بقلم:عباس الصباغ
لم يحظَ الاستفتاء غير الملزم الذي اجرته مؤخرا حكومة اقليم كردستان التي تاسست عام 1992 بأية مقبولية، كونه لم يستند على اية قاعدة تؤهله للنجاح سواء أ كانت جماهيرية (البيت الكردي) او وطنية (العراق) او اقليمية (دول الجوار +جامعة الدول العربية) او دولية (جميع دول العالم + الاتحاد الاوربي) وحتى أممية (الامم المتحدة + مجلس الامن)، فهو ولد بعملية قيصرية فاشلة تنبع من الوضع غير الطبيعي للإقليم نفسه والذي ولد بظروف غير طبيعية فترتبت على ذلك مآلات التعايش القلق مابين الاقليم والمركز طيلة السنوات التي اعقبت التغيير النيساني اختصرها رئيس الوزراء بقوله: (ما يجب توضيحه لشعبنا الكردي العزيز ان معظم مشاكل الاقليم داخلية وليست مع بغداد وبالتالي فأنها ستتفاقم مع دعوات الانفصال، والصعوبات الاقتصادية والمالية في الاقليم من نتاج الفساد وسوء الادارة)، فجاء الاستفتاء الممهّد للانفصال نشازا لايشبه اي استفتاء لأي اقليم خاض هذه التجربة في العالم مثلا انفصال اقليم تيمور الشرقي عن إندونيسيا عام 2002 وتحت مظلة الامم المتحدة.
إلا ان قادة الاقليم خالفوا تلك القاعدة وروّجوا الامر على ان الاقليم "محتل" ويتعرّض للظلم منذ ان رسمت معاهدة سايكس بيكو ملامح منطقة الشرق الاوسط التي بدا عليها لأكثر من مائة عام انصرمت دون تغيير، فيعدّ الانفصال اول خرق لبنود هذه المعاهدة بعد الاجتياح الصدامي للكويت وهو امر مرفوض تماما.
من عوامل سيادة الدول ان تكون لها منافذ بحرية وبرية اضافة الى الجسور الجوية، وهذه الخاصية ستكون مفقودة في "دولة" كردستان المتوهمة بعد تأكيد الاخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام بغلق جميع المنافذ الاقليمية مع الاقليم فيكون الحصار عليه مُطبِقا من جميع الجهات اضافة الى حصار دولي في حالة عدم اعتراف الامم المتحدة بهذه "الدولة".
الحماسة الشوفينية والكراهية المتطرفة لاتصنعان دولا ناجحة فالاقتصاد هو العمود الفقري لاي دولة إلا ان واقع الاقليم يشي بمستقبل مجهول بوجود مديونية بأكثر من عشرين مليار دولار مترتبة عليه، ناهيك عن تهالك البنية التحتية النفطية ولبقية الخدمات وتنازل احتياطات النفط الى مستوى لايؤهله ليبني اقتصادا ريعيا في الاقل، فكان اللجوء الى نفط كركوك وبواقع 700 الف برميل حلا مؤقتا يضاف اليها عدم تخصيص نسبة 17% من الموازنة الاتحادية اذا ما تم الانفصال الذي سيؤدي الى انحسار قطاع السياحة في ظل المعطيات الاقليمية الرافضة تماما لوجود دولة كردية على تخوم دول لها مشاكل مزمنة مع القومية الكردية فيها وباختصار ان الدولة الكردية لاتتمتع بمقومات الدول لا سياسيا ولا اقتصاديا وليس لها حظوظ في أي محور اقليمي او دولي تنضم اليه وقد تخسر سيادتها الوطنية مقابل رضوخها مضطرة لإحدى الدول المجاورة.
ونسي منظمو الاستفتاء انه يجب ان يكون تحت رعاية الامم المتحدة وبضوابط محددة اهمها موافقة الوطن الام لتحظى "الدولة" الجديدة باعتراف المجتمع الدولي لكي تتمتع بعلاقات طبيعية مع الاسرة الدولية وهذا الامر لن يتسنى لإقليم كردستان لان قرار مجلس الامن الدولي المرقم (٢٣٧٩) في 18 / 9/ 2017 الذي اكد على وحدة العراق، وسيكون عقبة امام طموحات الانفصاليين الذين يريدون ان يضعوا شعبهم في غياهب مجهول امني وسياسي واقتصادي بعيدا عن الوطن الام وحاضنة الامم المتحدة.
أقرأ ايضاً
- استفتاءٌ على موتنا والنخيل
- النفط العراقي في مهب الريح الكردي.. احتلال ابار باي حسن نموذج
- الكابينة في مهبّ الريح... ماذا عن بقاء عادل عبد المهدي ؟