- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
نمطية الفرح في المواسم الدينية
حجم النص
حسن كاظم الفتال تمهيد منذ قديم الزمان وموالو ومحبو الإمام الحسين صلوات الله عليه يسعون لأن يقدموا براهين صدق انتمائنا العقائدي للمنهج الرسالي الحسيني المحمدي ويطلقون العنان للمشاعر والأحاسيس لتتفاعل وتتعامل مع القضية الحسينية العظيمة وما يتعلق بها بالإضافة لإحياء مناسبات تخص الإمام الحسين وأهل بيته والأئمة الأطهار من ولده صلوات الله عليهم أجمعين وهذه المناسبات وتعكس صورة واضحة للآخرين تبين ذلك. ويتم ذلك من خلال التجمعات لتذاكر مآثر ومناقب وفضائل أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين وهذا ما أصبح شعارا من شعارات الهوية التي نتميز بها ولا يخفى على أن أيام أو شهور السنة الهجرية تنطوي على مناسبات دينية كثيرة. وربما تتفوق السنة الهجرية على السنة الميلادية في احتوائها على المناسبات. وهذه المناسبات بصنفيها تستحق التوقير والإهتمام والتعامل مع أبعادها ومفاهيمها ومعطياتها تعاملا معنويا وماديا وتعبويا مميزا شريطة أن يُؤخذ بنظر الإعتبار كل المعايير والإعتبارات والمقاييس التي ينبغي أن لا تُخرِجَ المتعاطين معها عن المألوف. وقد تختلف طبيعة هذه المناسبات بمرورها. فمنها ما تستوجب إظهار معالم وإمارات الشجن والتعاطي معها بحزن شديد وألم وإيقاد الحسرات في الصدور. مثل استذكار مناسبات أو مواقيت استشهاد الأئمة الأطهار عليهم السلام أو أي من آل البيت أو أتباع العصمة صلوات الله عليهم. أو بعض الأحداث المؤلمة التي ألقت بظلالها على باطن كيان العقيدة قبل ظاهرها أو أحدثت خدشا في مشاعر وأحاسيس أصحاب العقيدة مما أسفر عن إيقاظ المواجع في النفوس. وثمة صنف آخر من المناسبات التي تستحق أن نوليها الإهتمام البالغ. كتلك التي نستذكر بها مواقيت تواريخ ميعاد مواليد الأئمة الأطهار عليهم السلام وكذلك التابعين لآل البيت عليهم السلام. وإن كلتا الحالتين يمكن أن تنصهرا ببودقة إحياء الأمر وتسوقاننا إلى الامتثال لتوجيه الإمام الصادق صلوات الله عليه حين يلفت عنايتنا لها وينبهنا لاكتساب الرحمة بقوله صلوات الله عليه: (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا). ولعل التزامنا بالتشديد على إحياء الأمر منبعث من عمق التجانس الروحي والميول بل الانتماء إلى المنهج الإنساني الذي نهجه آل البيت عليهم السلام والمبادئ السامية التي أرسوا قواعدها وأوصوا شيعتهم لأن ينتهجوها لينعم الجميع بسعادة ذلك الانتهاج وتكون النتيجة الفوز بالفلج. ملامح التمسك بالجوهر إن مبدأ إيلاء الإهتمام والعناية الشديدة من قبل أي مجتمع بالظواهر أو المظاهر الدينية والتمظهر بها بالطرق السليمة الأصولية الصحيحة إنما يعد هذا المبدأ أمرا طبيعيا بل حالة صحية لا غبار عليها. ناهيك عن أن المبدأ ذاته يعكس صورة عمق الإعتزاز بالموروث الديني العقائدي ويعد ملمحا من ملامح التمسك الواعي بهذا الموروث ولعل من خلال ذلك يتم إظهار تجديد الولاء للمعتقد الذي يعتنقه المجتمع. إن خلاصة هذا المفهوم ينطبق جوهره تماما على ممارسة الشعائر الدينية. وهذا ما دعا إلى أن يحث الدعاة العقائديون المخلصون الناس على ممارسة الشعائر الدينية من أجل تحقيق أهداف كثيرة ومنها ديمومة التواصل مع المنهج الديني الذي يمثل الحضارة الإنسانية وثم تهذيب النفس وتربيتها تربية دينية عقائدية صحيحة تُنشئ جيلا فاضلا صالحا ينأى بنفسه عن المثالب والموبقات وعن كل ما يضر بصحة وسلامة سلوكيات المجتمع شريطة أن تنطلق الممارسة بوعي وإدراك تامين وبقناعة أتم ونابعة من الحرص التام على الإطار العقائدي وألا تكون بصيغة شكلية أو سطحية عملية أو تمثل خضوعا لتقليد أو عرف اجتماعي متعارف عليه وأن لا يكون باطن نية الممارس للشعائر مسايرة أو محاباة لأفراد ينتهجون ذلك التقليد العرفي فارغ المحتوى. إذ أن الأعراف التي توارثتها المجتمعات ليست تتماشى مع ما تسنه الشريعة السمحاء. أو أن يكون هدف الممارس أو