- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كيف يمكن لحذاء طفل شهيد أن يسامح القتلة
بقلم:محسن الحلو
صورة من البوم مجزرة الناصرية، وهي واحدة من ملايين الصور المؤلمة التي مُلئت منها عشرات الألبومات لمآسي بلادي وقد أوغل المجرمون ومصاصو دماء العراقيين الذين تقاطروا علينا من كل صوب وناحية، مجردين من صفة الإنسان وهم يتلذذون بدمائنا، ويرتوون منها حد الثمالة أين ومتى يشاؤون.
ولكن كان لهذه الصورة وقع خاص، فقد نكأت جرحا عميقا في نفوسنا، واعتقد أنها سوف تترك ذات الأثر في نفس كل عراقي وعربي بل كل انسان يمتلك ذرة من الشرف والإنسانية، فآلمتنا وأوجعت قلوبنا وأبكتنا بحسرة ومرارة كبيرتين، ولكن ما فائدة الدموع أمام هذه الصورة المأساوية التي فيها معانٍ لا توصف ولا تقف عند كلمات محددة، وأنا أتخيل مع نفسي الدقائق واللحظات الأخيرة، قبل أن تصعد ملائكة السماء وهي تحمل أرواحهم الطاهرة إلى عنان السماء.
وكأني بهذا الأب الشاب الشهيد قد قتل مرتين، وأعيش هذه اللحظات المأساوية الذي مرت عليهم مع نفسي وأتصور إن الأب استشهد قبل طفله، ولاذ هذا المسكين إلى صدر أبيه الذي اعتاد الأمان عنده لعله يحميه من رصاصات وغدر هؤلاء السفاحين، حتى ولو كان جسدا بلا روح، ولكنهم لم يمهلوه كثيرا فاردوه شهيدا فوقه، ليغطى بجسده جراح أبيه الذي استشهد على أثرها، كاشفا جرحه هو كشاهد إثبات على وحشية القتله، واستلقى الاثنان على ظهورهم ووجوههم نحو السماء.
وكأني بهما يناديان ((يارب أن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى)) أن دماءنا بعينك التي لا تنام، فخذ بحقنا بكل ممن اشترك بقتلنا من بعيد او قريب، فأنت الحق وأنت العدل، وانك تمهل ولا تهمل، وان يومك على الظالم سيكون أقسى واشد وأقوى فأنت القوي ومذل الطغاة والمتكبرين والجبابرة.
وأقول لهؤلاء الكلاب المسعورة أيضا لم قتلتموهم وما هي جريرتهم او ذنبهم الذي اقترفوه، ومن المسعور الذي أفتى لكم وحلل لكم قتلهم، وماذا حصلتم أو ستحصلون عليه من وراء ذلك، فإنكم ستردون الحامية قريبا إن شاء الله، كما سيردها إسلافكم.
ألا لعنة الله على الظالمين ألا لعنة الله على كل من باع بلده وغيرته لهؤلاء السفلة المنحطين وإلا كيف يصلون إلى هناك أن لم يكن لهم حضن ومأوى يؤويهم من فاقدي الضمير والشرف، وتبا لكم أيها القادة والأحزاب والسياسيون الفاشلون، يا من خنتم الأمانة وبعتم شرف المهنة، وانتم تتنافسون على المناصب والمكاسب وسرقة المال العام، وتتقاسمون الحصص من خيرات هذا البلد من نفط وثروات أخرى لتنفقوها على ملذاتكم ومصالحكم الشخصية.
فيا من سميتم أنفسكم قادة لقد كشفت أوراقكم أمام الجميع، فلا تدفنوا رؤوسكم في التراب كالنعامة، وانتم تتنازعون على حدود أنشأتموها، وتريدون تقسيم العراق على أهوائكم وتدعون أنكم تمثلون جزءًا من هذا الشعب، بينما كل واحد منكم لا يمثل سوى نفسه الأمارة بالسوء وإرادة أسياده، فما كان لهذا أن يحصل لولا إيواؤكم البعثية والقتلة من أصحاب المقابر الجماعية وأزلام النظام الصدامي البائد والسراق والعملاء والخونة في كياناتكم وأحزابكم نزولا عند رغبة جهات من خارج العراق، كيف لا وانتم تشاهدون شعبكم يذبح كل يوم بدم بارد وانتم تتسكعون في دول العالم مع عوائلكم وحاشيتكم، بأموال الشعب التي سرقتموها بوضح النهار بطرق وأساليب شتى، بعد ان شرعنتموها بقوانين ما انزل الله بها من سلطان تجعلكم تعيشون برفاهية انتم وأحفادكم، والناس لا تجد ما تسد به رمق العيش، وتعتقدون ان هذا ينطوي على الشعب.
فأنصحكم أن تعلقوا حذاء هذا الطفل البريء الذي تناثرت عليها دماؤه الطاهر كقلادة في رقابكم، اعترافا منكم بتقصيركم وتهاونكم وبالتالي تسببكم بسفك دمه من قبل المجرمين والقتلة لعله يسامحكم يوم لا ينفعكم مال ولا بنون.
فو الله سوف يلعنكم التاريخ فقد كنتم نقطة عار في تاريخ العراق بلد السواد الذي أنهكتم شعبه بالجوع والقتل والحرمان، وستخجل من فعالكم الأجيال القادمة، ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)) وان غدا لناظريه قريب.
أقرأ ايضاً
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية