حجم النص
بقلم:حسن كاظم الفتال وسافر ففي الأسفار خمس فوائد أذكر مرة في سفرة من السفرات دخلت إلى الجامع الأموي في دمشق فدونت في ذاكرتي ثلاث ملاحظات: الأولى: كان شيخ كبير عند الباب يطلب من الداخلين أن يخلعوا أحذيتهم ويجمعها في محل مخصص معزول (كشوانية). وبينما نحن نصوب أنظارنا نحو واجهة الجامع الأموي وطرازه المعماري الإسلامي الجميل وإذا بإبنتي التي كانت حينها تبلغ من العمر ثلاث سنوات تفلت من يدي وتسرع لتقبل الباب الخشبي الرئيسي للجامع. فالتفت لها أمها فجأة وهمت لتمنعها من أن تفعل ذلك أي تقبل الباب قائلة لها: لا ماما.. لا.. (إهنا ما يبوسون الباب).. وتقصد لأنها ليست كما هي باب الصحن الحسيني المقدس الشريف الذي نقبله عند دخولنا لأداء مراسيم الزيارة لنزور سبط رسول الله صلى الله عليه وآله الذي طهر الأرض بدمه المقدس فأصبح كل ما يوضع على هذه البقعة ويلحق بها مقدسا يستحق التقبيل. وقد تعلمت منا ابنتنا ذلك. لذا فهي أرادت أن تفعل الفعل نفسه التي تفعله عند دخولها معنا إلى الصحن الحسيني الشريف. فعندما أسرعت الأم لتمسك بإبنتها التفت الشيخ الوقور الجالس على أريكة لدى باب الجامع. فقطب حاجبيه ولاحت على قسمات وجهه علامات الدهشة والتأثر والعتب في الوقت ذاته فرد على أمها قائلا: لا.. لا.. لا تمنعيها. فإن ذلك أمر حَسَن. دعيها تقبل الباب فأنها باب بيت من بيوت الله. الثانية: عند دخولنا لباحة المسجد سمعت شخصا يصرخ عاليا بعصبية وتشنج وحدة على أحد زائري الجامع: شَلَّحْ..شَلَّح.. شَلَّحْ. أي اخلع حذاءك. حيث أنه دخل إلى باحة الجامع ونسي أن يخلع حذائه. وبما أن المكان يقدسه أهله فينبغي أن يكون نظيفا طاهرا وتحيطه القدسية. الثالثة: تجولت في كل أقسام المسجد الأموي داخلا وخارجا وهو يحوي مراقد ومقامات إضافة إلى المسجد المصلى فلم أسمع أي صوت عالٍ. ولم أرَ شخصا يكلم شخصاً آخر إلا بالهمس. تحاشيا لرفع الصوت لأنه في مكان مقدس. فتذكرت قول الله عز وجل: (وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً) ـ طه / 108 كانت سفرتي ممتعة ومفيدة ودخولي لهذا الجامع نافعا جدا إذ علمني كيف أحترم الأماكن المقدسة حتى تلك التي يقدسها أهلها من الذين أختلف معهم بالرؤى أو بالفكر أو وجهات النظر فطالما هم يقدسونها فلا يحق لي أن أخالف أوامرهم عند دخولي لها. وتعلمت أيضا كيف علي أن أخفض صوتي عند دخولي بيوت الله تلك التي قال فيها جل وعلا. (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) ـ النور / 36 إذ أن رفع الأصوات يوخز ويؤذي أولئك الذين يقدسون هذه البيوت ويتعبدون بها أو يمارسون طقوسهم أو يؤدون فرائضهم فيها ويخدش مشاعرهم. فالأماكن المقدسة وضعت لتلاوة القرآن وقراءة الأدعية والأذكار والزيارات إذا كان فيها مراقد لأولياء الله. أما الممارسات الأخرى فهي ممكن أن تؤدى في أماكن أخرى