بقلم:عباس الصباغ
العراق ومنذ عصور غابرة يتمتع بتنوع الوان طيفه الاثني والعرق/ طائفي/ الديني، فتعددت بذلك هوياته الفرعية داخل الاطار العام للهوية الوطنية الجامعة دون الغاء خصوصية أي هوية منها، وحين يكون التعدد واقع حال على الجميع احترام خصوصية كل هوية داخل الفضاء الوطني وعدم التجاوز عليها، وهذا التنوع يحتّم على جميع الشركاء في الوطن احد الامرين إما التعايش السلمي ضمن مبادئ العقد الاجتماعي المفضي الى عيش كريم في وطن سعيد أو التصادم الاهلي المفضي الى هلاك الجميع ودمار وطنهم، فالتعايش السلمي ضرورة يفرضها الواقع وحقائق التاريخ وينبغي معرفة كيفية التعامل الايجابي البنّاء مع التعددية بما يصون المجتمع العراقي متعدّد الانتماءات من الصراع واستخدام العنف، والمطلوب التعامل معه بعقلانية وواقعية وعدالة مع التعددية وخصوصياتها الهوياتية، وفي الوقت الراهن تبرز الحاجة الماسة الى ترسيخ ثقافة التعايش السلمي بين شرائح النسيج المجتمعي العراقي اكثر من أي وقت مضى لوضع خارطة طريق لعراق مابعد الانتصار على داعش وتطهيره من دنسه ولانهاء الجدل المحتدم حول الصورة التي سيبدو عليها المشهد السيوسو/ سياسي العراقي لهذه المرحلة التي يجب ان تشهد آليات فعالة لاجتثاث الاثار السلبية التي تركها داعش في المناطق التي احتلها ومن حواضنه ومحوها الى الابد، فالتعايش السلمي اذن ليس مصفوفة لغوية عابرة او سفسطة انشائية عقيمة بل هو برنامج عملي، وقد اثبتت الاحداث التي مر بها العراق ان المجتمع الاهلي كان منسجما مع نفسه ومتماسكا حتى في احلك الظروف بدليل الاحتقان السيا/ الطائفي الذي كاد يسبب حربا اهلية كاسحة (2006 ـ 2008) فضلا عن الارهاب الذي حاول ان يبث اسباب الفتنة بين اوساط المجتمع فلم يستطع ان يفكك من عرى اللحمة الوطنية لمتانة النسيج المجتمعي العابر لجميع التخندقات منذ اقدم العصور، ولم تنطلِ عليه تلك المحاولات، وتشهد حالات التصاهر والتزاوج على ذلك، فيما كان المجتمع السياسي متنافرا سياسيا ومتشابكا قوميا ومهلهلا طائفيا ومتخندقا حزبويا، ولم يحقق انسجاما مع ذاته طيلة الفترة التي تلت التغيير النيساني ولحد الان ما اثر سلبا على الاداء الحكومي ومجمل السياسات الاقتصادية والمالية والخارجية للبلد اضافة الى هشاشة القرار السياسي.
ان التعايش السلمي يتحقق بتوافر عدة اشتراطات اهمها: العبور فوق الطائفية وارساء مفاهيم الاعتدال والوسطية السياسية والفكرية والابتعاد عن الطرح التعجيزي ذي السقوف العالية، وتجذير التسامح الذي هو دعامة اساسية لرفد مفهوم التعايش على ارض الواقع،ونبذ الحساسية المذهبية والقومية والاثنية المفرطة وتجسير الثقة بين الوان الفيسفاء العراقية الجميلة، تلك الثقة التي زعزعتها الديكتاتوريات المتعاقبة، وتعميق مفهوم الهوية الوطنية العراقية والتحرر قدر الممكن من تشرنق الهويات الفرعية مع احترام خصوصية كل هوية ناهيك عن ان المشتركات بين مكونات الفيسفساء العراقية تفرض مستوى من الانسجام الثقافي والحوار المبني على احترام خصوصيات الاخر فالتعدد الفكري والمذهبي والسياسي في العراق يتطلب تماسكا اجتماعيا لتعزيز الاستقرار ومواجهة المشاكل والازمات التي يواجهها العراق بمكوناته التي اثبتت تلاحمها في الحرب البطولية ضد داعش.
كاتب عراقي