقين يقطعون ربوع الأرض تنزف بعدهم آلاف الملايين من قوت بلادهم ليقضوا وطرهم في بلاد السياحة والاستجمام!! بينما شعوبهم من ورائهم تجأر بالشكوى من الجوع والإملاق ونقص في الأموال وفي الثمرات وفي والأولاد الذين لا يجدون حليباً أو دواء أو قلماً أو كراساً أو حتى ما يقيم أودهم ويبقيهم على ناصية الحياة الكريمة. أو لمستبد ظالم بدأ شبابه بالثورة ضد الظلم والفساد فإذا ما سقطت تحت يده البلاد فاق ظلمه كل ظلم وفاق فساده كل فساد.. وتوزعت خيرات بلاده بين أقربائه وحواشيه.. وتفرقت أراضي وأموال الشعب بين أيادي زمرة لا تزيد عن حفنة بكلتا اليدين.. وانقلبت البلاد من بين أغلبية كاسحة من الشعب المترنح بين فقر مدقع وظلم مفزع وبين حزب متربح من دماء ومال وأراضي وخيرات الشعب المسكين.. أنظمة حكم ربطت مستقبل ومصائر شعوبها بأمزجتها الشخصية.. وساديتها الشاذة.. ورعونتها الخائبة.. وطيشها الأرعن..فتراهم يتقاذفون أطباق الطعام في الوجوه في قممهم.. فيتبعه طرد للعمالة وفرض التأشيرات بلا أدنى تمهيد... فيليه مقاطعات وتنابذ بالقول وبالفعل ثم تهديدات بالانسحاب من مؤتمرات قمم هلامية تفضح عجزهم أكثر مما تبين وحدتهم.. علاوة على مصيبتهم السوداء في التعامل مع قضايا شعوبهم المصيرية من مشاركة في حصار جائر لشعب خائر أعزل وتحريض بعض المجرمين على تصفية خصومهم من فكانوا مع العدو المجرم على أبناء الدم والعقيدة والمصير.. هذا هو حال العرب اليوم.. (1)توزيع في غاية السوء للثروة في كافة البلاد العربية بلا استثناء (2) توزيع في غاية السوء للسلطة في كافة البلاد العربية بلا استنثاء (3) استئثار أبناء الطبقة الحاكمة أو النافذة أو اللامعة بأغلبية المناصب الهامة والحساسة وذات العائد بينما ينحشر باقي الشعب في الوظائف الهلامية والوضيعة وغير ذات العائد.. (4) استحواز كامل و سيطرة شاملة على المال العام والمرافق العامة والمنافع العامة والأجهزة الإعلامية و بيوت العبادات وأماكن ممارسة الشعائر بطريقة خانقة للشعوب خالقة للكبت والإحباط واليأس والانهيار.. (5) تغييب تام وتعمد إضعاف وترهيل الجيوش وصرفها عن مهامها الوطنية وإبقائها فقط في وظيفة حماية العروش وتثبيت أركان ودعائم السلطة والنظام الحاكم. مما نتج عنه الشعور العارم لدى الشعوب العربية بعدم فاعلية جيوشها وهلاميتها وتفككها والخوف المستديم من أي مواجهة عسكرية مع أي طرف خارجي وخاصة مع الأعداء التاريخيين للعرب وخصوصا إسرائيل والشعور بالانهزامية الاستباقية رغم عشرات الآلاف من المليارات التي تتدفق على صفقات الأسلحة التي لا تستخدم والرابضة في مخازنها لا يمسها إلا القوارض والصدأ ورمال الصحراء الناعمة.. (6) تفشي ثقافة الجهل والأمية والمرض والاعتماد على قصص الخرافات والمعارك الهلامية المسطحة وشغل الناس بالتوافه من الأمور والخائب من القضايا علاوة على سريان الأمراض المتوطنة والسرطانية والقاتلة بالمبيدات المسرطنة القاتلة والحالقة للزرع والضرع والنسل علاوة على إهلاك قوى وصدور الشعوب بالمخدرات بأنواعها والقات بأنواعه والمنشطات الضارة بالصحة علاوة على الأغذية الفاسدة والأدوية الفاسدة.. وغير ذلك كله مما يثبط من قوى وهمم الشعوب ويضعف عزيمتها ويوقعها فريسة للتسليم بالأمر الواقع والرضا القانع بالوضع المزري الذي تعيش فيه دون امتلاك ثمة أرادة أو قدرة على الاحتجاج أو الرفض أو محاولة تغيير أوضاعه المأساوية..هذه بعض حصيلة حكم الأنظمة العربية الحالية القابعة على كراسيها والقابضة على أنفاس شعوبها عشرات السنين لا تتبدل ولا تتغير. حتى طواقمها من الحكومات و الوزراء صرنا نرى حكومات يزيد عمرها على العشر سنوات وأكثر.. ووزراء تعدوا الربع قرن في أماكنهم لا يتبدلون ولا يتغيرون كل ذلك أدى إلى تكلس الحياة.. وتيبس أوصال الأنظمة.. و بالتالي توقف حياة الشعوب عند مرحلة معينة بينما العالم من حولنا يهرول نحو الجديد كل بل كل ثانية من اختراعات وابتكارات و تغيير نظم وإعادة تشكيل أوجه الحياة.. واتحادات مبنية على المصالح المشتركة و سلوك كل مسلك وولوج كل طريق نحو الرفاهية والتقدم.. بينما نحن نغط في نوم عميق.. وفي تأخر سحيق.. وفي سبات مؤذي.. وفي ترهل مزري.. الأمر الذي لم بد مما لا بد منه.. وهو إعادة الشعوب العربية هيكلة نفسها من جديد.. ونفض تلك الأنظمة البالية (جميعها) كماً وكيفاً وبلا أدنى استثناء.. وصياغة ما يشبه العقد الاجتماعي الجديد لكل شعب ولكل بلد عربي وفق مبادئ الديمقراطية والحرية وفي أطر من عقائدها (السليمة) غير المشوبة بخبل العقول المريضة من الذين توقف بهم الزمن عند الحفظ دون الفهم ليسيطروا على عقول وأفهام ومقادير الناس باسم العقيدة والدين.. وليمكنوا الأنظمة المستبدة من مسك لجام الشعوب المسكينة المستكينة.. وليعيشوا هم على بساط هناء العيش ورغد السلطة متاجرين بمشاعر وعقائد بسطاء الناس لصالح طغمة باطشة مستبدة ظالمة ديكتاتورية من الحكام.. يجب أن يتسنى للشعوب العربية أن تقترب ولو حثيثاً من الطريق الصحيح... وذلك بتغيير آلية تلك الأنظمة البالية المهترئة المتكلسة.. فمتى تعلن الشعوب العربية وفاة تلك الأنظمة العربية؟! لان السقوط محتوم...محتوم...محتوم...وان غدا لناظره قريب......
الدكتور
يوسف السعيدي