- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
نمطية الفرح في المواسم الدينية .. الجزء الثاني
حجم النص
بقلم: حسن كاظم الفتال تضادات الصفات في النفس غالبا ما يؤكد علماء النفس على أن نفس الإنسان ينطوي باطنها على مجموعة إنفعالات كامنة غير ظاهرة وهذه الانفعالات أحيانا متضادة أو متناقضة وهي كثيرة منها مثلا: الحزن والفرح، الحب والكره، الشفقة أو الرحمة والقسوة، التواضع والتكبر، و..و..و.. الكثير من هذه المتشابهات أو المتناقضات ومنها ما هو مجبول عليها وهي تمثل سمات أو صفات تلاحق الإنسان. وهذه الإنفعالات مرة هي التي تتحكم بتصرفات الإنسان وتارة أخرى يكون العكس إذ يتحكم الإنسان بهذه الإنفعالات من خلال سلوكياته. وغالبا ما يحصل طغيان بعضٍ هذه الإنفعالات أو الصفات على غيرها فتتغلب القسوة على الرحمة أو التكبر على التواضع أو العكس . ومسألة تواجد هذه السمات وتغلبها على مستوى قدرة الفرد في التحكم بها يلحظ إلى أن الإنسان بحاجة لموجه أو قائد يرسم له سبيلا يسلكه لينجو من الوقوع في المكاره ولعل أبرز هذه السمات أو الإنفعالات سمتا الحزن والفرح. الفرح إحساس وجداني وهو حالة مشروعة وحين يصنف العلماء ظاهرة الفرح أصنافا متعددة يرجحون ما يسمى (الفرح العقلاني) ويطلقون عليه (فرح القلب). والفرح بشكل عام هو انفعال النفس، الناتج عن مؤثر خارجي حسي أو معنوي وحين يُقسم الفرح إلى أقسام أو أجزاء معينة فذلك صنف أو قسم يصفه رسول الله صلى الله عليه وآله بأنه نتيجة الرضا أو القبول أو ما يشابه ذلك فيقول: (صلى الله عليه وآله: أما والله، لله أشد فرحا بتوبة عبده من الرجل براحلته) ـ ميزان الحكمة للريشهري ويفسر العلماء والمحدثون الثقاة هذا اللون من الفرح بأنه يعني رضا لله وعن أمير المؤمنين صلوا ت الله عليه في حديث طويل قال: (الفرح مكروه عند الله عز وجل)ـ تفسير نور الثقلين ج4 / الشيخ الحويزي وعن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: (أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام لا تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كل حال فإن كثرة ذكري تنسي الذنوب وترك ذكري يقسي القلوب). النفسير الصافي ج4 / الفيض الكاشاني وللفرح ألوان متعددة من هنا يتبين لنا بأن ثمة لونا من ألوان الفرح اقترن ذكره بالذم أكثر منه اقترانا بالثناء والمديح فضلا عن ورود النهي عن الفرح في بعض الأحيان بغض النظر عن وصفه وماهيته. (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ـ آل عمران / 188 خلاف صيغة الحزن فإن إتيانه يجتذب المدح أو تقترن به (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)) ـ النجم وحين يمر المفسرون بهذه الآية الكريمة يعمدون في مرورهم إلى فعل وخزة توخز الضمير الواعي من خلال إشارة أو تلميح لتحذير شديد من أن يقع الإنسان في شرك السهو أو الغفلة فيسلبه ذلك إدراكه ووعيه وانتباهه ويجره إلى الإنشغال بملذات الدنيا ويفسرون (وأنتم سامدون) أي في غرور وغفلة وتكالب على الدنيا فيحذرون ويذكرون بأن لا مجال للضحك بل ينبغي على الإنسان أن يكون ميالا للبكاء أكثر منه إلى الضحك. وليس بالضرورة أن يقصد بالبكاء دائما الممارسة الفعلية وذرف الدموع. إنما يعني أن يتجنب الإنسان الإفراط والمبالغة بالفرح الذي ينتج الغرور أحيانا فيحث الإنسان على ارتكاب الذنوب أو المعاصي غير مكترث بأي محذور وينسى التوبة. بل يلزم أن يحيا الإنسان نادما متألما متأسفا على ما فاته من فرص كان الأولى به أن يغتنمها للطاعات لكنها فاتت بسبب سموده. أي غفلته وغروره هذا المضمون يعرفنا على أن الفرح المفرط يجذب الإنسان وربما يحوله من موقع لآخر لا يرغب به العقلاء وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث أعين: عين بكت من خشية الله، وعين غضت عن محارم الله، وعين باتت ساهرةً في سبيل الله) ـ الكافي ج2 / الشيخ الكليني. أما الإمام الصادق صلوات الله عليه فإشارته لهذا الأمر أقوى وأوضح فهو يشير بقولة للأمر حين يسأله المفضل : يا مولاي ما في الدموع من ثواب؟ فيقول صلوات الله عليه: (ما لا يحصى إذا كان من محق. فبكى المفضل بكاءً طويلاً ويقول: يا ابن رسول الله إن يومكم في القصاص لأعظم من يوم محنتكم، فقال له الصادق صلوات الله عليه: ولا كيوم محنتنا بكربلاء وإن كان يوم السقيفة وإحراق النار على باب أمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة وزينب وأم كلثوم وفضة وقتل محسن بالرفسة أعظم وأدهى وأمر، لأنه أصل يوم العذاب) ـ الهداية الكبرى / الحسين بن حمدان الخصيبي ومما يؤسف بأننا مثلما نتعاطى مع الكثير من الأمور بفهم خاطئ وتصور واهم كذلك الحال مع الفرح فقد عرفنا الفرح بما يحلو لنا تعريفه وحددنا وسائل التعامل معه ما هي نمطية الفرح؟ ثمة تصوراتٌ بغض النظر عن صوابها أو عدمها جعلتنا أن نقرن كل مناسبة نحسبها نحن مفرحة لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بلزومية إعلان الفرح. دون أن نلتفت إلى مفهوم الفرح أو صيغته أو أي معنى لمعانيه أو كيفية إظهاره. بتعبير آخر أنه لا يمكن أن تمر مناسبة استذكار مولد إمام معصوم إلا ونظهر معالم الفرح بكل ما أوتينا من قوة . ونطلق العنان للمزاجات وللرغبات وللأهواء ونعد ذلك من أهم ضرورات الولاء أو علاماته. وقد أصبح أوان مرور هذه المناسبات يمثل في أحيان كثيرة عملية اختبار للذاكرة الجمعية أو للذهنية العقائدية الواعية أو هو أشبه بجرس يخترق رنينه بواطن الذاكرات لتستعيد حيويتها العقائدية وتُنَبِّهُها فتجدد ارتباطها أو قل تمسكها الشديد بالتوقيتات للمناسبات الدينية إن الحقيقة التي لا تغيب عن ذهن أحد هي أن أوان مولد الإمام الحسين صلوات الله عليه ما هو إلا أوسع وأشمل وأبرز موسم من مواسم فرح أهل السماوات قبل أهل الأرض وما هو إلا مدعاة لكل حبور وسرور. لكن السؤال الذي يلزم طرحه ما هي نمطية هذا الفرح ؟ وما هو لون الفرح ؟ هل للفرح من تأويلات وصنوف ؟ ما هي الصيغة التي نعبر بها عن هذا الفرح ؟ ما هي الكيفية التي نتعامل بها؟ هل ينبغي أن نتعاطى مع الفرح مفهوما وتحليلا وتأويلا بمستوى حجم تعاملنا مع مواسم الحزن حين نتوشح بالأسى على مصاب الإمام الحسين صلوات الله عليه وأهل بيته والأئمة من ولده ؟ وقد نظمت مرة قصيدة في هذا المضمون اقتطع منها أبياتا تتناسب وهذا المقصد وبعض نام وهو يقود رهطا ** فيتبعه النيامُ إذا مشينا ويشدو لهم أناشيدَ المنايا ** يسوق إلى المنية غافلينا فإن صحنا استفيقوا صاح فيهم ** سلاما فلتظلوا نائمينا وإن رقدوا يصفق كي يفيقوا ** فيلقاهم إليه مصفقينا ونهزؤ إن بمولدك احتفلنا** بحجة أن ترانا منتشينا وفرحتنا لأن نأتي ضجيجا ** لتسمعنا فلا نهوى السكونا وإن صلاتنا صارت مُكاءً ** وتصديةً بشرع المفترينا فمن حسِبَ الشريعة نطق هاوٍ ** فهل له أن يجيب السائلينا فإن أنت ادعيت بذاك فتوى **اكتسبت وتبغي كسب المدعينا ترى هل صفق المختارُ لمّا **رأى الأملاك صفا هابطينا على مهد الحسينِ بألفِ نجوى **وراحوا به جميعا محدقينا وفطرس حطَّ عنده مستغيثا ** بربه.. نال عفوَ التائبينا أغثنا سيدي وارسل إلينا ** سناً واكشفْ خداعَ الجاهلينا يتبع