بقلم:سالم مشكور
في إحدى زياراته الى واشنطن عندما كان رئيساً للجمهورية، وخلال استقبال الرئيس الراحل جلال طالباني جمعاً من أفراد الجالية العراقية، صرخ أحد الحاضرين من الاكراد: مام جلال لماذا لا نستقل عن العراق؟ ما علاقاتنا بالعراق أصلاً؟. ابتسم الرئيس واستأذن الحاضرين بالرد عليه بالكردية فقال له: “علينا أن نكون واقعيين ونسأل أنفسنا إذا ما أعلنّا استقلال الاقليم غداً فهل أن الامر سيمرّ بسلام؟
هل ستسكت تركيا وإيران وسوريا؟ هل ستظل علاقاتنا طيبة مع عراق ننفصل عنه؟ هل القوى الدولية ستدعمنا؟
أنا أجيبك: كل هذا لن يحصل وسنتعرض لحصار يدفعنا في النهاية الى التراجع والعودة ضعفاء الى العراق”. بالأمس رحل عنّا صاحب ذلك العقل الراجح وتلك الكياسة والاريحية، وهو غاب عنّ الساحة والتأثير فيها منذ دخل في غيبوبته قبل سنوات. لو بقي بصحته لما آلت الامور في الاقليم الى ما وصلت اليه اليوم، ولما ظل التفرد والنزق يسوقان الشعب الكردي الى متاهة بعد أخرى، وأزمة تلو أزمة، مرّة بين أحزابه السياسية، وأخرى مع بغداد، مع إصرار على إبقاء التوتر معها مستمراً رغم تبدّل الحكومة الاتحادية ورئيسها، توتر يبدو مطلوباً لترسيخ التفرد والدكتاتورية، ليلتقي مع رعونة جديدة لأطراف خليجية تحرق الأخضر واليابس في كردستان العراق، عبر دعم استفتاء لا يجلب سوى مزيد من المعاناة للشعب الكردي.
مطالبة الاكراد بالاستقلال وفرحهم بالاستفتاء، لا ينبع كلّه من “حلم تاريخي” كما يصور كثير من المتحدثين الكرد، انما له أسباب أخرى على رأسها سعي السيد بارزاني الى إبقاء حالة القلق والتوتر والخوف لدى الشارع الكردي منذ العام 2003 وحتى اليوم، عبر افتعال أزمات مع المركز توفر له مبررات تخطي الدستور الفدرالي والإقليمي على حد سواء، وممارسة سلطة منتهية الصلاحية.
في العام 2013، كان التوتر بين الحزب الحاكم في أربيل والحكومة الاتحادية بلغ أشده، وقد صعّد اعلام تلك السلطة من خطابه التحريضي للشارع ضد بغداد، حتى بات الناس البسطاء يرددون عبارة “المالكي أسوأ من صدام معنا”.
عندها تحدث رئيس الوزراء السابق الى الشارع الكردي في مقابلة مترجمة بثّتها محطة كردية مستقلة، ردّ فيها على كل الشبهات والمغالطات التي يبثها اعلام الحزب الحاكم.
الحدث شكّل خطراً على جهود التحريض ضد بغداد وتوفير أرضية الرفض لبقاء الاقليم في العراق، فواجهه رئيس الاقليم (الشرعي آنذاك)، بسخط كبير كشفه بيان صدر عن مكتبه آنذاك.
ذهاب المالكي ومجيء العبادي بطريقته المختلفة في التعامل مع الازمات، لم يغيّر شيئا من جهود التحريض بما في ذلك التأكيد على أن بغداد قطعت رواتب موظفي الاقليم دون أن يرد أحد من بغداد بان الرواتب هي مسؤولية حكومة الاقليم وليست الحكومة الاتحادية ودون أنْ يسأل أحد عن مصير 900 ألف برميل يصدّرها الاقليم يومياً وتذهب عائداتها الى جيوب افراد محددين.
استمر التحريض وتصاعد بعد اقالة البرلمان العراقي لوزير المالية وخال برزاني، وبات لسان حال الأخير ان “الشراكة لم تعد ممكنة”.
لم يتغير شيء من معوقات الاستقلال الكردي التي ذكرها الزعيم الكردي الراحل والرئيس السابق جلال طالباني، ومع ذلك اندفع الحزب الحاكم في أربيل الى اجراء الاستفتاء والحديث عن حتمية الاستقلال، مما استنفر مواقف داخلية وإقليمية ودولية رافضة للاستفتاء وأية مفاعيل تنتج عنه، كل ذلك تلبية لرغبة شخص يريد شرعية قومية تغّطي لاشرعيته الدستورية، بدعم من جهات وشخصيات أميركية وغربية وعربية.
أقرأ ايضاً
- مقابلات المرجعية الدينية الشريفة...رسائل اجتماعية بالغة الحكمة
- العقل.. الحكمة.. القرار
- نجحت الضغوطات فغابت التفسيرات !