- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العادات الإجتماعية القديمة في مدينة كربلاء المقدسة
بقلم: علي الخباز
أراهم كأنهم يذوبون وسط ذكرياتهم، ولذلك أصبحت أشعرُ بارتياح الى ما يحملُ طابع هويتهم، حياتهم الاجتماعية، معيشتهم، او أسلوب الحياة...
لقد تحدّث يوماً المؤرخ السيد سلمان هادي آل طعمة عن (صوم اليتيمة)، فأحتار في الحقيقة: هل فعلا عرف أهل كربلاء (صوم اليتيمة)؟ فقال: هذه حكايات جداتنا، وقد غرست فينا الإيمان بأشياء جميلة، وصوم اليتيمة هي حكاية فتاة يتيمة الأم، ولها زوجة أب قاسية كانت تؤذيها كثيرا، وهذه تشكو حالتها للجيران، فقيل لها: هناك صوم يسمى (صوم اليتيمات)، يُستجاب به الدعاء، ويفرج الكرب، فصامت المسكينة. وخصوصية هذا الصوم أنها تبحث عن ثلاثة بيوت اسم إحدى بناتهم فاطمة، وتطلب من الأولى السكّر، ومن الثانية الطحين، ومن الثالثة الدهن، لعمل (عصيدة) وتصوم يوم (صيام اليتيمات)، وتفطر بالعصيدة التي جمعتها من البيوت الثلاثة، وبعد أن صامت ذلك النهار حدث غير المتوقع، وجاء ابن السلطان يطلب زوجة له، وهكذا عاشت سعيدة.
وبعد مرور عام، جاء ابن السلطان من السفر ودخل المطبخ فجأة، فوجد العصيدة، ركلها بقدمه قائلا لها: أنت الآن لستِ فقيرة، وهذه الأمور كانت في بيت أهلك، وليس في بيت السلطان. حمل معه للسفر زادا، وثلاث بطيخات، وحين وصل الى ملك الدولة المجاورة تلبية لعزيمته، وجدوا في الخرج ثلاثة رؤوس مذبوحة، وحين علمت زوجته بورطته؛ صامت (صوم اليتيمة)، وطبخت العصيدة، فوجدوا الرؤوس ما هي إلا البطيخات الثلاث... قلت: ياجد هذه الرواية تذكرني بحدث معاصر... انتبهوا إليّ جميعهم، فهم يعتبرونها أخباراً طازجة. قلت: في زمن الطغاة، حبس النظامُ مجموعة كبيرة من الناس في سجون صحراوية بحجة (التبعية)، وتم تسفير القسم الآخر منهم خارج الوطن... قرر الناس جمع مبالغ رمزية من كل رجل اسمه (علي) ومن كل امرأة اسمها (فاطمة)، واشتروا بتلك المبالغ ألبسة للسجناء، تصوروا أن اليأس كان كبيراً، لكن الذي حدث ما إن ارتدى السجناء تلك الملابس إلا وأطلق سراحهم. ختم الشهداء قولي بالصلاة على محمد وآل محمد.
قال الشيخ الوقور: المهم يا بني كانت فتياتنا يصمن في كل عام آخر يوم ثلاثاء من شهر رجب؛ لأجل الحصول على المراد. قلت: ياجد أسمع الناس يتحدثون عن (السبوتات) ويقصدون بها أيام السبت. قال أحد الشهداء: هو صيام وزيارة الإمام العباس (ع). قال صديق جدي الشيخ:ـ تقوم النسوة بالصيام 4 أيام سبت من شهر رجب تبركاً وطلباً للنذر والزيارة مخصصة للعباس (ع). قلت: ياجد هذا في شهر صفر؟ قال الجد: لا يابني، هذا في شهر رجب، أما شهر صفر فهو من الشهور الحزينة في السنة، وعند انتهائه تعوّد الناس في كربلاء، كما هو الحال عند معظم العراقيين رمي (الكوز) من أعلى السطوح، بعد أن يضعوا في كل واحدة منها قطعة صغيرة من الفحم، وقليلا من الماء، وذرات من الملح، وعددا قليلا من النقود المعدنية الصغيرة قيمة خمسة فلوس... وتقوم النسوة برمي تلك (الكوز) في الطرقات دفعاً للشر والسوء، وهن يرددن: (فلوس الخير بجرة صفر).
قلت: ياجد هل كان عند الناس وقتاً محددً؟ قال الجد: نعم، بعد انتهاء شهر صفر. قلت: ياجد، أقصد ساعة محددة؟ قال الجد: نعم يا بني بعد رؤية الهلال مباشرة؛ (هلال شهر ربيع).
قلت: ياجد، نحن أيضا نوقد النار في الطرقات والأزقة... عقّب الجد: يا بني كانت عندنا تشكل مظاهرة كبيرة، يقولون في هتافهم: (راح صفر جانه ربيع... يا محمد يا شفيع).