بقلم: حسين النعمة
قد يستغرب القارئ العنوان لكنه سيجد بين الاسطر ان اول نفس يصعد لدينا احيانا بحاجة الى علاج ليستمر، وان لم يجده ما عليه سوى البحث عنه، لإنقاذ روح رضيع لم يصل البكاء بعد.. هذا ما حصل معي، وكانت تجربة قاسية في السباق مع الوقت لأضمن حياة رضيعتي..
كنت مؤمنا ان القدر سيضعني يوما ما، في موقف قد لا احسد عليه، وبالفعل اصبحت فيه مع نهاية شهر حزيران الماضي، حين اضطرتني الظروف فجأة للاستسلام لقدري، وان انتظر نتيجة عملية جراحية بسلامة زوجتي وطفلتي، بعد علاج دام اسبوعا كاملا في مستشفى الإمام زين العابدين (عليه السلام) التخصصي في كربلاء المقدسة، ولا يفوتني أن اعبر عن امتناني لكوادره الطبية على ما قدموه من عناية وعلاج ومتابعة لمست من خلالها الحرص والتفاني على سلامة المرضى الراقدين فيها، وشاهدت الخوف في اعين الاطباء كأن المرضى مرضاهم.
لأول مرة ارى معاني الانسانية التي طالما سمعت عنها، في ان الممرضة ملاك حارس، وان الطبيب او الطبية كرسل رحمة، وقد أكون قاسيا بكلمتي هذه؛ إذ لم اشهد هذا المعنى الا في هذه المستشفى.. ولا ريب ان البعض سيقول اني بالغت، فاعذره لأنه لم يشهد ما شهدته بنفسي.
اعود لقصتي.. وبعد ان بشرت بولادة طفلتي؛ صدمت بان حياتها في خطر، لأن رئتيها لم يتكمل نموها بعد، ولا تستطيع ان تؤدي وظيفتها بالشكل الصحيح، وبالتالي ان القلب سيقف في اي لحظة.. ارعبني هذا الكلام، لكن شيئا بداخلي كان يطمئنني بانها ستعيش وتجتاز مرحلة الخطر.. وهنا قال لي الطبيب المناوب، ارجو منك يا أخي الاسراع بجلب هذه الحقنة "Survanta" مسؤولة عن نمو الرئتين للقيام بالتنفس الطبيعي، وحال مغادرتي قسم الحضانة رجع لي الطبيب وقال: يا اخ لا اصدمك لكن الحال هكذا!! قلت: ماذا؟، قال: ان الحقنة غير موجودة في العراق وربما توجد في اربيل فقط.
وبدأت رحلة البحث، وكانت المحطة الاولى فيها مع اتصال هاتفي بأحد المسؤولين في الصحة.. فاخبرني ان الحقنة موجودة فشهقت فرحا، لكنه اردف قائلا: "ان نهاية صلاحيتها عام 2013م"!!، لكنّ تعلقي بأمل النجاة لطفلتي كان شديدا في توفير ثلاثة حقن.. فأسرعت الى كل معارفي واصدقائي وبادلوني حرصهم واهتمامهم في البحث عن تلك الحقنة النادرة جدا في صيدليات ومستشفيات كربلاء والنجف وبابل، وانطلقت برفقة اخي الى بغداد وكانت الوجهة الى شارع الكندي في الحارثية بحثا عن الحقنة، ومنها الى مستشفيات الولادة في العاصمة، لكن دون جدوى، وهذا الامر حرك الحيرة في قلبي.
ماذا أفعل يا الهي وصغيرتي في خطر؟ وعامل الوقت ليس لصالحي؟!
كان أخي يتوجه ويستنجد بباب الحوائج الإمام الكاظم (عليه السلام) وأسمعه يتمتم مناجيا وداعيا بعدم رجوعنا الا والحقنة معنا.. وكانت الساعة قد بلغت انتصاف الليل، وهنا كان لا يزال الجميع يهاتفني مستفسرا عن حيازة الحقنة، فمللت لأني لم احصل عليها، الا ان الاتصال الاخير كان من أخي الآخر وهو صيدلاني، وقد بادر بنشر صورة الحقنة على مواقع التواصل الاجتماعي في صفحة صيادلة بغداد، واتصل به احدهم يخبره بتوفرها، وتواعدت معه باللقاء، لكنه طلب مبلغا كبيرا جدا إذ إن المبلغ الذي معي غير كافي وكنت مستعد لأية ضمانات في سبيل الحصول على الحقنة، لكنه فاجأني بقوله: "متى ما أكملت المبلغ المطلوب اتصل بي؟" وأغلق بوجهي الخط.. فاتصلت بأحد اقربائي في العاصمة وأكملت المبلغ له.
كانت الحقنة التي اشتريتها تعادل اربع جرعات بينما الطبيب طلب مني وقتها ثلاثة، وتبرعت بالجرعة الرابعة الى المستشفى، لعلها تنقذ حياة طفلة أخرى. وبالفعل بعد اسبوع اتصل بي شخص كان مذعورا مثلي، طالبا الإذن باستخدام الجرعة لطفلته. سردتُ كل هذه التفاصيل كدعوة للجهات المختصة الحكومية تحديدا أو غيرها من منظمات خيرية لتوفير هذه الحقنة النادرة جدا وغيرها من علاجات يصعب الحصول عليها.