نيته إطلاع الآخرين بأنه مشارك دائم وله حضور مستمر فيطلع الآخرون على ذلك فتتزين صورته بأنظارهم. أو ربما ينوي من هذه المشاركة إشباع رغبة في النفس. وهذا الأمر ينطبق على ممارسة الشعائر بشكل عام. بينما يجدر بأن تكون المشاركة نابعة بفعلها من عمق الإيمان بالقضية وبنية صادقة حقيقية نابعة من صدق التفاعل والذوبان مع ما أفرزته المناسبة في النفوس من أبعاد ومعطيات تركت أثرها الفاعل في صناعة التقويم الديني التأريخي. لذا فإن الحث على التمسك بمبدأ ممارسة الشعائر الدينية وأدائها وإحيائها جاء بسبب أن شيوعها يعكس صورة التقيد والتمسك بالموروث الديني العقائدي. ومن أجل بيان هذه الحقيقية يتطلب من المجتمع التواصل، وهذا التواصل ينبغي أن يتم عبر وسائل وصيغ سليمة خالصة نقية من كل الشوائب صحيحةٍ تتوافق مع الجمع العقلي والذائقة المجتمعية فضلا عن الالتزام التام بالتطبيق الحرفي للشعيرة كما ينبغي أن يتطابق مسراها مع الضوابط والسياسات التي تمثل السياقات العقائدية والحسية للذائقة الجمعية وتجري مجرى النص الديني المساوق للمعتقد من هذا المنحى انبرى أتباع أهل البيت عليهم السلام في ممارساتهم وإحيائهم للشعائر الدينية مرتكزين على ركائز ثابتة قوية أرسى قواعدها الإمام الصادق بقوله صلوات الله عليه: (شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا، وعجنوا بماء ولايتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا). لا للعشوائية لقد تلقى الجميع هذا القول الصادقي الصادق بالتواتر بلهفة التائق بحرص شديد للحفاظ على جوهر أساسيات المبدأ الحق وصيانة المنهج العقائدي. إنما ثمة من تلقف هذا القول أو استقبله بفهم مغاير وفهمه بقدر مستوى استيعابه وتقبله للأمور. بل بلغ الأمر أن يتقبل البعض بقدر ما ينسجم الفهم مع مزاجيته. ولكن بالمحصلة النهائية أعد بأنه إيذان لإقامة الشعائر وإحيائها بشقيها المحزن والمفرح وأضفى الصفة الشرعية على إقامتها وأصبح صيغة من صيغ التعبير عن تقديم الولاء وتجديد العهد لآل البيت عليهم السلام. ولعل الأمر الذي حث مقيمي الشعائر على أن يزدادوا تمسكا بها هو الرغبة في اكتساب الرحمة التي عرفها الإمام الصادق عليه السلام حين ألحق قوله الأول بقول آخر له صلوات الله عليه وقرن اكتساب الرحمة بإقامة وإحياء الشعائر فقال صلوات الله عليه: (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا) هل من برزخ بين الحزن و الفرح ؟ بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾ ـ المعارج/19-21 لقد أخذ الحديث عن الفرح من أوقاتنا مأخذا لا باس به في النقاشات والسجالات وراح كل ينظر لحالة الفرح أو مكوناته من منظوره الخاص وتباينت مناسب المناظير بين ناظر وآخر وكل راح يعرفه وفق منظوره وقد استقرت مفردة الفرح أو الإشارة إليها أو تعريفها في القرآن الكريم بمنطوق آيات بينات عديدة وفي موارد كثيرة ومتعددة. فمرة جاء ذكره مطلقا أو مشروطا ومرة أخرى مقيدا وتارة منهيا عنه في بعض الموارد وأخرى يشار به للموعظة وأُعد بأنه نتيجة أو شاهد من شواهد نصر المؤمنين وهكذا واختصارا ندرج بعضا من هذه الآيات أو أجزاءً منها مما يتعلق ببحثنا هذا أو ما يتناسب مع مجرياته ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾ ـ الأنعام/ 44 ﴿ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ﴾ ـ الرعد/ 26. ﴿ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾ ـ الرعد / 36. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ ـ يونس/ 57-58 ﴿ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾ ـ القصص/ 76 ﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾ ـ الروم/ 4 ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ ـ الحديد/ 22-23. يتبع
أقرأ ايضاً
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- المرجعية الدينية.. مشاريع رائدة وطموحات واعدة
- مقابلات المرجعية الدينية الشريفة...رسائل اجتماعية بالغة الحكمة